أوبئة اجتاحت الأدب العالمي .. «طاعون» كامو، «كوليرا» ماركيز و«كورونا» دين كونتز

يمثل «أدب الأوبئة» انعكاسا حقيقيا لهشاشة الإنسان .فالكتابة عن تجربة الألم الجماعي والفردي تجربة حركت أقلام الكثير من المبدعين وفي كل أصناف الكتابة الإبداعية: الشعر والرواية والتشكيل، إلا أن الرواية كانت الشكل الأدبي الأكثر استيعابا وتفصيلا في مثل هذه الاوبئة بما توفره الرواية كمادة سردية من إمكانية خصبة لنقل أحداث الواقع وتحولات القيم في هذه الظروف، عبر مساحات التخييل التي لا توفرها أجناس أدبية أخرى.
لقد ألهمت الأوبئة التي عرفها العالم منذ القديم، الكثير من الروائيين وكتاب الخيال العلمي بشكل خاص، كما حفل تاريخ الأدب العالمي بالكثير من روايات الأمراض والأوبئة، التي تحول بعضها الى أفلام سينمائية أو مسلسلات. اليوم نقف مع بعض هذه الروايات التي نقلت جانبا من المعاناة الإنسانية مع هذه الاوبئة ، سواء منها الحقيقية أو المتخيلة

كورونا ووهان
في رواية منذ 1981

أثارت وسائل التواصل الاجتماعي بعد ظهور وباء كورونا اليوم ضجة حول رواية «عيون الظلام» للكاتب الأمريكي دين كونتز، والتي صدرت في 1981 أي قبل 39 سنة، وفيها يتوقع دين ظهور فيروس شبيه بكورونا وتحديدا في مدينة ووهان الصينية باسم «ووهان 400»، التي شهدت أول انتشار للوباء الراهن.
في الطبعة الأولى من الرواية كان الفيروس يحمل اسم “Gorki-400، وهي اسم مدينة روسية كانت في الأصل مختبرا للأسلحة البيولوجية، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، غير «دين» الطبعات اللاحقة واسم الفيروس خصوصا طبعة 1989 ليصبح « ووهان 400» نظرا للعلاقة المتوترة مع الصين.
تنطلق الرواية وكأنها رواية بوليسية لتتحول بدءا من الفصل الثاني إلى التخييل العلمي. تتلقى «تينا إيفانس» خبر مقتل ابنها داني في حادث سيارة من الشرطة، مع نصيحة بعدم البحث عن التفاصيل والكشف عن الجثة. ولا تمضي سنة حتى تكتشف الأم جملة مكتوبة بالطبشور على اللوح الأسود الذي يملكه ابنها. لعبة أم حقيقة؟ تصاب بصدمة، وتقرر خوض مغامرة البحث عن ابنها الذي كان قصد الصين في رحلة سياحية. هنا تبدأ مغامرة أخرى تكشف أسرار الفيروس الصيني واحتجاز ابنها بمختبر عسكري هناك.
تتحدث الرواية عن فيروس ينطلق من مدينة ووهان الصينية ليتفشى بسرعة خارج هذه المدينة، ما يجعله خارج السيطرة. والغريب أن المختبر الذي تحدثت عنه الرواية في 1981 يقع على بعد 22 كيلومتراً فقط من مركز تفشي فيروس كورونا بالصين.
«طاعون» ألبير كامو

لاقت رواية «الطاعون» لألبير كامو الصادرة في 1947 إقبالا فرنسيا وعالميا 1947. تدور الرواية بمدينة وهران الجزائرية في فترة الأربعينيات أيام الاستعمار الفرنسي، وإن كانت الوثائق والأرشيفات الصحية بوهران لا تسجل شيئا بخصوص هذا الطاعون بقدر ما تتحدث عن مرض معد انتقل من العاصمة الجزائرية، إلا أنها عاشت فترة الطاعون تحت الاحتلال الاسباني في القرن 18 والذي أدى الى عزلها عن باقي المدن.
في الرواية يكتشف الدكتور برنار ريو، أحد أبطال الرواية، أن حارس المبنى الذي يقطنه أصيب بمرض لم يلبث أن قضى عليه. ثم يفاجأ الدكتور بشخص يدعى جوزف غران يزوره في عيادته ليعلمه بأن أعداداً كبيرة من الجرذان تنفق في الشوارع. وغران هذا يعمل في البلدية ويحاول أن ينجز كتاباً، لكنه متوقف عند الجملة الأولى، وهو أول شخص يشفى من الطاعون بعد إيجاد دواء له. على أثر هذه الظاهرة تقرر السلطات، بعد تردد، إغلاق المدينة وعزلها من أجل منع الوباء من التفشي. وعندما يسود الهلع يقرر الصحافي الفرنسي الذي يدعى ريمون رامبر، مغادرة وهران إلى باريس.

« كوليرا» غارسيا ماركيز

من روائع الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» التي كتبها في (1985)، لأنه يؤمن بأن «الحب موجود في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت». ورغم شهرة الرواية وارتباطها بالوباء، لكنه لم يكن حقيقيا بل مجرد إشاعة اختلقها الحبيب السبيعني، الذي قرر أن يمضي بقية حياته مع حبيبته بعد أن جمعهما القدر مرة أخرى على ظهر سفينة، فلم يجد حيلة لتنفيذ قراره سوى الاعلان عن انتشار وباء الكوليرا في السفينة لتخلو من ركابها، ويبقى هو مع حبيبته، رافعين العلم الأصفر للدلالة على استمرار الوباء في تلك السفينة العاشقة!
إنها رواية حب بين فلورينتيو وفرمينا تبدأ منذ المراهقة، وتستمر إلى ما بعد بلوغهما السبعين، وتسرد ما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وما طرأ من تحولات في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والحياة عموماً.

«حرافيش» نجيب محفوظ

في درة أعماله الادبية ونقصد بها «الحرافيش» الصادرة في 1977 ، تحدث نجيب محفوظ عن الوباء الذي قضى على حارات مصر وفتك بأهلها، وترك الأحياء خرابا .  استفحل وتفاقم الوباء. ابتلع كل شيء أمامه وكأنه كتلة ثملة حطت بالجميع دون تمهيدات . ولم ينج منه سوى بطله عاشور الناجي الذي ذهب بأهله إلى الخلاء، ثم عاد ليجد أمامه بيوت الأعيان بلا أصحاب فاختار أجملها واتخذه بيتا وصار سيد المكان وكبير الناس بعد أن جاء سكان جدد لا يعرفون تاريخه.
يقول نجيب محفوظ:
. «تفاقم الأمر واستفحل. دبت في ممر القرافة (المقابر) حياة جديدة…يسير فيه النعش وراء النعش… يكتظ بالمشيعين. وأحيانا تتتابع النعوش كالطابور. في كل بيت نواح. بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد… لا يفرق هذا الموت الكاسح بين بين غني وفقير، قوي وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل. إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء. وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار ولهجت أصوات معولة بالأوراد والأدعية والاستغاثة بأولياء الله الصالحين.

«الطاعون في نيويورك»

يتخيل الروائيان الأمريكيان غينيث كرافنوس وجون مار في هذه الرواية «الطاعون في نيويورك» أن الطاعون يحل على نيويورك. تعود فتاة من إجازتها في كاليفورنيا إلى شقتها الفخمة في بارك إفينيو، لتكتشف أن عارضاً من السعال الحاد يصيبها فتنقل إلى المستشفى. وما أن يُكتشف مرضها الذي هو الطاعون حتى يبدأ في الظهور والتفشي في منطقة مانهاتن. هنا يبدأ دور الأطباء والممرضين الذين يعلنون حال طوارئ لمواجهة الزائر القاتل..

«موت في البندقية»

صدرت الرواية في العام 1922 للكاتب الألماني توماس مان ونقلت السينما تحت نفس العنوان. بطل الرواية غوستاف فون أشينباخ كاتب ألماني معروف من ميونخ، يقوم برحلة بعد إصابته بحال من الاضطراب، إلى الشاطئ الأدرياتيكي، تنتهي به في البندقية. في فندق ليدو يكتشف الكاتب الخمسيني الفتى تادزيو، فتى بولوني يجذبه بل يفتنه بجماله النضر. يتكتم الكاتب عن حبه المثالي هذا، لكنه لا يلبث أن يسعى وراء الفتى ومطاردته سراً في شوارع البندقية. وبينما يتفشى في المدينة مرض الكوليرا، يصاب أشينباخ بحال من الكآبة ثم تعتريه الحرارة ولا يلبث أن يموت جراء إصابته بوباء الكوليرا.

«العمى» لخوسيه ساراماغو

نشر الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو رواية «العمى» في 1995، وتدور حول مرض غامض ينتشر بسرعة بين البشر، يصفه ساراماغو بالعمى الأبيض. تقوم الحكومة بترتيب الحجر الصحي داخل مستشفى مهجور للأمراض العقلية. يتتبع الكاتب الأحداث المروعة لمجموعة من المصابين بقيادة زوجة الطبيب المصاب الأول بالمرض، وهي الشخص الوحيد الذي احتفظ بقدرته على الإبصار. بمجرد أن تزداد الأعداد داخل الحجر الصحي، تنهار الأخلاق والنظم الاجتماعية، ويضطر الحراس إلى تهديد المصابين بالقتل فوراً إذا حاولوا الفرار من محاجرهم. ومع ذلك يظل هناك بعض الأشخاص الذين يحاربون من أجل مصلحة الجميع.


بتاريخ : 17/03/2020

أخبار مرتبطة

  “لا معنى لمكان دون هوية “. هكذا اختتم عبد الرحمان شكيب سيرته الروائية في رحلة امتدت عبر دروب الفضاء الضيق

  (باحثة بماستر الإعلام الجديد ، والتسويق الرقمي -جامعة ابن طفيل – القنيطرة) حدد الأستاذ عبد الإله براكسا، عميد كلية

  في إطار أنشطتها المتعلقة بضيف الشهر، تستضيف جامعة المبدعين المغاربة، الشاعر محمد بوجبيري في لقاء مفتوح حول تجربيته الشعرية،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *