في الزمن «الكورونيالي» : الشرفات تستعيد مكانتها وتذكر بمعاناة قاطني «السكن الاقتصادي»

مع الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، انتبه أغلب سكان الحواضر إلى أهمية الشرفة، ودورها الأساسي في الترويح عن النفس، هذه الشرفات التي أعدمها البعض بفعل الضيق الذي تعرفه الشقق، وأدمجها في صالون أو مطبخ أو غرفة، في وقت حولها البعض الآخر، بفعل الضيق دائما، إلى مجرد فضاء لوأد الأثاث الإضافي الذي لا تحتمله جدران المنزل الداخلية ، أو مستقرلآلة التصبين أو غيرها .. الآن وفي هذه الفترة، أصبح هذا الفضاء مهما، خاصة أنه صلة الوصل الوحيدة مع الفضاءات الخارجية بالنسبة للسكان ، حيث أصبحت الشرفات تشهد حركية دؤوبة لا تعرف التوقف، بعد أن أخليت مما تراكم من المؤثثات المنزلية.

إنها صلة وصل العديدين اليوم مع العالم الخارجي، وهي أداة تنفيس من ضائقة الجدران، من خلالها يتم استحضار «سياسة السكن» التي انتهجت منذ سنوات . فغالبية الشرفات المستحدثة في إطار السكن الجديد، خاصة الاقتصادي منه، لا تتجاوز في طولها مترين أو ثلاثة أمتار، وصممت أصلا لتكون «ركنا» للتخلص من المتلاشيات. فالبناؤون أو» المنهشون العقاريون» يعلمون قبلا، – خلال وضع التصاميم – أن مستقبل الشرفات سيكون مصيره الإتلاف، كيف لا وهم يرسمون مساكن من غرفتين بئيستين بحجم رسوم «التلاوة» ومطبخ يسع وقوف فرد واحد وحمام أصغر من طول الجسد، فيما يخلو المنزل من مرتبات حائطية وأمكنة خاصة بالمتلاشيات وأخرى خاصة بالضيوف وغيرها؟
معظم السكان المعنيين لا يتحدثون في الموضوع، حتى المنظمات الحقوقية التي ينبغي أن تحرص على حق الناس في سكن لائق ، ليس جبنا منها أو تقصيرا، ولكن لقوة فوهة « البراباغندا « المرافقة للعمل «البئيس» الذي تقوم به بعض المقاولات المختصة في هذا النوع من السكن ، والتي تريد أن تروج لنفسها أنها تقوم بعمل «استثنائي»، والحال أنها تخلق للدولة «غيتوهات» بمشاكل متشعبة، لعل أبرزها التشوه العمراني للمدن وجعل المجال مشاعا لانتشار الإسمنت وخنق البيئة، هذه المقاولات التي تستفيد من دعم لا حد له كاقتناء الأراضي بأثمنة رمزية، ومن صمت بعض الوكالات الحضرية والمجالس المنتخبة المحتضنة لهذه المشاريع ، ومن أجلها شرعت السلطات باب التراخيص الاستثنائية على مصراعيه، فيما غابت المراقبة لضمان سكن يليق ببني البشر بما يتطلبه ذلك من مرافق صحية وبيئية وثقافية ورياضية وغيرها، «إذ نجد أن بعض المنعشين يلجؤون لبناء مساجد في هذه المشاريع حتى لا يطلب منهم بناء مرافق لن تدر عليهم أموالا إضافية ، فالمسجد يبنى بدكاكينه التجارية التي إما تكترى أو تباع ، كما أنه مرفق يخرس الألسن»، يقول متتبعون للشأن المحلي، متسائلين «فمن سيتجرأ على رفض بناء مسجد وتعويضه بمركز استشفائي أو مركز ثقافي أو غيره؟».
لقد أفلح بعض المنعشين في إيهام الراغبين في اقتناء مسكن، بأن مشاريعهم السكنية تتوفر على شقق بشرفات، والحال أنهم أسسوا لأنفسهم «شرفات شاسعة» للسباحة في عالم المال و»الدوفيز»، وبدون تأويل مرن ترجموا المقولة السائدة التي تعلن بأن» البيت قبر الحياة»، وسارعوا إلى» إقبار» أجساد الناس في «تكدسات بشرية» وأطنان من الخرسانة أظلم من ظلمات المدافن؟


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 15/04/2020

أخبار مرتبطة

أكثر من 30 سوقا بلدية موزعة على تراب مقاطعات جماعة الدارالبيضاء لا تجني منها إلا الفتات بسبب سوء تدبيرها، وبحسب

أعلنت شركة “إكسلينكس فيرست”، أمس الثلاثاء، أن الشركة العالمية المتخصصة في الطاقة ” GE Vernova ” استثمرت 10.2 ملايين دولار

لا تزال أثمنة اللحوم الحمراء تسجل ارتفاعا ملحوظا وصل أرقاما قياسية أثرت بشكل كبير على جيوب الناس وأثقلت كاهلهم، ولم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *