غزارة الإنتاج وسوء التوزيع:كمامات بيرناردشو…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عادة ما تجد فرنسا نفسها موضع مقارنة بالمغرب، كلما تم توجيه سهام النقد إلى تدبيرها لوباء كورونا، وعادة ما تكون هذه المقارنة لفائدة بلادنا…
لا تعدم سياسيا فرنسيا، من اليمين أو من الوسط، يعيب على الدولة الفرنسية كونها أبانت عن عجزها في توفير كمامات الوقاية، عندما تباهت بإعلان إنتاجها لثمانية ملايين قناع واق في الأسبوع، في الوقت الذي أعلن فيه المغرب عن توفير أضعاف ذلك أربع أو خمس مرات…
هناك من اتهم فرنسا بأنها دولة سقطت في ترتيب القوة العالمي، ومن دولة عرفت نفسها بأنها دولة استراتيجية، تحمي المواطنين وتربيهم وتهندس حياتهم الاجتماعية الكريمة، تحولت إلى دولة مثقلة بالديون وتدبيرية متجاوزة..
كثير حقا في حق القوة السادسة دوليا أن يقال عنها كل هذا ويضاف إليه مقارنة لغير فائدتها مع المغرب!
نعتز إذن ونفتخر..
قد لا تكون هذه النقطة الإيجابية الوحيدة في ميزان المفاضلة بين تدبير وراء البحار وتدبيرنا الحلي، لكننا سنقف عند الكمامات، والتي صارت من نقط القوة في المشهد الوطني.. ونقطة افتخار، أيضا.
نحن نقر جميعا أن هناك غزارة في الإنتاج، والوزير السيد العلمي أكد، ما مرة، على وجود قدرة على الإنتاج فوق الحاجة، والانتقال أي التصدير إلى دول أجنبية، عقد معها مداولات بهذا الشأن..
لم تغادر مراسيم الحكومة شاذة أو فادة إلا وأحصتها في بلاغ رسمي، ومن ذلك المرسوم الخاص بمعايير التصنيع، والذي نص على أن تكون الكمامات مصنوعة من البوليبروبيلين البِكْر، وأن تتكون من ثلاث طبقات متراكبة من ثوب غير منسوج قابلة للترشيح بالتصفية، بشكل يمكن من تغطية أنف وفم وذقن المستعمل. ووفقا للخصوصيات التقنية التي يحددها المرسوم، ينبغي على سبيل المثال أن تكون أجزاء الكمامة المحتمل ملامستها لجلد مرتديها خالية من أي حافة حادة أو نتوءات مؤذِية. كما يجب ألا تنطوي على أية مخاطر معروفة من شأنها تهييج الجلد أو إحداث تأثيرات جانبية على الصحة، وبالتالي، فإن ثوب التصنيع يجب أن يكون خاليا من المعادن الثقيلة بحيث لا يعيق التنفس وأن يحول دون أي تهيج أو إثارة حساسية معينة للمستعمل.
كل هذا موثوق وموثق… والتحول الذي مس جزءا من المؤسسات الإنتاجية الصناعية، فانتقلت من ميدانها المعتاد إلى تصنيع الكمامات وباقي مستلزمات حفظ السلامة ومواجهة الفيروس، عربون على المراهنة الجدية على الإنتاجية الوفيرة في هذا الباب.
ولكن بين هذه اللوحة المقنعة والجميلة وبين فاعليتها ونجاعتها في الميدان، أي وصولها إلى المغاربة كلما طالبوا بها، هناك جسر عبور، لا يبدو أننا ننجح فيه بنفس الثقة والنجاعة الحاصلة في الإنتاج..
هذا الجسر اسمه التوزيع..
وقد يكون هو مربط الفرس، إذ في التوزيع تمتحن الدولة قدرتها على العدل والإنصاف. كما في توزيع الثروة، وإن كانت التحديات فيها أعقد وأصعب ومحاطة بأسوار عالية من الرهانات، بطبيعة الحال، فإن وسائط التوزيع تكون في أحيان كثيرة نقطة العجز التي تجعل المجهود الوطني يذهب جزء منه في الهباء…
لقد تعالت أصوات كثيرة، حول عدم توزيع عادل لهذه الكمامات، حتى أنها صارت موضوع حكايات وتفاصيل يومية متعبة في حياة صارت صعبة بفعل ما نعيشه من حجر ومن آفاق مقلقة. ..
تحولات الصناعة، لا يمكن ان تلغي هشاشة سلسلات التوزيع، التي تعد العصب الحقيقي في كل عملية تجارية سواء أكانت بالطرق العادية أو الطرق الحديثة.
هذه المواد اليوم، إذا كانت حيوية – وأصبحت موضوع نزاع تجاري بين القوى العالمية في فترة جائحة كورونا، هل يمكن لنا أن نتساءل كيف يعقل أنها ستسلم من نزعات تعرفها الاقتصاديات الهشة مثل اقتصادنا ومن مظاهر موبوءة تعرفها مناحي الإنتاج والتوزيع الأخرى، ومنها الريع والفئوية واغتنام تلاشي المراقبة لكي لا تصل إلى أصحابها بالثمن الذي دفعت الدولة الكثير من أجل الحفاظ عليه؟
المراقبة لا من أجل حماية منافسة ما أو غيره، بل من أجل ضمان الوقاية ومسايرة القرار الرسمي بتقوية مناعة مواجهة الفيروس…
لن نسرد هنا الحالات التي توصلنا إليها، بين التبليغ الفردي أو التوجسات، ولا نعدم ألف سبب بألف قصة لما يتوارد علينا، بقدر ما يهمنا، عمليا، أن نثير سؤالا جوهريا يتعلق باستكمال المسلسل الخاص بهذه المادة التي كانت موضوع قرصنات دولية، لا يسمح بقرصنات داخلية قد تكون لأمر في نفس يعقوب!
إن الدعم،-دعم أسعار الكمامات الواقية المحدد في 8 دراهم لكل علبة تحتوي على عشر كمامات من طرف الصندوق الخاص بمكافحة فيروس كورونا- والاستراتيجية المعلنة حولها والإرادوية الكفاحية، يجعل من هذه المادة…عتاد حرب، ويجب تشديد المراقبة عليه..
كلنا نعرف تلك الحكاية المنسوبة إلى الأديب بيرنارد شو، البريطاني الشهير والأكثر سلاطة وسخرية لأجيال عديدة.
فقد رد برنارد شو عن الملاحظة التي تفرضها العين بين صلعته الظاهرة وكثافة لحيته الكثة، فأجاب بسخرية لا تعدم غير قليل من التشفير: «أنها غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع»… .
وهذا المشهد عندنا لا يكون بالنفس الساخر ذاته، إذا ما ضاعت كمامة تهم مواطنا إلا وكان وراءه سؤال غير بريء.. لا يمكن التخفيف من حدته بواسطة الفكاهة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 22/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *