إدمان التلاميذ على الهواتف الذكية وتأثيرها على التحصيل الدراسي

لا يختلف إثنان في كون التكنولوجيا وجدت أساسا لتسهيل الحياة لا لتعطيلها، لكن الإستخدام السلبي لها قد يؤثر في عملية التحصيل الدراسي للتلميذ، بالإضافة إلى تأثيرها في الحياة الإجتماعية للأسرة، حيث أصبحت تستخدم هذه الأجهزة بهدف نشر الشائعات والتشهير، ونقل المعلومات المغلوطة. كما أضحت تأخذ من وقت التلميذ الشيء الكثير، بدلا من أن تكون دعامة له في مسيرته التعليمية، إذن هي سلاح ذو حدين.
لقد تنامت ظاهرة امتلاك الهواتف الذكية بشكل كبير لدى التلميذات والتلاميذ، وعند الأطفال من أعمار صغيرة، حتى أصبحت إدمانا يصعب التخلص منه، في الوقت الذي اعتبرت فيه العديد من الأسر، أن هذه الهواتف كانت سببا في تهدئة أطفالهم، وجمود من يكبرهم سنا، حتى وإن كانوا تلاميذ او طلاب .
إلا أن الخطير في الأمر، هو أن عددا من الأمهات يظهرون سعادة كبيرة بتعامل أبنائهم مع الهاتف الذكي، معتبرين ذلك ذكاء مبكرا، حتى وإن كانت أعمارهم لا تتجاوز العام الثاني، كما ان منهم من يعتبر المراهق عبقري ،من خلال تعامله مع الأجهزة الذكية، .فهل يحق لنا أن نكون فخورين بهذا الصنف من الأبناء، رغم أننا على يقين من أنهم لم يصلوا إلى ذلك، إلا بعد قضاء ساعات طويلة مع هذه الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية؟،فهل فكرنا ولو لحظة في المخاطر والأضرار التي من الممكن أن يسببها هذا الإدمان على تلاميذنا واطفالنا؟.
لقد أثبتت العديد من البحوث والاحصائيات ،أن الإدمان على الهواتف الذكية له تأثيرات كثيرة على نمو ونشأة الأطفال وخطورتها أكثر مما نتوقع ونتخيل، تستوجب الحيطة والحذر من طرف جل الأمهات والآباء .
إن تصفح التلاميذ والطلبة للهاتف الذكي خلال الطريق إلى المدرسة او الجامعة، وأثناء الحصة الدراسية أو أثناء انتظار استاذهم، أمر شائع ، علما أن في ذلك تأثيرات سلبية على التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى التأثيرات الصحية و الإجتماعية، مما يتطلب اهتماما كبيرا من الأسر في طرق استخدام هذه التكنولوجيا، وكيفية وطريقة الإستفادة منها، بالإضافة إلى تكثيف الرقابة عليهم للحد من الإستخدام السيء لها، وتعزيز سلوك الاستغلال الإيجابي للخدمات التي تفعلها الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية.
لقد ذهبت بعض الابحاث إلى ان تفصح الإنترنيت بهدف الإستفادة من خدماته ،له تأثير على المستوى الدراسي، فلا مشكلة إن استخدم التلاميذ أو الطلبة الهواتف الذكية للتواصل مع أساتذة المواد عبر البريد الإلكتروني، أو كتابة الملاحظات أو البحث عن المعلومات. فما يسبب المشاكل،هو كتابة الرسائل النصية أو تصفح برامج التواصل الاجتماعي مثل( تويتر)و (انستغرام )،الذي له انعكاسات وتأثيرات سلبية كبيرا على التحصيل العلمي لأبنائنا التلاميذ والطلبة.
كما أكدت أبحاث أخرى أن التلميذ المراهق يلجأ إلى ايجاد واقع بديل عن واقعه الذي يعيش فيه، والذي لا يطيب له في معظم الأحيان، ولا يجد امانيه. وكل ما يحتاجه لتغيير واقعه هو خلق حساب في موقع إجتماعي، فيخلق بذلك عالما جديدا خاص به، هذا بالإضافة الى انه يعمد من خلال ذلك إلى إعادة رسم صورته بالطريقة التي يريد، وتكون بطبيعة الحال مغايرة لصورته الحقيقية. وكل ذلك في سبيل نيل إعجاب الجنس الآخر، لأن الشخصية الوهمية الجديدة التي تتيح له تلك المواقع إمكانية تمثيلها،والكم الهائل من الأصدقاء الذين توفرهم له من كل أنحاء العالم، كل هذه المغريات تجعل التلميذ المراهق غير قادر على الهروب من هذا العالم الافتراضي الذي يهتم كثيرا بشخصه كما جاء على لسان العديد منهم، أكثر بكثير من الأشخاص المحيطين به في عالمه الواقعي.
لقد أكدت عدة دراسات أن استعمال الإنترنيت على الهاتف المحمول يحرف انتباه التلاميذ والتلميذات عن دراستهم، ويبقيهم مستيقظين حتى ساعات متأخرة من الليل، الأمر الذي يؤثر سلبا على النتائج الدراسية، ويمنعهم من ممارسة هوايات مفيدة، كالرياضة أو المطالعة،ويتسبب في الفشل الدراسي للعديد من التلميذات والتلاميذ وفي تدني مستوى القراءة والكتابة. وهو ما زكاه استطلاع للرأي أجري في العديد من الدول حيث يعود سبب ذلك إلى الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما(الفايسبوك ).وترى نسبة مهمة من مديري المؤسسات التعليمية، أن تلك المواقع تشكل ضررا بالغا على مستوى التحصيل العلمي، علما أن التلاميذ المراهقين لم يعودوا يرغبون في مطالعة الكتب.
ومن خطورة هذا الإدمان، انه حتى في الدروس الإضافية الليلية التي سادت وانتشرت عبر التراب الوطني حتى أصبحت ملازمة للمنظومة التعليمية عنذ شريحة مهمة من الأسر المغربية، خاصة في الأقسام الاشهادية، فالهاتف الذكي لا يفارق العديد من التلميذات، فترى المدرس منهمك في الشرح، أو الكتابة، بينما مجموعة من التلاميذ الذين فضلوا التموقع في الصفوف الخلفية منهمكون في متابعة ما تحمله هواتفهم ،بعد أن وضعوا سماعات هواتفهم في آذانهم ،وأصبحوا خارج جو الدرس و التحصيل،وهم بذلك يعملون على ضياع أوقاتهم، وضياع أموال أسرهم. في الوقت الذي تعتقد هذه الأسر انها تقدم لأبنائها إضافات على حساب أولويات أسرية وعائلية.
العديد من التلميذات والتلاميذ لهم مواقف متباينة حول هذا الموضوع، فهناك من يؤكد أن عددا كبيرا من التلاميذ يستخدمون هواتفهم الذكية بالخفاء خلال حصص الدراسة، مما يشجعهم هم أيضا على استعمال هواتفهم لتفقد حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، موضحين أنهم يشاركون أصدقائهم بجميع يومياتهم خلال يومهم الدراسي، فيما يرى بعض التلاميذ أن استخدام التلاميذ لهواتفهم يكون شيئا محبطا بالنسبة إليهم، موضحين أن استخدام التلاميذ للهواتف يتسبب لهم في التشتت،.فهم ايضا يحبون تصفح حسابهم، ولكنهم لا يعرفون متى يتوقفون عن ذلك، وعن طريق انضباطهم الذاتي. وكل مستخدم للهاتف الذكي حسب رأيهم، فإنه لن يتمكن من التركيز على الإطلاق، في حين أكدت إحدى التلميذات ،انها عنذ سهرها والنوم لساعات متأخرة بسبب استخدامها لهاتفها الذكي، يسهم ذلك في تراجع مستواها التحصيلي الدراسي، ويقل تركيزها واستيعابها للدروس، خاصة في المواد العلمية، كالرياضيات والعلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والارض، وحتى القراءة التي تحتاج إلى كثير من التركيز، فضلا عن عدم مقدرتها على التركيز في أداء فروضها بسبب الإرهاق المتواصل. أما حين تغلق هاتفها ليلا وتنام مبكرا، تشعر بقابلية أكبر على استعابها لدروسها والتركيز مع شرح اساتذتها وإنجاز تمارينها المطلوبة بكل دقة..
انه موضوع مازال يثير الجدل بين مؤيد ومعارض. مما يدعو إلى فتح نقاش موسع بين جميع المتدخلين في العملية التعليمية التربوية ببلادنا.


الكاتب : محمد تامر

  

بتاريخ : 06/02/2020