أجواء وطقوس رمضان بالأقاليم الجنوبية

 

احتفاء بشهر رمضان الكريم بالأقاليم الجنوبية للمملكة، تتوافد أعداد كبيرة من المواطنين والمواطنات على مساجد العيون في كل أوقات الصلاة لأداء شعائرهم الدينية في جو روحاني مفعم بالذكر وتلاوة القرآن، هذه المساجد التي أصبح تعدادها 55 مسجدا كلها حديثة البناء كان آخرها افتتاح مسجد يوسف ابن تاشفين خلال رمضان الحالي بشارع إدريس الأول «شارع بوكراع» بعد أن كان بها مسجد واحد شيدته السلطات الاستعمارية في شكل كنيسة قبل أن يتم تغيير تصميمه المعماري إلى الطابع المغربي الأصيل. وإلى جانب الصلاة والتعبد يحرص المواطنون على حضور تتبع الدروس الدينية التي يلقيها علماء من داخل الوطن ومن خارجه طيلة الشهر تتمحور حول قضايا متعددة أهمها تفقيه الناس في أمور دينهم ودعوتهم إلى التآخي والتآزر والتسامح، بعيدا عن التعصب والغلو والتطرف. وعلى مستوى الاستعدادات المادية تبقى جد عادية بالنسبة للأغلبية الساحقة من ساكنة الأقاليم الصحراوية، حيث مازالت تحافظ على ثقافتها وتقاليدها ونمط عيشها في هذا الشهر، وبالمقابل نجد أسرا أخرى أصبحت بحكم التمدن والتحديث الاجتماعي الذي عرفه المجتمع الحساني بالأقاليم الصحراوية تساير هذا التطور في تقديم وجبة الفطور والسحور بشكل لا يختلف عن باقي المناطق الشمالية من المملكة، وقد تزامن هذا الشهر الفضيل هذه السنة مع أجواء الصيف والامتحانات والاستعداد للعطلة الصيفية وانتقال عدد كبير من الأسر إلى منتجع فم الواد الواقع غرب مدينة العيون حوالي 25 كلم. ومن بين العادات المنتشرة بهذه الربوع خاصة بعد صلاة العصر، تواجد بعض الرجال هنا وهناك في شكل حلقات جالسين القرفصاء، أو مفترشين الحصير لمزاولة لعبة الضومينو، بالإضافة إلى لعبة (ضامة) وهي عبارة عن رقعة من الرمال لا تتعدى مساحتها 50 سم تتواجد بها 80 حفرة صغيرة حيث يلعب متباريان وتحيط بهما مجموعة من المتفرجين ومقدمي النصائح، مع ما يرافق ذلك من تعليقات ساخرة يحاول بها كل طرف إثارة أعصاب الطرف الآخر في جو يسوده المرح والفرجة. و في نفس الوقت تنهمك النسوة في إعداد وجبة الفطور المتكونة من حساء الشعير أو من المكلي أو العادي والتمر ولبن النوق والشاي ومن سنام و كبد الإبل المشوي في الفرن أو على الفحم أو مطبوخا في الماء من دون توابل .ومن بين أهم الألعاب المنتشرة الخاصة بالنساء لعبة السيك الذهنية حيث تتطوع إحدى السيدات قبل البدء في هذه اللعبة في التحضير لإعداد مشروب الشاي بطقوسه وبجيماته الثلاث: أجمر، أجماعة، والجر، بمعنى الفحم المشتعل، والحوار والمناقشة في مواضيع مفيدة ومسلية، وطول مدة إعداد الشاي حيث تصل في بعض الحالات إلى أكثر من أربع ساعات لشرب ثلاثة كؤوس صغيرة جدا من الشاي بقليل من السكر ومن دون نعناع وتتم لعبة السيك بسبع خشيبات يقارب طولها 30 سنتيما، ولكل واحدة اسم معين: السيكا، لربعا، البكرة، الفروة. وتلعب هذه اللعبة جلوسا بين سيدتين فما فوق في شكل دائري والفريق المنهزم ينسحب ويترك مكانه لفريق جديد وهكذا دواليك وتنظم هذه الألعاب في منازل المتنافسات بشكل التناوب المعروف ب: (اسويرتي) لتختتم بحفل عشاء يتشكل من الأرز ولحم الإبل واللبن قبل موعد وجبة السحور المهيأة من دقيق الشعير المكلي والماء الساخن و(الدهن) زبدة الماعز والعسل، وفي حالة عدم وجودهما يتم تعويضهما بالزبدة البلدية وزيت الزيتون، وتسمى هذه الأكلة بـ: بولغمان، بالإضافة إلى اللبن والشاي. وتستمر هذه العادات والتقاليد الرمضانية إلى ما قبل ليلة القدر لإحياء هذه الليلة المباركة والاستعداد لعيد الفطر.
ويتميز ليل الصحراء بشكل عام بالرطوبة المعتدلة وهبوب الرياح خاصة حين تكون درجات حرارة النهار جد مرتفعة، مما يجعل الساكنة تخرج إلى ساحات وشوارع المدينة كمحج محمد السادس وشارع مكة وشارع إدريس الأول وسوق ارحيبة وشارع القيروان والفضاءات الأخرى في باقي الأنشطة الثقافية الموازية التي من المفروض أن تقوم بها الجهات المسؤولة لخلق أجواء ثقافية والفرجة والترفيه عبر مجموع الفضاءات المنتشرة هنا وهناك، التي تعرف هذه السنة ركودا لم يسبق أن عرفته في باقي السنوات الماضية.


الكاتب : مبارك العمري

  

بتاريخ : 14/06/2017