أغنية للحب والثورة

 

تُصْبحِين عَلَى نَبْضَةِ قَلْبٍ..
لَنْ نَلْتَقِي أحَداً ..فِي طَرِيقِنا أبَداً..
يُنَاوِلُنَا فَانُوساً، كَمَا يَنْبَغِي!..
وَيُرَبّتُ عَلَى كَتفيْنَا، كَمَا يَنْبَغِي!..
وَيُشْعِلَ عُودَ ثِقَابٍ، كَيْ تُضِيءَ ٱلشُّمُوعُ
عَلَى وُجْنتيْكِ، كَمَا يَنْبَغِي!..
لَن نَجِدَ دِيوَانَ شِعْرٍ يَجْمَعُنَا، وَيُعَلِّمُنَا..
كَيْفَ يَكُونُ ٱلْعِشْقُ صَلَاةً..
لَن نَجدَ قَصِيدَةً، تَرْوي النَّفْسَ
الأمَّارَةَ بِٱلشِّعْر، كَمَا يَنْبَغِي!..
أنَا رَجُلٌ بِلَا شَجَرٍ.. بِلَا حَذَرٍ.. بِلَا نَظَرٍ..
صَبُّ ٱلْفُؤَادِ، وَمَا أَمْلِكُ فِي ٱلدُّنْيَا
سِوَايْ، أَنَا رَجُلٌ عَصْلَبِيٌ لَا يُطَاقْ،
فَكُونِي مَعِي لِنكُونَ مَعاً كَائِنَيْنِ!..
لَنْ أُمْهِلَكِ سِوَى لَحْظَتَيْنِ لِتَغْسِلِي فَخِذَيْكِ
مِنْ مَاءِ غَيْرِي، لِنُسَافِرَ مَعاً
أدْرَاجَ ٱلْهَبَاءْ إلَى فِكْرٍ يُطَاقْ..
إلَى ٱلْعَاصِمَةِ ٱلْيَسَارْ
إلَى خَفْقَةٍ مِنْ دَمِ ٱلشَّيْخِ «مَايَاكُوفْسْكِي»
هُنَاكَ قَاعَةٌ، وَٱنْتِظَارٌ، وَٱنْشِطَارْ..
وَفِكْرٌ يُهْرَقُ، وَدَمٌ مُرَاقْ.. وَهُنَا – أَنَا– ﺃحِنُّ
إلَى ٱلْجُلُوسِ عَلَى طَاولَةِ ٱلْيَسَار، فَحَذَارِ..
كُونِي مَعِي لِنَكُونَ مَعاً، كَائنَيْن!..
لَا حُقَّ لِلْوَطَنِ ٱلْخَرَابْ
فَتَعَالَيْ، لِنَسْتَريحَ هُنَا، خَلْفَ طَاوِلَةِ ٱلْيَسَارْ..
مِنْ تَعَبِ ٱلْمَشْيِ فِي ٱلطّرُقَاتِ في ٱلدّرْبِ ٱلْكَفِيفْ
وَمِنْ حُرُوبِ، وَوُعْثَاءِ ٱلسَّفَرْ،
وَخُذِي ٱلْحَذَرْ.. هُنَاكَ، عِنْدَ ٱلظّلّ..
مَلَائِكَةٌ، بِمُسُوحِ ٱلشَّياطِينِ، هُنَاكَ
شَيْطَانٌ فِي ثِيَابِ مَلَكٍ زِنْدِيقْ!
هُنَاكَ يَمِينٌ، ولَا يَمِينْ..
هُنَاكَ يَسَارٌ، بِٱسْمِ ٱلْيَسَارْ!
هُنَا وَطَنٌ.. هُنَا حُلُمٌ..
هُنَا خَفْقَةٌ.. هُنَا فِكْرَةٌ.. هُنَا أُفُقٌ..
هُنَاكَ طَرِيقٌ.. هُنَاكَ مَسَارْ!
فَتَعَاليْ، يَا رَفِيقَتِي،
لِنَرْسُمَ لِخَطْوِنَا مَسَاراً.. وَنُسْدِلَ ٱلسِّتَارْ..
عَلَّهُ، بَعْدَ ٱلْمَسْرَحيَّةِ، يَنْسَدِلُ ٱلسِّتَارْ!..
هَا أيَّتُهَا ٱلرَّفِيقَة،
كُنْتُ أخْشَى أَنْ تَغِيبِي،
كَمَا ٱلْفَرَاغِ، أَنْﺃرْفعَ بَصَرِي،
فَلَا أَجِدُ لَكِ طَيْفاً، وَمَرَّتِ ٱلسِّنُونُ..
اِلْتَقيتُكِ طِفْلةً صَغيرَة، تَسُوحُ
ثُمَّ شَبَّتْ، وَصَارَتْ نَجْمَة.. وَعِيداً..
تَحْلُمُ.. تُقَبّلُ عَلَى ٱلشِّفَاهِ،
تَقْرَأُ ٱلشِّعْرَ، وَكُتُبَ ٱلتَّارِيخِ،
