الفيروس يوقظ الفلاسفة من روتينهم .. 1 -لا أحد يملك حقا أكبر من القيام بواجبه

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

في أول قلق كوكبي شامل، يقع الوجود في دائرة التفكير المتسائل. ويدخل الناس إلى بيوتهم، فيخرج الفلاسفة، من جديد إلى الشوارع الفارغة ليتأملوا بصوت عال ما يقع.
وبطبيعة الحال، عندما تصبح نزهة مع صديق أو صديقة أكثر صعوبة من فهم الموازنات المالية للولايات المتحدة، ويصير تجاوز عتبة البيت بمثابة الخروج من طبقات الفضاء العليا، أو قلب لنظام الحكم في الاتحاد الأوروبي، يستيقظ التفكير العميق.
ولهذا تعددت الحوارات مع الفلاسفة والمفكرين، هنا والهناك، وعادت أسئلة الوجود أو التمتع به، إلى الواجهة، وتراجعت قراءات الاقتصاد الاختزالية وأحلام الذكاء الاصطناعي الذي سيقود البشرية إلى فصيل آخر يفوق الإنسان الآني، أي السوبرمان.
هنا قراءة تركيبية، في محاولة لربطها بسؤال يبدو مغربيا، هو الفرد والمجتمع، الحق والواجب، السياسة والانتماء.
في التوطئة إلى تجميع التفكير في الموضوع، يكون مفيدا وضع ما قاله ميشيل دوبوي،dupuis البلجيكي، الأستاذ بالمعهد العالي للفلسفة في لوفان وعضو اللجنة العليا للبيوتيقا في بلجيكا، كمقدمة تقول إن الوباء قلص من المعيار الديجيتالي، أو الرقمي، في العيش، وأعاد إلينا الحياة في طراوتها والعالم في ماديته. وهو يقصد بذلك أننا تآلفنا، شيئا فشيئا، مع كون العالم افتراضيا، يبدأ فرضيا، في كواكب الانترنيت والحواسيب والمختبرات الاستشرافية والذكاء الاصطناعي، لكنه سرعان ما يصبح واقعا، أي العالم الذي نعيش ونتطور وننقرض فيه.
فالعقل الذكي البارع، يمكنه أن ينتهي ببلادة.
هذا ما قد يستنتجه من يقرأ لهذا الفيلسوف، في متابعته.
العقل البشري الذي أراد أن يتجاوز شرطه الإنساني، الحيوي، بالذكاء الذي يقوده إلى تغييرات في جوهر الحياة، بذكاء غير مسبوق، يمكنه أن ينتهي نهاية بليدة..
ومن هنا فالحياة التي تعودناها، أو الحياة الموشكة على الموت تحيي الأسئلة والتأملات الفلسفية.. وليس فقط الدينية والامتثال للروح والعقيدة..
فالـ وضعيون، الذين ينتصرون لأغوست كونت، يعتبرون أن ما يحدث ينشط تراثهم الفكري.. ولذلك يقابلون سؤاله بالعودة إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع، بين العقل السياسي والعقل العلمي، بين النظرية والممارسة، واللوغوس والبراكسيس.
فقد ظل الفرد والمجتمع، كثنائية محركة تناقض وتؤسس العلاقة بينهما في الوعي الفلسفي، كتناقض معادلته هي التالي.. الفرد الذي يفكر ضد المجتمع النائم، واعتبار هذا التضاد هو التاريخ الأبدي للمجموعة البشرية.
الفلاسفة الوضعيون عادوا إلى كتابهم الأول، دروس في الفلسفة الوضعية، وتجاوزوا الثنائية التوترية، وأحيوا مفهوم الوحدة السوسيوقراطية، sociocratique تلك التي تعمل من أجل أن يكون الجنس البشري برمته قلب التضامن الكوني والعمل من أجل تطور البشرية..
هي، بهذا المعنى، لحظة لإعادة إحياء السياسة.. عبر التركيز على الإحساس الاجتماعي وأولوية الواجبات على الحقوق، نعم. باعتبار أن كل لحظة أزمة هي لحظة للتنشئة الاجتماعية..
لا بد من الواجبات لكي تقوم الجماعة، فالمجتمع ليس مجموعة أفراد بالمطلق كما هي مساحة ترابية مجموعة خطوط. في عالم الهندسة…
هنا، لكي تستمر المجموعة البشرية، يمكن أن نستخلص أن الواجب هو الحق هنا لأنه مرتبط بالكل..
في اللحظة الوضعية، لا أحد يملك حقا أكبر من أن يقوم بواجبه.
هو ذا ما يمكن أن نستشفه، مثلا، من الدور الذي يلعبه الخبراء الطبيون الآن أو نستشهد به من خلال ما يقوم به المختصون ميدانيا للحفاظ على الحياة..
هم يشيرون بالواجب كحق للجماعة على الفرد، نقَّال الفناء وضحيته..
سؤال آخر من صميم اليومي الذي تعيشه البشرية جمعاء. ويتعلق بالأخلاق أو فن الوجود، أمام هول الكارثة. ويتلخص في سؤال مركزي.
ماذا نفعل أمام العجز، العجز عن التطبيب والعلاج، وأمام تفاقم حالات الموت، وعدم القدرة على إيجاد الشفاء وإنهاء المرض؟
ويحضرنا هنا الوضع في إيطاليا، والتي اتخذت موقفا جذريا، بأن تركت العجزة والمسنين المصابين يواجهون نهايتهم بشرطهم الإنساني الهش، والتوجه نحو الأقل شيخوخة..
في هكذا وضع، يقف العلماء والأطباء حيارى. ما العمل عندما تكون الأسرة الموجودة أقل بكثير من المرضى؟
الوضعيون يقدمون الجواب الأخلاقي، يجعلونه الاختيار الحتمي.. فهم من خلال مقالاتهم، يقولون إن المعادلة ترتفع إلى مستوى أكبر.. فالطب يصمت.. والعلم يصمت،
وتتحدث الأخلاق التي تعطي الدفعة النهائية في الاختيار، ويصبح ترتيب سلم القيم كالتالي، حسب الأولويات. الأخلاق، الايتيكا، كتعبير عن القلب وكتمظهر له، ثم العلم كنتاج للعقل والتفكير، ثم الفعل السياسي، الذي وُجِد، أو يجب أن يوجد من أجل تفوق الغرائز الطيبة على الاندفاعات الأنانية.
إن الشعار الذي يرفعونه، يلخص فلسفتهم في فهم اللحظة، والتي سبقتها أو ستليها.
الحب كمبدأ، والنظام كقاعدة والتقدم كهدف..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *