ماثيلد زييْس (من أولى الغربيات اللواتي كتبن عنه): فرنسية في مغرب 1908 20

إميلي، الإنجليزية التي حولها عشق مولاي عبد السلام إلى « شريفة وزان»

 

منذ أواخر القرن التاسع عشر وإلى حدود 1912، سنة بسط الحماية الفرنسية على الإيالة الشريفة، أصبحت الرحلات الأوربية لاستكشاف المغرب ونشر المؤلفات حول أوضاعه وأهله، هواية نسائية أيضا بعد أن فتحت الصحفيات والكاتبات هذا الحصن الذي كان محتكرا من طرف الرجال. وقبل ترسيم الوجود الفرنسي في المغرب، كانت للبريطانيات حصة الأسد في زيارة البلد ونشر الارتسامات حوله، لكن الوضع سينقلب رأسا على عقب إثر معاهدة فاس لتتسلم الفرنسيات مشعل الريادة في المجال.
ماثيلد زييْيس إحدى أولى الفرنسيات اللواتي زرن مغرب ما قبل الحماية ونشرن كتابا عنه. وهي أديبة اشتهرت بترجمة العديد من التحف الأدبية الإنجليزية والألمانية للغة موليير، واشتغلت في الحقل الصحفي أيضا. سنة 1907، ستحل بالمغرب، في طنجة بالضبط، مبعوثة من طرف مجلة «تور دي موند» (Tour du Monde) المتخصصة في جنس الرحلات الصحفي. وقد نشرت الكاتبة/الصحفية سلسلة مقالات حول مشاهداتها في البلد وحول أوضاعه ونمط حياة رعاياه في المجلة المذكورة، قبل أن تنقحها وتضيف إليها تفاصيل أخرى لتنشرها ضمن مؤلف وسمته بـ «فرنسية في المغرب»، صدرت طبعته الأولى سنة 1908 عن دار النشر الباريسية «هاشيت وشركاؤه»، ليعاد طبعه لاحقا عدة مرات، وتنال عنه جائزة «مونتيون» من قبل الأكاديمية الفرنسية.
وضع مقدمة الكتاب في طبعته الأولى غابرييل هانوتو، الذي كان عضوا في ذات الأكاديمية سنة النشر ووزيرا لشؤون الخارجية الفرنسية عام 1896، وقد ورد ضمنها: «اليوم، لم يعد الرحالة الرجال والجنود والمستكشفون هم من يتناولون القضية ويرفعون الحجاب عن لغز المغرب، بل النساء أنفسهن. وهن يطبقن، في استقصائهن هذا الذي يعتبر اكتشافا بكل تأكيد، نظرتهن الآنية والنافذة، وإحساسهن النفسي الحاد وقوة ملاحظتهن الثاقبة والمُلمحة.» ويضيف الأكاديمي في التقديم نفسه: «ثمة جوانب من حياة المسلمين مخفية، لا يمكن لغير النساء ولوجها، ولذا فشهادتهن نادرة بشكل مزدوج لأنها متفردة.»

 