وَتَسْتَقْبِلُ فِي غُرْفَةِ نَوْمِهَا شَابّاً
يَكْبُرُهَا بِعَشْرِ سِنِينَ، وَغَيْمَتَيْنْ،
هَا أيَّتُهَا ٱلرَّفِيقَة، هَذَا خَيْطُ دُخَانٍ
وَعُودُ كِبْريتٍ، وَمُذكّرَاتُ «غرَامْشِي»،آخرُ وَصيَّتي..
وَعِندَمَا تَصِلُكِ رِسَالَتي ٱلْأخِيرَهْ
اِجْعَلِيهَا طَيَّارَةً هَوَائِيَّةً،
أَوْ صَارُوخاً مِنَ ٱلْوَرَقِ، وَأَشْيَائِي ٱلْبَاقِيَّةُ
اِقْذِفِيهَا فِي ٱلْفَرَاغِ، فَأنَا، ٱلآنَ، فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ
وَلَسْتُ ﺃدْري مَنْ يَسْتَفْحلُ غُرْفتَكِ سَاعَتَهَا..
وَٱلْعُذرُ ذَنْبٌ قَبِيحٌ.. وَٱلْاعْتذارُ سَمْجٌ ثَقِيلْ، وَٱلتَّقْبِيلُ..
فَلْيَكُنْ عَلَى ٱلشِّفَاهِ، وَشِفَاهِي رِسَالَتِي ٱلْأخِيرَة، وَقَتْلِي ٱلْبَطِيءْ..
كُلُّ ٱلْوَثَائِقِ –عَدَاكِ– ٱلَّتِي
تُثْبِتُ حَقَّ ٱلْهُويَةِ، اِنْسَلَخْتُ عَنْهَا
سَأنْقَلِبُ إِنْسَاناً آخَرَ، غَيْرَ ذُو عَرَفْتِ،
يَا لُغَةَ ٱلْكِيمْيَاءِ، الَّتِي مَلَأتْ وَرَقِي ٱلْمُبَعْثَرْ،
وَالَّتي ٱلْتَقَيْتُهَا صُدْفَةً فِي شَوَارع «كَازَابْلانْكَا»،
وعِنْدَ مُنْحَدَرِ ٱلْهَوى، لَعِبْنَا، وَعَبَثْنَا..
وَخَرَجْنَا عَنْ طَوْقِ ٱلْبَشَرْ،
وَرَفعْنَا ٱلشِّعْرَ سِلاَحاً، وَأَنشَدْنَا «مَايَاكُوفسْكِي»
– «إِنَّهُ لِي»، أَنْتِ لِي أَيَّتُهَا ٱلرَّفِيقَة، ﺃُخَاصِرُكِ
– « لِمَاذَا ٱنْتَحَرْ؟» تَسْأَلِينَ.. أَحَقّاً ٱلثَّوْرَةُ تَخُونُ ٱلْبَشَرْ،
أَتَصْنَعُ ٱلثَّوْرَةُ إنْسَاناً، أَمْ تَحْصُدُ رِيحهَا آخِرَ ثَائِرْ!
وَتَرِنُّ ٱلْأسْئلَةُ كَمْوتٍ وَشِيكٍ، أتَلَقَّفُهَا مِنْ عَلَى شَفَتَيْكِ،
رَحِيلاً بَاتَ مُضْمَراً، وَأنْفَاسِي
تَزُفُّكِ كَمْوتِ «نَشِيدِ ٱلْيَسَارْ»
أُخَلّفُ وَرَائِي صِبْيَةً تَسُوحُ أنَاملُهُمْ
دَاخِل مُرُوجِ جَسَدِكْ، وَدَاعاً يَا قَدَرِي،
وَدَاعاً يَا وَطَني، وَدَاعاً يَا زَمَني.. آهٍ، مِنْ أزْمِنَةِ ٱلنّسْيَانْ،
يَأتِي صَبَاحُكِ خِلْسَةً وَيَرْحَلُ صَبَاحِي، جُفَاءً فِي ٱلْمَسَاءْ،
وَدَاعاً يَا وَطَناً يُغَنّي لِلهَبَاءْ، إلَى رَمْسٍ أَخِيرْ
سَأظَلُّ وَحْدِي سَجِينْ آهٍ، مِنْ وَحْدِي سَجِينْ،
أمُجُّ دُخَانَ ٱلسَّجَائِرْ، وَﺃكْتُبُ ٱلْمُذَكرَاتِ،
أجَالِسُ ٱلْأرْوَاحَ، وَٱلْأَشْبَاحَ، وَٱلمُسُوحْ..
أُعَانِقُ إدْلاَجَةَ صَمْتٍ مُنْطَفِئٍ عَلَى ٱلشّفَاهِ، حِيناً..
وَحيناً أُثَرْثرُ حَدَّ ٱلْمُجُونْ، رَفِيقَتِي.. لَا أرَى غَيْرَ خُطَاكِ
لَا ﺃسْمَعُ غَيْرَ صَدَاكِ، سَلِمَت ظِلَالُ ٱلزَّيْزَفُونْ!
فَقَطْ، وَحْدِي سَجِينٌ.. آهٍ، مِنْ وَحْدِي سَجينْ،
يُغَادِرُنِي ٱلرّفَاقُ، أَغَالِبُ ٱلزَّمَنْ..
أَسْتَعْجِلُ ٱللَّيْلَ لِأرْكَبَ مَوَائِدَ ٱلْقِمَارْ
أُدِيرُ»ٱلرُّولِيتَ» لِأخْسَرَ ٱلْوَطَنْ!
وَلَا تَسْأَلِي بَعْدُ عَنِ ٱلثَّوْرَة،
فَٱلثَّوْرَةُ تَقْتُلُ ٱلثّوَارَ، كَمَا قَتَلَتْنِي ثَائِراً،
وَكَمَا قَتَلْتِنِي عَاشِقاً، يَبُوحُ حَدَّ ٱلْجُنُونِ:- وَدَاعاً
يَا وَطنَ ٱلْعِنَادِ، يَا ذَرّةَ ٱلرَّمَادِ،
يَا حَجَراً تَسَامَى فِي ٱلْبِلاَدِ، إلَى رَمْسِكَ ٱلْأخِيرْ!
سَأظَلُّ وَحْدِي سَجِينٌ .. آهٍ، مِنْ وَحْدِي سَجِينْ
قَضَانِي ٱلنّسْيَانُ، فَسَقَطْتُ صَريعاً،
كَمَا أَنْتِ، أيَّتُهَا ٱلْحُرَّة ٱلتَّائِهَةُ بَينَ مَوَائِدِ ٱلْيَسَارِ،
تَبْكِي مَقتَلَ «لِينِينْ»،
تَصْنَعُ لَهُ تِمْثَالاً مِنْ رَمْلٍ وَطِينْ،
تُرَابِطُ فِي مُتْحَفِ ٱلْحَمْرَاءِ
تَصِيحُ فِي ٱلشَّاعِرِ ٱلْعَظِيمِ: – «خْروشَا»، لَنْ تُبْعَثَ مِنْ جَدِيدْ،
كُلُّ ٱلْأصْوَاتِ مَا عَادَ لَهَا صَدَىً، كُلُّ ٱلنَّوَاقِيسِ مَا عَادَ لَهَا رَنِينْ..
وَدَاعاً، أيَّتُهَا ٱلرَّفِيقَة، حَيْثُ أَنْتِ هُنَاكَ، وَحَيْثُ أنَا سَجِينٌ،
كَانَ بَيْنَنَا خَيْطُ دُخَانٍ، أَعْلَنَ ٱحْترَاقَ «مُذَكّرَات ٱلسِّجْنِ»
عَلَى رَقَصَاتِ عُودِ ثِقَابْ!..
وَكَمَا يَمُوتُ ٱلثّوَارُ
بِضَرْبَة مِرْوحَة، جَاءَتِ ٱلْمَذْبَحَة!..
«غِيفَارَا» مَاتْ.. غِيفَارَا» عَاشْ!..
ذَقْنُهُ لَا زَالَ يَنْمُو فِي «هَافَانَا»
وَٱلْجَيْشُ ٱلْبُولِيفِي يَبْحَثُ عَنْ «تْشِي»
السَّاقِطِ فِي ٱلْفَخّ ..وَجْهاً لِوَجْهٍ أمَامَ ٱلْجُنُودْ
وَٱلْفِدَائِيُونَ أسْفَلَ ٱلتَلّ فِي ٱنْحِدَارْ
وَٱلْعُمَلاءُ الحَمْقَى.. يُكَفْكِفُونَ دَمْعَهُمْ عَلَى شَفِيرِ ٱلْجَحِيمْ..
حُزْناً عَلَى رَحِيلِ ٱلْمَسِيحْ!…


الكاتب : محمد عبد الفتاح

  

بتاريخ : 06/03/2020

أخبار مرتبطة

  تشكل القراءة التاريخية لتجارب بعض الأعلام المؤسسة للفعل السياسي و الدبلوماسي في المغرب المستقل، لحظة فكرية يتم من خلالها

لحظة شعرية بمسيم كوني، احتضنها فضاء بيت المعتمد بن عباد بأغمات، ضمن احتفاء دار الشعر بمراكش بمرور سبع سنوات على

يقول بورخيس: “إن الفرق بين المؤلف والقارئ هو أن الكاتب يكتب ما يستطيع كتابته، بينما يقرأ القارئ ما يشاء”. فالكتابة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *