ماذا لو ظل الفيروس هو التائه الوحيد على وجه الأرض؟

سعيد منتسب

أدير وجهي صوب ذلك السر الراكض بين الغيوم. سر صاعق، له أكثر من وجه حد الاختبال. كلهم يريدون بشكل جماعي حل شيء شديد التعقيد. يكرسون له المجاهر، وكل ما يملكون من ضجيج لدفع اتقاده عليهم. كل حيّ يضج حول نفسه، والموتى يُغلقون عليهم الآن البيوت، محمولين على تبريد المحن والشدائد، لا يميزون بين ثقيل وخفيف، ولا يسعون إلى الجنة إلا شميما. الموتى يعتصرون أعمارهم بعناد متمسكين بعدم وجود السر..
تحاصرني آلاف الصور والوجوه على التلفاز، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، فأحاول الإفلات من ذلك الاحتشاد المكمم الذي يدفع المواجهة اللغوية إلى أقصاها. يا إلهي، هل فقدت البشرية، التي توحدت في العجز، تاريخها المظفر؟ أين هو التفوق العلمي المفرط؟ أين هم مهندسو «الانفجار الكبير» و»انشطار الذرة» و»حرب الكواكب» و»المحارب الذي لا يُقهر»؟
لا أدري لماذا صرت أعتقد بأن السينما لا تقع خارج فكرة الخلاص من الهلاك الجماعي. السينما هي فن إخفاء إخفاقاتنا المبكرة، لأننا أدركنا مسبقا ألا شيء يضاهي الموكب الجنائزي الذي ننتمي إليه. نسير بإصرار نحو الباب دون أن نلقي نظرة على الطريق. لا تهم الطريق ما دمنا نحفظها عن ظهر قلب كالعميان. العمى هو حقيقتنا الوحيدة. لست الوحيد الذي يفكر الآن في ساراماغو، وفي ذلك المعزل الصحي الذي يختبئ فيه العمى، تلك المعجزة الصغيرة التي تشبه ساحة إعدام متفق عليه.
أمس، حين كدت أطوي مؤقتا المسافة بيني وبين ما يقع في الخارج، سمعت سيارة إسعاف تولول. الولولة تصلني بوضوح. لا بد أن الفيروس صافح أحدهم فهاجت عليه الحمى وأوغل فيه السعال ليلتهمه. أريد أن أخرج لأرى بعينيَّ تجبّر التقويض. لا يكفي أن أكتفي بأكل المكسرات لأتابع ما يقع في الخارج عبر التلفاز. لا أريد أن أتكرر يوميا على هذا النحو المبتذل. الحجر الصحي. هل هو مجرد تشنج عقلي أم صراع حقيقي من أجل البقاء؟ وماذا لو ظل الفيروس هو التائه الوحيد على وجه الأرض؟ من سيأتي لإنهاء تيهه الكبير؟
إن ما نعيشه الآن ينطوي على حقائق أكثر اتساعا من اللقاح المضاد للفيروس. الأبدية لا تحتاج إلى البشر لتكون كذلك، ولا تحتاج إلى ممثلين معتوهين يتكلمون دون انقطاع عما تتيحه الحياة من فرص للنجاة. قد ننجو، لكن ماذا سنصنع بهذا الدوار الجماعي الذي أُصبنا به؟

الكاتب : سعيد منتسب - بتاريخ : 02/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *