سياسة الحد الأدنى بالقلق

 

1

في السياسة يكاد التلخيص للواقع يكمن في الإعلان عن اقتسام الشعور بالتوجس، ويكفي أن تقول بأن القلق يساورني، لكي تشعر بالطمأنينة، بأنك فعلا تمارس السياسة النبيلة..
لحد الساعة، في أحاديث رفع الحجر هناك مرحلتان مرتبطتان ارتباطا يكاد يكون حصريا، بالجانب الاقتصادي.
طبيعي تقريبا، بما أننا فضلنا الحياة على الاقتصاد، فلا بد من أن نفكر في الاقتصاد أولا بعد أن طمأنتنا استراتيجيتنا الناجعة على الحياة.
تخرج الحياة من الاقتصاد
ويخرج الاقتصاد من الحياة..
في هذا هناك الماكرو سياسة الاقتصادية.
كثير من التكييفات الترابية الجهوية كمثال تم تعليقها في ما يخص القرار والاكتفاء بتدبير الأمر مركزيا.
لا جديد في الواقع، غير التدبير السابق أو المرافق للجائحة في شقها المالي.
حقائق التحكم في التراب الجهوي والتجارات والتحكم في شروط عودتها… الفنادق والمطاعم … كل الصلاحيات صارت مرتبطة بصلاحية وطنية.
ما يمكن اعتباره مواساة: هناك اختصاص واحد، هو الوطن لنا جميعا! ويبقى تدبير جهوي لتدبير رفع الحجر الصحي ممكنا ،مع ذلك..
لجن جهوية، وكالات جهوية من الخبراء والمستشارين الطبيين وتقديم النصيحة للتجار والشركات ودفاتر التحملات الصحية في الاختبار وفي الكشف… إلخ، كما طرحت في بلدان أخرى لها نظامها الجهوي…
المركزية في قرار التطبيق والجهوية في قرار التنفيذ لرفعه ممكنة؟

العالم والسياسي

كانت المعادلة واضحة، أو على الأقل مقروءة مع ماكس فيبر الذي وضعها على طاولة السوسيولوجيا وعلم السياسة. السؤال يعود اليوم، في فرنسا التي احتضنت ماكس فيبر بغير قليل من الرعود والصراع بين فصائل الماركسية، كانت العلاقة بين العالم والسياسي، من مقومات تأسيس الحداثة السياسية، غير أن الأزمة هزته هزا وزوبعته زوبعة. يبدو صاحب القرار السياسي مختبئا وراء العالم أو التحكيم العلمي الطبي، لكنه يعرف بأنه بمجرد خروجه من معطفه سيجد الرأي العام أمامه لمواجهته ومحاكمته فرنسا، كما قرأت في “الفيغارو” لعدد الجمعة 24 أبريل، تناقش الموضوع وتضع معادلة انتصار الخبرة على القرار السياسي، أو عودة السياسة البحتة في سياق مطبوع بالشك واللايقين.
والجواب أحيانا، كما عند أحد تلامذته رايمون ارون، الفيلسوف والباحث في كوليج دوفرانس والخبير في قضايا الليبرالية والدولة الوطنية بيير مانانت هو ” السياسة هو العلم الحاكم”.

الدولة والحرية الفردية

يقول مانانت “ما الذي يمكن أن نعارض به الدولة حامية حقوقنا، ونحن نتوسل إليها بأن تجلس بالقرب من سريرنا وتداوي حميميتنا المجروحة في كل شيء؟”
القضايا الكبرى، بالنسبة له لم تعد تغذي الخلافات الكبرى..
ليبيرالي حتى النخاع، هكذا أعلق على هامش من
من كلامه…

2

 10  أسئلة بين الآني والاستراتيجي على الصحافة

من أجل إنقاذ التعددية  والحرية ومصداقية المعلومة 

كانت الصحافة المكتوبة تحتضر، والحق أقول إنها لم تكن في حاجة إلى فيروس بحجم كورونا لكي تكتشف بأنها منذورة لقسم الإنعاش قبل أن تكون جديرة بالأكشاك..
كنا، في كل لحظة يقظة وصفاء، نتكلم عن تقدم الداء قويا، سنة بعد سنة في الجسم المتلاشي،غير أن الوضع المتسارع طرح علينا أسئلة وجودية غير مسبوقة:
1 – لأول مرة، يكون حجزها وتوقيفها بقرار صحي، ولم يكن للرقيب سلطة الجزر ولا سلطة التكميم، كانت له سلطة الكمامة والقرار، الذي اتخذه الوزير السابق، في سياق استثنائي بدا منطقيا، حتى وإن كان قد أخل بشرط تشاوري ديموقراطي ضروري في مثل هذه الحالات، ولأن المشاورات قد تجد أشكالا أخرى من تدبير بقاء الطباعة والورقي.
2 – كانت المبيعات قد وصلت الدرجات السفلى من نبضها، وبدأ الجميع ينظر إلى شاشة البيان الكهربائي لقلبها وهو يعلن عن دقات غير سوية، وأرقام بالكاد تتجاوز مئة ألف نسخة لكل المطبوعات ولكل الألوان ولكل المدارس والقناعات.
وسمع صوت الحشرجة، وكنا نسمع التنفس الصعب للصحف، والصعوبة في الحياة، والرئة التي اعتدنا أن نسميها رئة الديموقراطية كانت معلولة، وهواؤها غير عليل … قبل أن تتغير نظرتنا إلى الهواء كليا بفعل الفيروس.
وانهارت الصحافة المكتوبة برمتها، وسارع الوباء بإعلان الاحتضار.
لكن، وبدون إنذار، فجأة بدأنا نسأل عن أسباب البقاء من بعد وسبله وتعليلاته، كما لو أن الحالة الوبائية تشبه هدنة، لتعديل القدر الموحد الذي كانت تسير فيه بسيادية جنائزية لا غبار عليها.
لم نكن نمْعن النظر كثيرا في الضرورة الديموقراطية للصحافة، لا سيما المكتوبة منها، إلا في حالات الصدام، الظرفي أو الصامت، مع السلطات الأخرى.
والهوية الديموقراطية، لم تكن هي الفيصل. لا ننسى أن هناك من اعتبر أن الديموقراطية تقتضي وفاة صحافة لفائدة صحافة أخرى، بضرب عرض الحائط الارتباط العضوي بين صحافة مغربية معينة غير خاصة وبين الديموقراطية ذاتها، كما لو أن الامّ، التي أرضعته عامين حتى اشتد عوده، كان منطقيا أن تموت وتموت معها أثداؤها.
أرقام الاوجيدي ojd كانت دالة، ولم نكن نخفي شعورنا بأننا ندافع عن ديموقراطية تضمن حرية الصحافة بدون قناعة شديدة بأن الصحافة ستبقى حية إلى أن تَقْبل بها الديموقراطية.
بمعنى آخر كنا ندافع عن حرية الصحافة، ونحن نكاد نجزم بأن الشق الورقي في الحرية قد لا يصمد وجوديا.
كانت التحولات سريعة، موضوعية وذاتية، ذات أبعاد ثقافية وأنتروبولوجية ورقمية وحتى عقائدية، وكلها كانت تتلبد في سماء أوراقنا، وتنبئ بالأسوأ.
لو يكن هناك من يستطيع الادعاء أنه غير معني بالقيامة الموشكة بنا.
جاء كورونا كما لو أنه يذكرنا بأن يوم الحساب لا ريب فيه، وأن الساعة آتية لا ريب فيها بالنسبة لديموقراطية تعددية، بدون صحافة مكتوبة قادرة على كل الأدوار بتناقضاتها، حملها وتأزيمها وإنضاجها ومراقبتها.
3 – بدهية أولى: عندما تتوقف الرياضات تتوقف الصحافة الرياضية اللهم إلا الاذاعات التي استطاعت بقدرة كبيرة البقاء بعد تحولات إيجابية نحو الخبر الآني الوطني العام.
بدهية ثانية: عندما تتوقف الثقافة طبعا تتوقف الصفحات والملاحق الثقافية وتعز الأخبار ويكاد المثقف، بكل قناعاته وأقنعته، أن يتحول إلى طبيب تشريح بدوام يومي في اختبار تحولات الحضارة والمدنية على ضوء الفيروس، الذي لم يقرأ عنه سوى في روايات الآخرين.
بدهية ثالثة: عندما تتوقف الشركات والبورصات وتنهار قيم الرسملة، من المؤكد ان صحافات وصفحات مرتبطة بها تتوقف…
بدهية رابعة ليست بدهية تماما: عندما لا تتوقف السياسة عموما، يمكن للصحافة المكتوبة المرتبطة بها أن تتوقف.
لماذا وكيف؟ للنظر أبعد من قرار هنا أو قرار هناك ونشير إلى جهات البلاد الأربع.
غير أن هناك، في كل بدهية منطق عام لا يعفي الصحافة من تحولات الأزمة..
4 – الأرقام الخاصة بالإعلانات والاستشهار تبين الى أي حد صارت الأوضاع كارثية من حيث المداخيل، فقد اتضح من خلال تقرير الاستثمارات الإشهارية في إفريقيا خلال الفصل الأول من 2020 ، حجم التأثير الاقتصادي القوي لأزمة كورونا، فهذا التقرير، الذي تنجزه شركة” أمبريوم” المتخصصة، يتحدث عن اضطرار المعلنين إلى إعادة تحديد استراتيجيات الاستثمار وسياسات التواصل الخارجية، وهو ما أثر بشكل قوي على عائدات الإشهار.
وشهدت وسائل الإعلام الأخرى انخفاض حصتها الإعلانية بشكل مذهل خاصة بالنسبة للصحافة المكتوبة التي هبطت حصتها بمعدل ­62%.
ومن بعد أن انقرضت المبيعات والنسخ الورقية للتعددية الإعلامية، ووجدت الديموقراطية أمام سؤال حقيقي: هل يمكنها الحياة بدون الصيغة الورقية لحرية الرأي والعولمة؟
وكان الجواب ضمنيا محيرا، وليس بالبداهة التي نتصورها عادة.
5 – هناك وضع مادي وموضوعي قائم، هناك عناوين محددة هي التي توجد في المشهد العام، بحضور حصري للبعد الخاص والبعد العمومي الشامل، هذا الخير ممثلا في أذرع الدولة، كما في أي لحظة حرب.
وكان التسليم بوجود القطاع العمومي لوحده في الميدان، في ساعات الحجر والطوارئ، شبه منطقي وبدهيا، لولا أن شوش عليه الاستثناء الذي وضع القطاع الخاص في المجالين السمعي البصري على قدم المساواة مع القطاع العمومي، دون أن يتم فتح أية نافذة للصحافة المكتوبة­ المنكوبة أو لوريثتها الافتراضية.
وفي قرار استثناء الصحافة المكتوبة من التنقل في ساعات الحالة الطارئة، كان هناك بالفعل كل المبررات لاتخاذه، لو لم يتم استثناء الإذاعات الخاصة، وجعلها تبدو، في سياق السماح لها، كما لو أنها أذرع عمومية للدولة، كما هو أمر مؤسسات القطاع العمومي التي تخضع لتقدير الدولة في تدبيره في زمن الأزمات أكثر منه لتقديرات التعددية،ولعل الشعور الأنسب لدى الصحافيين في القطاع المكتوب هو استثناؤهم من أجْر المخاطرة النبيلة لفائدة المهنة أكثر من استيائهم من توصيفهم في خانة لا ترقى إلى زملائهم في القطاعات الأخرى.
ولا أعتقد بأن الأمر يمكن أن يجر إلى قاموس القمع والتهديد والسلطوية وغيرها مما ينطبق على معارك الحق في التعبير والوجود.
يمكن حله بتعميم الاستثناء على الصحافة المعتمدة لكل من أراد التحرك لعمل مهني في دوائر القرب الممكنة للصحافي، وهي عادة ما تتقرر في هيئات التحرير، ولا تتسع لزيارة العالم كله.
6 – الأوضاع الاجتماعية أيضا لا تعفي الصحافة، الصحافة مجال نبيل، هو أشبه بالكفاح والصحافي يقارن نفسه بالجندي بكل الأريحية الممكنة، لكنه في واقع وحياة المجتمع، له أزماته التي تشبه «المدنيين» الآخرين، لا هو في القطاع العمومي ولا هو في القطاع العسكري، إذ هو في مرتبة تجعل منه الرقيب الديموقراطي، الوسيط الديموقراطي في معركة يتقاطع ويتكاثف فيها الاقتصاد والمجتمع والخبر والديموقراطية..
وهو الذي يدعي مراقبة الدولة، عليه أن ينتظر منها أن تساعده على أن يشبه جنودها وتعطيه ما يعتبره ­هو وحده­ ثمنا للديموقراطية، وكما هي التعددية الحزبية، ضرورية للديموقراطية، التعددية الإعلامية أيضا لا يمكن إغفالها..
وجدت الصحافة المكتوبة بالأساس، نفسها، تتعامل مع وضع لم تعشه من قبل، علاوة على وضعية وجودها السابقة، وطرح عليها سؤال كيفية قراءة حرية الإعلام اليوم، بناء على أو ضد متغير أمني وصحي، متغير تلتقي فيه ثوابت قائمة بدون أن يكون لجمعها معنى كما هو المعنى اليوم.
فالأمن ثابت قبل الوباء وبعده،
والصحة ثابت قبل الوباء وبعده،
والتعبير ثابت قبله وأثناءه وبعده ..
ولكن كيف يُخْلق من الثوابت متحولٌ كبير عندما تلتقى هذه الثوابت كلها، الأمن والصحة العمومية والحرية؟
في فرنسا وجدوا تعبيرا جيدا يؤطر النقاش العمومي حول كل أشكال الحد من التنقل ” الصحة شرط الحرية اليوم”، ولا بد من وضع حدود قانونية جزرية لكي نضمن الاستمرار والحرية من بعد..
7 – استطاع المجلس الوطني أن يكرس قوته المؤسساتية من خلال التدخل مرتين في العلاقة مع السلطات العمومية في شخص الداخلية وتدبير حركة الصحافيين: عندما تم اعتماد البطاقة، ­كهوية­ في تنزيل حرية الصحافيين في التنقل، بدون الحاجة إلى هوية إدارية أخرى تسمح لهم بالحركة، بعد إعلان حالة الحجز الطبي في 20مارس المنصرم.
ثم في المرة الثانية بعد تعميم حالة الطوارئ الرمضانية، من السابعة ليلا إلى الخامسة صباحا. كانت مراسلة عادية وهادفة كافية لتصحيح وضع أثار ردود الفعل متفاوتة في درجتها وطبيعتها.
ويمكن القول إن ما دافعت عنه النقابة الوطنية للصحافة، كمؤسسة مدنية نقابية، تحقق من خلال عمل المجلس، الذي يعد امتدادا للمهنة على مستوى البناء المؤسساتي في بلادنا.
الأشياء ليست بسيطة في جوهرها.
كيف؟
في السنة الأولى للمجلس الوطني للصحافة المكتوبة، وجد الصحافيون في المكتوب، أنهم أمام امتحان الهوية­ في قضية البطاقات ­ وامتحان القرار­ في قضية توقيف الصحف الورقية بدون نقاش مع الهيئة­ وامتحان المؤسسات ­ عندما يكون الوباء سؤال وجوديا مطروحا على الصحافي أكثر منه على الصحيفة وعلى الصحيفة المكتوبة أكثر من الصحافة برمتها…

8 – هناك ملاحظات آن أوان النظر إليها بعيون جديدة، لنخرج من نموذج إلى آخر يستطيع أن يعيش عند الخروج من إنعاش الكورونا.
نحن لسنا قطاعا يشتغل بالاشتراكات، كما في دول تعتمد في جزء كبير من حياتها وازدهارها على ذلك.
ولو كان الأمر كذلك، لو أن الاشتراكات مثلا تمثل 50 في المئة من منشوراتنا كان من الممكن أن تحل شبكات قطاع البريد المعضلة في التوزيع .
ليس هذا ما هو حاصل، وهو من الأمور التي يجب أن تطرح على القطاع من بعد.
والمطروح هو كيفية تحرير القطاع من ارتهانات التسوق­ وليس السوق ­ كما لو كان قطاعات للتغذية نفتح أبواب المحلات كما يفتحها “الأسطى عطية” في أغنية سيد مكاوي “صبحنا وصبح الملك لله يسعد صباح صباح الخير يا اسطة عطية”.
9 – أي اقتراحات ممكنة؟
اقتراح كل الشركات ألغت أو قلصت من استثماراتها الاشهارية بقوة الأشياء، أفلا يمكن وضع مقترح قرض على الضريبة crédit impot للشركات التي تقبل بمعاودة إطلاق استماراتها التواصلية؟
-وبما أن هناك تصاعدا كبيرا للاقتطاعات في الشركات الكبرى للتواصل، كما للشركات الكبرى الدولية gafa ألا يكون من المفيد فرض اقتطاع أو تضريب taxation عليها من أجل تمويل الصحافة المكتوبة في خضم هذه الأزمة، كما تناقش الأشياء في برلمانات أوروبية؟
– نريد أن نسمع في البرلمان وزير الثقافة والاتصال أو هما معا، إلى جانب وزير المالية يردون على سؤال : كيفية إنقاذ الصحافة المكتوبة، وتكون هي عتبة عودة الوضع الطبيعي ومقدمة رفع حالة الحصار، والسؤال موجود تحت القبة وطرحته الصحافية والبرلمانية حنان رحاب ويتطلب سعة أفق لوضع القضية في أفقها وليس في آنيتها فقط.
– ومادام قطاعا الاتصال والثقافة متصلين ألم يحن الوقت لكي يجتمع الناشرون في قطاع الكتاب، والموزعون في القطاع ذاته والكتبيون، إلى جانب الفاعلين في قطاع الصحافة المكتوبة، لوضع خطة عمل موحدة في النشر والقراءة؟
10 – سؤال الخروج الأكبر
إن سؤال الخروج الآني من الأزمة لا يلغي سبل تفكير غير مسبوق يعود في الواقع إلى مساءلة أعمق: ألا يمكن أن يكون للتشريع ­والبرلمان رأي في الموضوع، ما دام مرتبطا ارتباطا عضويا بالإعلام، ارتباط التوأم بنظيره في الرحم الديموقراطي؟
إن المفهوم الأكبر الذي يؤطر ما سبق هو:
أي مستقبل للتعددية؟
أي مستقبل للحرية؟
وما هو مستقبل مصداقية المعلومة و الخبر لصناعة الرأي العام اليقظ والفعال؟
هذه الأسئلة التي تطرح تحت سماوات أخرى، نشترك معها في مخاوف كورونا وآثاره، لسنا في منأى عنها، والأجوبة عنها تتأسس شروطها هنا والآن …

3

  خطر العودة إلى الحياة الطبيعية

ما يعلمنا إياه النقاش حول رفع الحجر الصحي، والحرص المرضي،تقريبا، على توفير جميع الشروط لأجل ذلك، هو أن هناك خطرا في العودة إلى”الحياة العادية “.
إيه نعم…
صارت العودة إلى الحياة العادية موضوع توجس عميق وكبير،
ولم تأخذ المعنى الكامل لتسميتها على يد عبد الرحمان منيف والباهي محمد معا، الورطة الحياة كما تتخذها اليوم أمام أعيننا…
نحن لحد الساعة لم نتحدث عن رفع الحجر والطوارئ،
ربما نعتبر ذلك سابقا لأوانه
ربما هو غير متحكم فيه
ربما قد يكون تهورا
أو حتى خطأ…
في خرجات رئيس الحكومة كما في أرقام محمد بنشعبون هناك حديث عن كل شيء إلا عن انتهاء الحجر الاحترازي.
نتكلم عن المبالغ المخزَّنة، وعن الجدولة الزمنية لصرفها، ويتضح بأننا قادرون على ضبط أصغر رقم وأكبر الأرقام، وهناك في آخر الترتيبات كلام للسيد بنشعبون، الذي أوردته وكالة “لا ماب”كما يلي: ”
– تم التوافق في إطار لجنة اليقظة الاقتصادية على منهجية للتفكير الاستباقي تنبني على وضع السيناريوهات الممكن تنفيذها بالنسبة للمرحلتين القادمتين.
– تتعلق المرحلة الأولى بالعودة التدريجية لمختلف القطاعات إلى ممارسة أنشطتها في إطار التنسيق مع استراتيجية رفع حالة الطوارئ الصحية، في حين تتعلق المرحلة الثانية بتنزيل الآليات الملائمة والمتجددة التي ستمكن من وضع الاقتصاد الوطني في منحى للنمو القوي والمستدام، في عالم ما بعد أزمة كوفيد19″.
حذر بين، ولا سقف زمني لذلك.
قد يكون، كما هو النقاش في مجالس أخرى، ضرورة الاطمئنان لوجود لقاح أو تلقيح وربما علاج. والحياة الطبيعية، هنا في حالة عدم استيفاء شرط العلاج، تعني مخاطرة في التنقل وفي العمل وفي التبضع وفي الركوب والنزول وفي أية خطوة ممكنة… لن نستطيع البقاء في أبدية منزلية، ولا نستطيع المغامرة خارج المنزل، سؤال وجودي أكثر منه اقتصادي، ونفسي مبالغ في حديته التاريخ الذي نعرفه هو 20 ماي، ولا نعرف هل نعد بعده للخروج أو لشوط إضافي ثان، بالرغم من أن تصريحات وزير المالية تقول برفع تدريجي للحجر، ما زالت مقوماته كلها غير واضحة لنا.
لنبدأ من الآن بطرح الأسئلة وتكييفها مع الواقع وتنزيل أجوبتها ميدانيا…
بماذا سنبدأ، السيد الوزير، في المرحلة الأولى، ومتى ستبدأ هذه المرحلة؟
هل نحن أمام فصل من مرحلة، أم فقرة من فصل، وما هي ملامحها؟
نرجو أن يكون البرلمان في هذا النقاش حاضرا بالتفاصيل، وفي هذه التفاصيل هناك الصحة، المدارس، العودة للعمل، التجارة، التنقل العمومي الكامل، التجمعات، المساجد والأنشطة الثقافية، أي الحياة في بساطتها العادية، أو التي كانت عادية، قبل أن تصبح “مغامرة”.


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 29/04/2020