للقدر أحيانا نزوات غريبة، ومن المؤكد أن إحداها تمثلت في الزواج الذي جمع، بموافقة الطرفين التامة، بين إنجليزية شابة و»ولي» مسلم، بين سليلة كبير أساقفة كاتدرائية كانتيربيري الأنجليكانية (1) وأحد شيوخ الإسلام المبجلين، رجل تعود أصوله إلى النبي محمد نفسه عبر سلالة متواصلة من خمسة وثلاثين جيلا.
إن عائلة «شرفاء» وزان من أكثر العائلات تقديرا واحتراما في المغرب، البلد حيث، كما يعلم الجميع، تتولد السلطة من منبع ديني محض، وحيث يمكن للمرء أن يعتبر «وليا» أو شريفا بفعل الولادة ولمجرد النسب، وكذلك بناء على استحقاقه الشخصي. ويعود أصل شرفاء وزان إلى أسمى سلالة، ذلك أنهم ينحدرون مباشرة من فاطمة الزهراء، البنت المحبوبة للرسول، ويتصل عمود نسبهم بمولاي إدريس، مؤسس فاس وأول إمبراطور للمغرب. وبفعل نسبهم هذا، فإن لهم حقوقا مشروعة في العرش لا تقل مشروعية عن حقوق الشرفاء الفيلاليين الذين يحكمون البلاد منذ 1636.
ومهما كان الحال (سواء لأن منجما تكهن لهم بأنهم لن يتربعوا على العرش أو لسبب آخر)، فهم لا يتطلعون إلى القيام بدور سياسي. وهم يحظون بسلطة روحية عظيمة أكدتها مجددا أحداث وقعت مؤخرا؛ كما أن سلاطين المغرب يعترفون ضمنيا، هم أنفسهم، بأولوية عائلة شرفاء وزان المبجلة، إذ يلتمسون من شيخها، حين تربعهم على العرش، منحهم بركته التي هي بمثابة تكريس لشرعيتهم، ويعملون على أن يرافقهم دائما، أثناء الحروب، شريف من العائلة.
«لا سلطان بدوننا، ولا سلطان من بيننا!»، هو ذا شعارهم الأنوف، وفي الواقع، فقلعتهم بوزان، التي يديرون شؤونها بأنفسهم، مستقلة تقريبا.
حوالي سنة 1870، كان كبير العائلة هو سيدي الحاج مولاي عبد السلام، الرجل القصير والبدين، ذو الملامح السمراء، والشفة الثخينة والحسية والعين المتعبة. ورغم أنه لم يكن تقيا إلى حد كبير، فقد ذهب مع ذلك إلى مكة للحج؛ وبفعل سفره على متن باخرة فرنسية، فإنه رجع من الحج ولعا بتقاليدنا وعاداتنا أكثر مما هو متأثر برؤية الكعبة. أفكار الرجل الجديدة صدمت أتباعه، كما أن نساك مدينة وزان طلبوا منه الرحيل للعيش بعيدا عن «الزاوية». وفي تلك الفترة ذاتها، كان صراع سياسي قائما بين الشيخ وسلطان المغرب، وكان الأخير، قصد تكريس سلطته في وزان، قد عين باشا عليها. سعى الشيخ إلى نيل حماية الحكومة الفرنسية وحصل عليها بالفعل، مثلما طلق زوجته التي دخلت معه في خصومة زوجية عنيفة، ليرحل للاستقرار في طنجة، فيما لجأت الزوجة المهجورة، التي واجهها بالعبارة الشهيرة المكرسة: «حرام علي»، إلى السلطان بفاس، ومعها ابنها.
في طنجة، سنحت للشريف فرصة التعرف على شابة إنجليزية خطفت قلبه بشدة. الآنسة إميلي كين تنحدر، من جهة والدتها، من كبير الأساقفة وارام الذي شغل الكرسي الأسقفي لكاتدرائية كانتيربيري في القرن السادس عشر، إبان حكم هنري السابع وهنري الثامن.، أما والدها، فكان عاملا على سجن هورسمونغر لين. خلال إقامتها بطنجة إذن، عند أسرة بيرديكاريس (2)، صادفت الآنسة كين قضاءها وقدرها. وهي تتفسح في البادية تحت حراسة «مخزني»، أو وهي تمر في المدينة، لم تكن الشابة تخال مطلقا أن الفارس الأبيض الذي تلمحه بين الفينة والأخرى، الممتطي صهوة حصانه باعتزاز بالنفس والملفوف بسلهام، أن هذا الخيال الذي يقبل أتباعه المسلمون بتبجيل أسفل لباسه المتطاير في الهواء، قد رآها وأنها أثارت انتباهه. وجمعت إحدى السهرات، المقامة بإقامة مضيفي الشابة، بين الاثنين لتنتهي، على إثرها، قصتهما الإشكالية بخطوبة رسمية.
أقيم حفل الزفاف في 12 يناير 1873 بمقر تمثيلية إنجلترا الدبلوماسية في طنجة. وحرر عقد الزواج ووقع من طرف موثقين (عدلين) من الأهالي.
(…)
لم يكن لهذا الزفاف أن يمر من دون خلق وضعية جد محرجة وحساسة. وبالفعل، فقد كان من شأن عقد هذا الارتباط مع الجنس الملعون من قبل ولي صالح بفعل نسبه، شريف مبجل، أن يضع على المحك ويسائل بقوة ضمائر المتشيعين الشرسين لمحمد.
وغني عن البيان أن العروس الشابة ستجد نفسها، من جانبها، في مواجهة صعوبات جمة. إذ كانت تقتحم بمفردها وسطا مناوئا بشدة لها، حيث سينظر لها بارتياب، بل وبجفاء، سواء من قبل محيطها المباشر أو من طرف البلد برمته. كانت ستلفي نفسها في رحم عالم غريب كل الغرابة عن أصدقائها الأوربيين، وذلك إلى حد يجعلهم عاجزين عن مساندتها، أو على الأقل مساعدتها بواسطة نصائحهم، علما بأن الحيرة تملكتهم، في البداية، أمام تصميمها غير المنتظر. وبناء عليه، فمن بمقدوره وصف الأحاسيس التي انتابته لما رمت هكذا بنفسها في غمرة المجهول!؟
هوامش:
1 – الأنجليكانية تقليد داخل الكنيسة المسيحية، يضم كنيسة إنجلترا، والكنائس المرتبطة بها تاريخيا وتلك التي لها معتقدات وثيقة الصلة بها، ومنها كنائس في كندا وأميركا واسكتلندا.
أما كانتربيري، فهي مدينة في جنوب إنجلترا تعد من المدن المقدسة بالنسبة للكنيسة الأنجليكانية إذ توجد بها الكاتدرائية الكبرى التي هي مقر كنيسة إنجلترا (المترجم).
2 – غريغوري بيرديكاليس، رجل أعمال ودبلوماسي أمريكي كان مقيما في طنجة، وقد التحقت إميلي كين بأسرته في المدينة للتكلف بتربية أطفالها (المترجم).
شريف وزان مولاي عبد السلام وزوجته الإنجليزية إميلي كين (شريفة وزان).


الكاتب : ترجمة: سعيد عاهد

  

بتاريخ : 19/06/2017