في أفق الاستقلالية الذاتية المؤسسات التعليمية.. بين التأهيل وإعادة التأهيل

يستمد التأهيل مدلوله من الغاية الأساسية منه ، حيث يتوسع معناه باتساع دائرة الاستهداف ، ولكنه في العموم يعني أحد الأمرين التاليين: – العودة بشيء إلى حالة أو وضعية سابقة أو ما يمكن الاصطلاح عليه بـالتأهيل Habilitation – التجديد وإعطاء صورة نمطية متجددة في شكلها وهيئتها وقدراتها بعد الوصول إلى حالة صارت متجاوزة أو غير مقبولة وما يمكن تسميته بـإعادة التأهيل Réhabilitation.
وفي شقه المتعلق بالمؤسسة التعليمية العمومية – على اعتبار أن الفضاء المدرسي بكل بنياته وتجهيزاته ووسائله، له دور كبير في إنجاح أو فشل الفعل التعليمي – وما تم إصداره من توجيهات ومذكرات وتخصيص اعتمادات مالية ضخمة تروم تأهيل المؤسسات التعليمية يمكن التفريق بين الأمرين ، لأن تأهيل المؤسسات التعليمية يعني أنها بحاجة لأن تكون مؤسسة تواكب زمنها وعصرها من حيث بنيتها التحتية وتجهيزاتها الأساسية ومكوناتها المادية والبشرية، بينما الحال أن التأهيل الذي يشكل أساس الاشتغال يستهدف إحداثات لم تكن موجودة أصلا، كإحداث المرافق الصحية والملاعب الرياضية والممرات وولوجيات ذوي الاحتياجات الخاصة والخزانات التربوية والفضاءات الخضراء، خصوصا في مؤسسات التعليم الابتدائي بالوسط القروي، كما يستهدف تسوير جميع المؤسسات وتعميم الربط بشبكات الماء الصالح للشرب والكهرباء والصرف الصحي وتحسين ظروف التدفئة بالنسبة للمؤسسات الواقعة في المناطق الجبلية الباردة شتاء، إضافة إلى الاهتمام بالأثاث المدرسي والمظهرين الداخلي والخارجي للمؤسسة التعليمية، ومثل هذه الأمور تدخل في باب التأهيل حقا ، ليس فقط لإضفاء نوع من الجاذبية على المؤسسة وإنما لجعلها مؤسسة توفر مبدأ تكافؤ الفرص ما بين تلامذة الوسطين الحضري والقروي في أبسط تجلياته وتجديد الثقة في المدرسة العمومية وتعزيز فرص تحصيل تعليم جيد…
أما إعادة تأهيل المؤسسات، فإن الوضعية التي صارت عليها المؤسسات التعليمية بفعل عوادي الزمن وأقدمية إحداثها وبنائها، تلزم بتبني هذا التوجه، حيث يقتضي الأمر تجديد بناياتها وترميمها وإصلاح ما فسد منها أو لم يعد قابلا للاستغلال والتوظيف، أو صار يشكل خطرا على مرتاديها ومرتفقيها، وإضافة مجموعة من المرافق والبنيات ذات البعد التربوي ،كالقاعة متعددة الوسائط التي يمكنها أن تضم خشبة وركحا للمسرح المدرسي ومرسما ومعرضا وقاعة لعرض الأشرطة الوثائقية التعليمية ، ومثل المحترفات والبستان أو المشتل المدرسي والملاعب متعددة الرياضات ، وكل ذلك من أجل الاكتشاف المبكر للطاقات والمواهب والعمل على صقلها  وضمان شروط التمكن من الانتقال من المدرسة الكلاسيكية إلى المدرسة العصرية المتجددة، وحتى تكون المؤسسة قد انتقلت من مرحلة التأهيل إلى مرحلة إعادة التأهيل أو إلى مرحلة ما بعده، من قبيل التخلص من البناء المفكك الذي تتشكل منه حجرات دراسية ومطاعم وسكنيات وإدارات.
ولتقوم المدرسة العمومية بعمليات التأهيل أو إعادة التأهيل لا بد من توفرها على الاعتمادات المالية اللازمة لهذه الغايات، والتي مازالت مرتبطة فيها كل الارتباط بالميزانية الفرعية للقطاع وما يتم تقسيمه جهويا على المديريات الإقليمية، في أفق تحقيق الاستقلالية الذاتية للمؤسسة التعليمية، وفي انتظار التوجه نحو المؤسسة المندمجة المنتجة، التي ستكون لها مواردها الخاصة ويتم استثمارها وتوظيفها تحت إشراف مجالس تدبيرها..


الكاتب : عبد الكريم جبراوي

  

بتاريخ : 10/02/2020