الإعلام الوطني وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان

يعتبر الإعلام الوسيلة الرئيسية للتواصل مع الجمهور حيث يعمل على نشر الأخبار السياسية والثقافية والحقوقية، بالإضافة إلى نشره للإعلانات والاشهارات،عبر وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والورقية وكذا وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن المعلوم ان الإعلام المكتوب يتشكل من صحافة الرأي التي تعبر عن آراء الأحزاب المغربية في السياسات العمومية، فجريدة «العلم» هي لسان حزب الاستقلال، وجريدة «الاتحاد الاشتراكي» جريدة يصدرها حزب الاتحاد الاشتراكي للتعبير عن أرائه في ما يتعلق بالسياسة العامة، أما الاتحاد الدستوري فلسان حاله هي جريدة «رسالة الأمة»، بالإضافة إلى «بيان اليوم» التي يصدرها حزب التقدم والاشتراكية و»الحركة» الصادرة عن حزب الحركة الشعبية، في حين يصدر حزب جبهة القوى الديمقراطية جريدة «المنعطف»، اما المجلات المختصة في الثقافة والرياضة والسينما والاقتصاد، فإنها تصنف ضمن الإعلام المكتوب وتحاكيه في التوعية لكنها تقرا استجابة لأذواق القراء.
وللإشارة وبعد تشكيل حكومة التناوب التوافقي من الأحزاب الوطنية، تغير الخط التحريري للجرائد الحزبية، التي تحملت مسؤولية تسيير البلاد، ونتج عن هذا الفراغ ظهور ما يسمى بالصحافة المستقلة، والتي تقمصت دور المعارضة، غير أن خطها التحريري لم يرق إلى ما كانت تمارسه الصحافة الحزبية، وأصبح همها الأساسي استقطاب المزيد من القراء للحصول على الاشهارات من الشركات الكبرى الشيء الذي ساعدها على الانتشار مستغلة الإثارة وتضخيم الأخبار.
وفي مقاله المنشور بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 18 نونبر 2018 عدد 12086تحت عنوان الصحافة في المغرب من العمل السياسي الهيكلي إلى ارتسام سبل البقاء، أكد الدكتور جمال الناجي، أن الإعلام المكتوب ظهر في المغرب منذ أكثر من نصف قرن، كما أجمعت على ذلك كل الكتب المتعلقة بتاريخ الصحافة، حيث أكد هذا الطرح الباحث دزين العابدين الكتاني، مشيرا إلى أن أول صحيفة مكتوبة صدرت بسبتة المحتلة تحت عنوان المتحرر الإفريقي liberale africano سنة 1820، أما السيدة عوشار فأشارت هي الأخرى إلى أول جريدة مكتوبة صدرت في تطوان سنة 1860 هي جريدة «صدى تطوان» باللغة الاسبانية، ولم تخل تلك الجرائد من التعرض للإحداث، السياسية، وتبقي أول جريدة وطنية صدرت بالمغرب هي جريدة «العلم» سنة 1946، وبعد الاستقلال ظهرت مجموعة من الجرائد الوطنية المكتوبة في طليعتها «التحرير» و»المحرر» التي عملت علي نشر الوعي السياسي والحقوقي، إذ كانت الملاذ الوحيد الذي يجد فيه المواطنون ما يعكس طموحاتهم وأمالهم في بناء المغرب الحديث وتكريس الديمقراطية.
أما الصحافة المرئية فتعتمد على الصوت والصورة، وتلعب أدوارا طلائعية في توجيه الرأي العام، ولها تأثير قوي على الجماهير لأنها تطرق البيوت بدون استئذان،حيث تقدم النشرات الإخبارية والبرامج المختلفة السياسية والرياضة والثقافية والبرامج الحوارية والدينية والبرامج التي تهتم بالمرأة، بالإضافة إلى الإشهار الذي يساهم في الإنعاش الاقتصادي، ولعل البرامج السياسية التي تبثها القنوات التلفزية الوطنية، والبرامج الخاصة بحقوق الإنسان تلعب أدوارا هامة في التوعية وتكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكن المواطنين والمواطنات من التعريف بحقوقهم وواجباتهم، ونظرا لأهمية التلفزة وتأثيرها في توعيه الرأي العام الوطني، فإن الدول تسهرعلى تسيير قنواتها، ولا تدخر القنوات الوطنية جهدا في هذا المضمار فقد أنتجت، ولا تزال، برامج سياسية تستضيف زعماء الأحزاب السياسية والوزراء وغيرهم من الفاعلين في المجتمع، وهي برامج تساهم بشكل كبير في التوعية السياسية،..
ولا يقل المذياع أهمية عن التلفزيون في التأثير على الرأي العام الوطني أيضا، ذلك أن برامجه تصل بسهولة إلى المستمعين، ويتميز باستقطابه لعدد كبير من المستمعين والمستمعات خاصة نساء البيوت والصناع والفلاحين، وغيرهم من الفئات الشعبية، ولم يعد الإعلام السمعي مقتصرا على الإذاعة الوطنية والإذاعات الجهوية، بل إن الدولة المغربية عملت على تحريره، مما جعل عددا كبيرا من المستثمرين يؤسسون إذاعات خاصة، وقد تميز هذا النمط الإعلامي الجديد ببث برامج حوارية بشكل مباشر وإتاحة الفرصة للمستمعين لمناقشة الضيف أو الضيوف المشاركون في البرامج.
وبموازاة تحرير الإعلام السمعي، أنشات الدولة الهيأة العليا للإعلام السمعي البصري(الهاكا)، التي تعمل على مراقبة البث الإذاعي والتلفزي حتى لا يقع انحراف في السياسة الإعلامية العمومية للدولة.
ويبقي الإعلام الالكتروني أحدث وسيلة للتواصل، فهو يعتمد على مجموعة من الآليات، ويحرص على مواكبة حاجات الأفراد الفكرية والمادية، وتختلف وظائفه حسب المجتمعات، وله دور كبير في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يوفر المعرفة المناسبة للإفراد، مما يساهم في تعزيز تفاعلهم مع المجتمع ومشاركتهم في الأحداث العامة ويؤدي إلى تطوير وعيهم الاجتماعي، ودعم الأهداف المجتمعية المباشرة عن طريق تشجيع المبادرات الخاصة بالإفراد والمجتمع وتبادل الأفكار حول مجموعة من القضايا من اجل مناقشتها، كالصورة النمطية للمرأة والطفل في الإشهار، وحقوق الإنسان بصفة عامة في محاولة إلى تقريب وجهات النظر المختلفة وصولا إلى اتفاق حول القضايا المطروحة. وحول هذه الثورة الإعلامية الالكترونية، أشار المفكر مارشال ماكلوهان إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الالكتروني بقدر مالها من ايجابيات بقدر مالها من سلبيات، لأن هذه التكنولوجيا تؤثر تأثيرا مباشرا في حياة المجتمعات و تساهم في تشجيع الوسائط الفكرية التي تؤدي إلى تأثيرات اجتماعية واضحة في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، اذ بفضلها استطاع المثقفون قراءة الكتب بسرعة والتعرف على مجريات الأحداث في وقت وجيز، غير أن خبرا زائفا يمكن أن يحدث بلبلة وتشويشا لدى الرأي العام، وقد يسبب مشاكل عويصة للإفراد والجماعات والدولة أيضا.
وفي هذا المضمار لابد من الإشارة إلى ماعرفه مشكل مدونة الأسرة من تفاعلات وما واكبه من تغطيات إعلامية ومن وتفاعلات واقتراحات خاصة بحقوق المرأة كالتعدد وطلاق الخلع والملكية المشتركة وغيرها من المواضيع الحساسة، وما نتج عن ذلك من مظاهرات حاشدة للنساء الحداثيات المنضويات في الجمعيات الحقوقية المطالبات بتغييرعدد من القوانين، مما أدى إلى معارضة قوية للمحافظات اللائي رفعن شعارات تنددن بمطالب النساء الحداثيات، حيث تم أخيرا التحكيم الملكي في الموضوع، وحاليا برزت تفاعلات أخرى، لاتقل أهمية عن التفاعلات السابقة، حيث رفع المجلس الوطني لحقوق الإنسان عددا من التوصيات للمؤسسة التشريعية، تقضي بمراجعة بعض القوانين التي يتضمنها القانون الجنائي، من بينها قانون ممارسة الجنس بالتراضي خارج مؤسسة الزواج، والإجهاض المبكر، والإفطار العلني في رمضان دون المساس بحرية الآخر، وقد لقيت هذه المقترحات معارضة شديدة من برلمانيين، حيث لازالت المقترحات تراوح مكانها..
ومن المعلوم أن وسائل التواصل الاجتماعي تستغل في الولايات المتحدة وأوربا في المعاملات الاقتصادية والتوعية بحقوق الإنسان،غير إنها حادت عما هو مخطط لها في بلدنا وأدى ذلك إلى سلبيات كثيرة، وأصبحت الإثارة هي العنوان البارز لهذا النوع الجديد من الإعلام، بل إن رواد الفيسبوك تطاولوا على حقوق الناس واخذوا يبتزون المواطنين والمواطنات ولنا في موقع «حمزة مون بيبي» خير دليل لما ذهبنا إليه .
وخلاصة القول ..إن الإعلام الوطني بكل أجناسه له دور فعال في الدعاية عن طريق المساهمة في دعم الأنشطة الاقتصادية في طليعتها المشروع التنموي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك وكذا دعم المقاولين الشباب للتخفيف من البطالة زيادة على التعريف بالبرامج التنموية المتعددة والمساهمة في التعريف بالمنتجات الوطنية، ودعم البرامج الخاصة بالمرأة وحقوق الإنسان.
ومما لاشك فيه أيضا أن وسائل الإعلام المتنوعة تسعى إلى تكريس الديمقراطية ولها دور كبير في تقوية روح المواطنة، والتعريف بمغربية الصحراء والمنجزات التي أحدثت بها ولها أيضا دور كبير في الحياة السياسية، في الحملات الانتخابية الخاصة بالظفر بمقعد بالبرلمان وإتاحة الفرصة في القنوات التلفزية والإذاعية للأحزاب السياسية المغربية لشرح برامجها لكافة الشعب ألمعربي للحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية وصولا إلى تشكيل حكومة لتطبيق برنامج الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية.
(*)ملاحظة ألقيت هذا العرض احتفالا باليوم الوطني للمرأة، في الندوة الوطنية التي نظمها مركز حقوق الناس بشراكة مع المرصد الجهوي للإعلام والتواصل والنقابة الوطنية للصحافة المغربية فرع جهة فاس مكناس في موضوع «الأخبار الكاذبة وتأثيرها على الحياة العامة وتطور الديمقراطية يوم 4 مارس 2020»


الكاتب : فاس: محمد بوهلال

  

بتاريخ : 09/03/2020