الشامي يقدم للعثماني دراسة تحذر من انتشار الريع العقاري القائم على المضاربة وتجميد الأراضي .. اتفق مع بنعبد القادر حول هشاشة الأمن القانوني المتعلق بتحصين الملكية العقارية

 

كشفت الدراسة التي قدمها رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أحمد رضا الشامي أول أمس الأربعاء، لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، عن مجموعة من الاختلالات المتراكمة في القطاع العقاري على مدى عقود والتي خلفت تداعيات سلبية مهمة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وأوضحت الدراسة التي أنجزها المجلس بناء على طلب من الحكومة والتي ضمنها رؤيته بشأن بلورة استراتيجية وطنية جديدة للسياسة العقارية للدولة، أن الفئات المعوزة والطبقة الوسطى تجد صعوبة حقيقية في الولوج إلى سكن نظامي لائق، بسبب ارتفاع تكلفته، حيث تضطر الأسر المعوزة إلى اللجوء إلى معاملات غير نظامية وإلى تفاهمات مختلفة للولوج إلى العقار بتكلفة مناسبة، أو حتى إلى احتلال الأراضي بصورة غير قانونية، ترقبا للاستفادة من برامج لتسوية الوضعية أو إعادة الإسكان.
ونبهت الدراسة إلى استمرار انتشار السكن العشوائي على الرغم من وجود برامج من قبيل “مدن بدون صفيح”، والتي لم تمكِّن من ضمان الاندماج الأمثل للأسر التي تمت إعادة إسكانها في أحياء بعيدة عن وسط المدينة، مما يزيد من حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وفي نفس الوقت، حذرت الدراسة من مظاهر التمييز الاجتماعي، وضياع الأراضي الفلاحية وتدهور الأنظمة الإيكولوجية جرَّاء انعكاسات ظاهرة التعمير القائم على منطق انتهاز الفرص العقارية المتاحة والتوسع العشوائي لضواحي المدن.
وسجلت الدراسة التي قدمها الشامي، هشاشة الأمن القانوني المتعلق بتحصين الملكية العقارية، وهي نفس الخلاصة التي نبه إليها وزير العدل محمد بنعبد القادر يوم الثلاثاء خلال ترؤسه أشغال اللجنة المكلفة بتتبع موضوع “الاستيلاء على عقارات الغير” حيث أكد الوزير أن هناك “مقتضيات قانونية تتضمنها مدونة الحقوق العينية والقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وقانون الإلتزامات والعقود، تشوبها ثغرات كبيرة”، وهو ما يسمح باستفحال ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، داعيا إلى إدخال تعديلات جوهرية على عدد من القوانين.
على صعيد آخر، حذرت دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من انتشار الممارسات الريعية القائمة على المضاربة وتجميد الوعاء العقاري، وذلك على حساب التعبئة الناجعة للأراضي من أجل الاستثمار المنتِج.
واعتبر المجلس أن التشخيص الذي تم إنجازه في إطار هذه الدراسة قد مكن من الوقوف على مجموعة واسعة من الثغرات ومكامن الخلل التي ينبغي أن تشكل مسالك إصلاح ذات أولوية بالنسبة لأي استراتيجية عقارية مستقبلية.
وميزت الدراسة بين مستويين من الاختلالات العقارية ، مستوى مرتبط الإطار القانوني والجبائي المنظم لمجال العقار، الذي تعتريه العديد من النواقص تتعلق على وجه الخصوص
بتعدد الأنظمة القانونية للأراضي، وتقادم الترسانة قانونية وتعقدها وعدم استكمال تصفية الوضعية القانونية لأملاك الدولة، وهو ما من شأنه أن يعيق تعبئة العقار لفائدة مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والعرض غير الكافي من الأراضي المهيأة، مما يبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة، وانعدام أدوات لتقنين السوق العقارية (باستثناء حق الدولة في الشفعة أي الأفضلية، وكذا اللجوء المفرط للاستثناءات، في الوسطين الحضري والقروي على حد سواء، من أجل الاستجابة للطلبات المستعجَلة وغياب آليات جبائية ملائمة لمجال العقار، لاسيما في حالة تغيير النشاط المخصص للأراضي، وهو ما يشكل مجالاً خصباً للمضاربة وتجميد الوعاء العقاري والممارسات غير القانونية، وأخيرا ضعف تحصين الملكية العقارية بسبب بطء وتيرة إجراءات التحفيظ، لا سيما في الوسط القروي..
أما المستوى الثاني من هذه الاختلالات التي رصدها المجلس فيهم حكامة السياسات العمومية وتجانسها وهو مجال عمل يتعلق بمدى نجاعة الاختيارات التي تم تبنيها في مجال السياسة العقارية ببلادنا، وكذا التفاعلات بين هذه السياسة والسياسات العمومية الأخرى، القطاعية منها والترابية. ومن بين الإكراهات التي تم الوقوف عليها في هذا الصدد، ذكر المجلس بغياب اعتماد توجه استراتيجي متجانس ومندمج في مجال العقار، وضعف الترابط بين وثائق التعمير والخدمات العمومية الحضرية، وتراجع دور التعمير كآلية للتقنين، وضعف الأداء العقاري..
وبناء على عناصر التشخيص التي تم تقديمها في هذا الشأن، اقترح المجلس أربعة توجهات استراتيجية تضم مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تحديث الإطار العام المنظِّم لمجال العقار، حيث يروم التوجه الأول تهيئة مجالات حضرية متحررة من أي قيود تحول دون تحقيق التنمية، ومستقطبة للاستثمار المنتِج وتوفر سكناً يكفل شروط العيش الكريم ويكون متاحاً للجميع، وذلك عبر وضع برامج للنهوض بالسكن المتوسط، وتدعيمها بتدابير تحفيزية، مع العمل على ضمان تتبع صارم للتصدي للممارسات غير السليمة التي واكبت تنفيذ بعض برامج السكن الاجتماعي. واللجوء إلى ضم الأراضي في المناطق المحيطة بالمدن، وفق مساطر شفافة تُوفِّر المعلومة للجميع، من أجل إتاحة تدخل عمومي يكفل تسريع وتيرة فتح الأراضي أمام عمليات التهيئة العمرانية.
أما التوجه الثاني، الذي يقتره المجلس، فيسعى إلى إرساء إصلاح تدريجي للنظام الخاص بالأراضي الجماعية يكفل الحقوق الفردية والجماعية ويحد من الإكراهات التي تعيق التنمية القروية، مع الحرص على أخذ متطلبات الاستدامة البيئية بعين الاعتبار. بينما يهدف التوجه الثالث إلى إرساء إطار قانوني ينظم قطاع العقار في شموليته، ويضمن تحصين حقوق الملكية، فيما يروم يروم إرساء حكامة عقارية فعالة وناجعة تتوفر على إطار للتدبير وأدوات ملائمة لتطورات الطلب.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 28/02/2020

أخبار مرتبطة

لا شك أن الفنانة كرسيت الشريفة، سوف تبقى شخصية غنية خصبة متعددة الجوانب، لأنها لم تكن فنانة اعتيادية أو مؤدية

  على بعد أيام من تخليد العيد الأممي للطبقة العاملة، تعود الشغيلة الصحية للاحتجاج، تعبيرا منها عن رفضها للإقصاء الذي

  تشكل القراءة التاريخية لتجارب بعض الأعلام المؤسسة للفعل السياسي و الدبلوماسي في المغرب المستقل، لحظة فكرية يتم من خلالها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *