سباق علمي ضد الساعة يعطي بصيصا من الأمل للانتصار على فيروس كورونا

في الوقت الذي يواصل فيروس كورونا إصابة عشرات الآلاف في مختلف بقاع المعمور، حيث وصلت العدوى إلى أرقام مزعجة، أزيد من 200 ألف مصاب إلى حدود صباح الخميس وحوالي 9 آلاف من الوفيات، تتحدث تقارير إعلامية عن سباق ضد الساعة، تخوضه العديد من شركات الأدوية والعلماء في عدد من الدول من أجل التصدي لهذه الجائحة التي لم تشهد البشرية مثيلا لها منذ حوالي قرن من الزمن، وهو ما يبشر بالأمل في أن يتمكن الإنسان من الإنتصار مرة أخرى على مرض يهدده.

لقد تمكن العلماء في لحظات فارقة مثل هذه من الإنتصار على أمراض فتاكة، هددت في وقت من الأوقات الحياة البشرية على هذا الكوكب، ومع التطور العلمي الهائل الذي يعرفه العالم في الوقت الحالي، ونظرا لأن جائحة كورونا، بالمقارنة مع الأوبئة التي عرفها العالم سابقا كالإنفلونزا الإسبانية، أقل خطورة، فإن الأمل قوي أن تتمكن البشرية في تجاوز هذه المحنة.
ففي الصين، حيث نشأ فيروس كورونا وتمكنت من محاصرته بشكل مذهل، بدأت الأنباء المطمئنة تظهر، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن البحث السريري لدواء فافيبيرافير، وهو عقار مضاد للفيروسات، أظهر فعالية سريرية جيدة ضد مرض فيروس كورونا المستجد ، وفقاً لما ذكره مسؤول صيني.
وقال تشانغ شين مين، مدير المركز الوطني الصيني لتطوير التكنولوجيا الحيوية التابع لوزارة العلوم والتكنولوجيا في ندوة صحافية، إن «عقار فافيبيرافير، الذي يعد دواء إنفلونزا تم اعتماده للاستخدام السريري في اليابان في عام 2014، لم يظهر أي ردود فعل سلبية واضحة في التجربة السريرية».
وذكر أنه تمت التوصية بفافيبيرافير لفرق العلاج الطبي ويجب إدراجه في خطة التشخيص والعلاج لـ (كوفيد-19) في أسرع وقت ممكن.
وأضاف تشانغ أن إدارة المنتجات الطبية الصينية وافقت على بدء شركة أدوية صينية إنتاج الدواء بكميات كبيرة وضمان استقرار العرض.
وشارك أكثر من 80 مريضاً في التجربة السريرية في مستشفى الشعب الثالث في شنتشن بمقاطعة قوانغدونغ جنوبي الصين، بما في ذلك 35 مريضاً تعاطوا فافيبيرافير و45 مريضاً في مجموعة مرجعية.
وأظهرت النتائج أن المرضى الذين تلقوا علاج فافيبيرافير أصبحوا مقاومين للفيروس في وقت أقصر مقارنة بالمرضى في المجموعة المرجعية.
ووفق وكالة «شينخوا» وجدت أيضاً دراسة سريرية عشوائية متعددة المراكز بقيادة مستشفى تشونغنان التابع لجامعة ووهان، أن التأثير العلاجي لفافيبيرافير أفضل بكثير من تأثير المجموعة المرجعية.
فرنسا أيضا التي تسجل معدلات إصابة مرتفعة، تسارع الزمن لإيجاد لقاح ضد الفيروس، وفي هذا الإطار أعلنت مجموعة «سانوفي» الدوائية الفرنسية أنها مستعدة لأن تقدم للسلطات الفرنسية ملايين الجرعات من «بلاكنيل»، الدواء المضاد للملاريا الذي تنتجه والذي برهن عن نتائج واعدة في معالجة مرضى بفيروس كورونا المستجد ، مشيرة إلى أن هذه الكمية كافية لمعالجة 300 ألف مريض محتمل.
وقال متحدث باسم سانوفي إنه على ضوء النتائج المشجعة لدراسة أجريت على هذا الدواء فإن «سانوفي تتعهد وضع دوائها في متناول فرنسا وتقديم ملايين الجرعات، وهي كمية يمكن أن تتيح معالجة 300 ألف مريض»، مشددا في الوقت نفسه على أن المجموعة الدوائية مستعدة للتعاون مع السلطات الفرنسية «لتأكيد هذه النتائج».
و»بلاكنيل» عقار مكون يستخدم منذ عقود في معالجة الملاريا وأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة والتهاب المفاصل.
وقال البروفسور ديدييه راؤول، مدير المعهد الاستشفائي الجامعي في مرسيليا، إنه أجرى تجربة سريرية أظهرت أن هذا العقار يمكن أن يساهم في القضاء على فيروس كورونا المستجد.
وبحسب الدراسة التي أجراها البروفسور راؤول على 24 مريضا بفيروس كورونا المستجد، فقد اختفى الفيروس من 75% من أجسام هؤلاء بعد ستة أيام على بدء تناولهم العقار.
وكانت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية سيبيث ندياي قالت في وقت سابق إن هذه التجربة السريرية «واعدة» وسيجري المزيد منها على عدد أكبر من المرضى.
أما في ألمانيا فتعمل شركة «كيور فاك» للتكنولوجيا الحيوية على إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا المستجد منذ عدة أسابيع. وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الشركة تورستن شولر، إن «التوصل إلى هذا اللقاح على سلم أولوياتنا منذ يناير الماضي»، مضيفا أن الشركة واثقة من تقديم اللقاح حتى الصيف المقبل، حيث يمكن اختباره سريريا بعد ذلك».
ورغم أنه لا توجد بيانات تفصيلية من الشركة حول طبيعة اللقاح، فإن مبدأ اللقاحات بشكل عام هو إعطاء الشخص جراثيم المرض التي تم قتلها أو إضعافها، مما يؤدي إلى تكوين مناعة في جسمه ضد مرض معين.
وبهذه الطريقة يمتلك الجسم مناعة للجرثومة، دون أن تؤدي إلى مضاعفات لديه أو موت الشخص، لأن الجرثومة تكون ميتة أو ضعيفة.
لذلك يفترض أن التطعيم الذي تعمل عليه شركة «كيور فاك» مكون من فيروسات كورونا المستجد جرى قتلها أو إضعافها.
وقد اعربت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فو دير لايين، بعد التحدث مع الشركة الألمانية، عن أملها في توافر لقاح لفيروس كورونا المستجد، هذا العام.
وأجرت دير لايين محادثات مع الرؤوساء التنفيذيين لشركة «كيورفاك» التي تلقت 80 مليون أورو كدعم مالي من الاتحاد الأوروبي لبحوثها.
وصرحت في شريط مصور أن الشركة «تعمل على تكنولوجيا واعدة لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا».
ومعلوم أن الحكومة الألمانية اتهمت الولايات المتحدة بالسعي لوضع اليد على مشروع اللقاح الذي تطوره الشركة ، محذرة بأنها ستبذل كل ما بوسعها حتى ينجح المشروع في أوروبا.
وذكرت مصادر إعلامية ألمانية أن الرئيس الأمريكي دونال ترامب يسعى لاجتذاب علماء ألمان يعملون على مشروع اللقاح من خلال عرض ملايين الدولارات عليهم او للحصول على حصرية اللقاح من خلال الاستثمار في الشركة.
في غضون ذلك أعلن مسؤولون أميركيون في القطاع الصحي بدء أول تجربة بشرية للقاح محتمل لفيروس كورونا في مدينة سياتل، ما يحيي الامال بمكافحة هذا الوباء العالمي.
ولكن توافر هذا اللقاح قد يستغرق عاما الى 18 شهرا بعد أن يجتاز مراحل تجربة اخرى لإثبات فعاليته وسلامته على صحة البشر.
واللقاح يدعى «ام ار ان ايه-1273» وطورته المعاهد القومية الاميركية للصحة وعلماء ومتعاونون في شركة موديرنا للتكنولوجيا الحيوية التي مقرها كامبردج في ولاية ماساشوستس.
وصرحت المعاهد القومية للصحة الاميركية أن التجربة «ستجري على 45 متطوعا بالغا في صحة جيدة تراوح أعمارهم بين 18 و55 عاما خلال ستة أسابيع على الأقل»
وساهم في تمويل الأبحاث «تحالف ابتكارات الاستعداد للأوبئة» الذي مقره أوسلو.
وصرح أنطوني فاوتشي رئيس قسم الأمراض المعدية في المعاهد القومية أن «العثور على لقاح آمن وفعال لمنع الاصابة بفيروس سارس-كوف-2 هو أولوية صحية عامة ملحة» مستخدما الاسم التقني للفيروس.
وقال «هذه المرحلة الأولى من الدراسة التي أطلقت بسرعة قياسية، هي خطوة أولى مهمة باتجاه تحقيق ذلك الهدف».
وستدرس التجربة التي تجري في سياتل تأثير مختلف الجرعات التي تعطى من طريق الحقن العضلية في أعلى الذراع، وستتم مراقبة المشاركين في التجربة لرصد أي أثار جانبية.
كما ذكرت شركة أدوية أميركية أخرى تدعى «أنوفيو» تعمل على تطوير لقاح، أنها ستبدأ التجارب السريرية الشهر المقبل.
وتحاول شركة «ريجينيرون» عزل أجسام مضادة تكافح الفيروس يمكن حقنها في الجسم لتوفير مناعة موقتة، وتأمل البدء في تجارب بشرية.
وتمول الولايات المتحدة العديد من شركات صناعة الأدوية من خلال وزارة الصحة والمعاهد الوطنية للصحة.


الكاتب : إعداد : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 20/03/2020