فورين بوليسي: الخطاب الأمريكي تجاه الصين بأنه «يُرثى له»

سلطت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية الضوء على مستقبل الحرب الباردة التي من المرجح أن تدور بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين خلال فترة ما بعد انتهاء تفشي فيروس «كورونا».
وطرحت الصحيفة، في مستهل تقرير لها تحت عنوان «المستقبل سيكون آسيويا… لكنه ليس صينيا»، تساؤلا حول الطريقة الحقيقية التي استجابت الصين من خلالها لتفشي فيروس كورونا.
وتقول الصحيفة: هل تستر الصين في بدء تفشي الفيروس هو الذي أخر الاستجابة لمدة تصل إلى ستة أسابيع؟ وبالتالي ساعد هذا الأمر على الإسراع من تفشي وانتشار المرض حول العالم؟! أم أن تستر الصين يعكس تنظيما مدهشا للقدرات السياسية واللوجستية والصناعية للصين بالشكل الذي ساعدها في الحد من عدد القتلى، بالمقارنة مع نفس الحالة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية؟
ترى الصحيفة أن إجابة هذا السؤال تعكس صورة أكثر وضوحا للصراع من أجل المكانة العالمية، أو تحديدا يمكن أن تقول إن هذا الأمر قد بدأ منذ أن اختص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين باعتبارها العدو الأول للولايات المتحدة في حملة بدأت عام 2016 بسبب الحرب التجارية التي شنها ترامب اقتناعا منه بأن الصين تسرق الوظائف والأرباح الأمريكية من خلال الممارسات التجارية غير العادلة، وترتب عليها أن أضرت هذه الحرب باقتصاد البلدين وجعلتهما تبدوان كما لو كأنهما عالقتان في سباق تنافسي محصلته تعادل – صفر- على السيادة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأمر لا يقتصر كذلك على ترامب والجمهور المناهض للعولمة، والذي ينظر الى الصين باعتبارها طرفا من أطراف الحرب الباردة. ولكن يذكر في هذا السياق، ما دار بين السيناتور بيرني ساندرز وجون بايدن في منتصف مارس الماضي، عندما أشاد ساندرز بالإجراءات التي اتخذتها الصين للحد من الفقر. مما دفع بايدن لأن صرخ بشدة واصفا الصين بأنها ديكتاتورية استبدادية كبيرة، مصرًا على أن أي زيادة في معدلات الرخاء قد نجح النظام في تحقيقها لم تكن أكثر من مجرد زيادة “هامشية”. وعلقت الصحيفة على هذا الأمر، بأن أبدت تعجبها من هذا التصريح الذي أعلنه بايدن على الرغم من معرفته الجيدة بأن الصين نجحت أكثر من أي دولة أخرى في تاريخ البشرية، في انتزاع المزيد من الناس من براثن الفقر على مدى الأربعة عقود الماضية.
وذكرت الصحيفة أن الوباء أشعل حدة المنافسة الجارية بالفعل بين الصين والولايات المتحدة. وذكرت كيف استمر ترامب في إطلاق مسميات عليه مثل «فيروس ووهان» أو «الفيروس الصيني»، من أجل التأكيد على جعل الأمريكيين يشعرون أنهم ضحايا أبرياء للفشل الصيني، إن لم يكن يقصد أنهم ضحايا مؤامرة شريرة.
ووصفت الصحيفة الخطاب الأمريكي تجاه الصين بأنه «يُرثى له» بالنظر إلى ارتفاع حصيلة القتلى لدى الولايات المتحدة وما تعانيه من خلل واضح في المنظومة الصحية الخاصة بها، في الوقت الذي أعادت فيه الصين فتح أبوابها أمام الأعمال التجارية وقدمت كذلك تبرعات بمعدات حماية للدول التي بدت في أمس الحاجة اليها.
وذكرت الصحيفة أن الوباء أثار مخاطر المنافسة من احتدام الصراع على الهيمنة الاقتصادية ونقله الى مستوى أعلى من التنافس بين النماذج التنافسية نفسها. وبمعنى آخر، أي رفعها إلى مستوى أي نظام من الأنظمة السياسية هو المصمم بشكل أكثر مرونة بما يسمح له بالتكيف مع الأزمات العالمية، سواء كانت أزمات صحة عامة أو أزمات مناخ.
ولفتت إلى أن ما انتهجته الولايات المتحدة من نظام عالمي ليبرالي في أعقاب الحرب العالمية الثانية حافظت عليه من ذلك الحين. وتشير الصحيفة إلى أن السر وراء استمرار هذا النظام الى الوقت الحالي، لا يكمن في الهيمنة العسكرية والاقتصادية الأمريكية، ولكن لأنه يعزز من مصالح العناصر القيادية الفاعلية فيه – بما في ذلك الصين- ولكن هنا طرحت الصحيفة تساؤلات أخرى، وقالت هل تقترب الآن هذه الحقبة من نهايتها؟ وهل تشير أسهم المستقبل نحو الديموقراطية الليبرالية أم استبداد السوق الحرة؟
وتشير الصحيفة كذلك إلى ما ورد بكتاب تحت عنوان “هل فازت الصين؟”، لكاتبه الدبلوماسي والمؤلف السنغفاوري كيشور ماهبوباني، الذي لطالما عمل على مهمة شرح القيم الآسيوية للقراء الغربيين. ويرى الكاتب أنه مما لا شك فيه أن الصين بالفعل قد فازت، ولكنه في الوقت نفسه يحذر الصين من الاستهانة بأمة تتمتع بالمرونة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كما يشير إلى أن العديد من القادة والمراقبين المحنكين في البلدان الحساسة استراتيجيا حول العالم قد بدأوا في الاستعداد لعالم قد تصبح فيه الصين رقم واحد على مستوى العالم. إذ أنها من وجهة نظره، تعتبر هي القوة الصاعدة المثالية على مستوى العالم.
وردا على وجهات نظر «ماهبوباني»، تقول الصحيفة إنه يجب التفرقة بين الصين والنموذج الصيني، بمعنى التفرقة بين هل انتصرت الصين بالفعل أم النموذج الصيني هو الذي انتصر. والأكثر أهمية من ذلك هو قدرة الدولة على اتخاذ القرارات العقلانية على المدى الطويل، والالتزام بالحكم الرشيد، والواقعية والمرونة في مواجهة عالم مضطرب وضبط النفس الواقعي في التعامل بمسائل الشئون الدولية.
وعند هذه النقطة تعود الصحيفة مرة أخرى إلى طريقة تعامل الصين مع الفيروس التاجي، وهي ما تنطوي على ثقافة استبدادية أدت إلى حدوث الفاصل الزمني في اكتشاف الحالة الأولى في ووهان بتاريخ 8 ديسمبر وفرض قرار الإغلاق على المدينة في 23 يناير.
ولفتت الصحيفة إلى أن القصور في الإبلاغ عن الفيروس والمسارعة إلى غلق المدينة، سمح لخمسة ملايين شخص بمغادرة ووهان قبيل إغلاق المدينة، مما أدى إلى تسارع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم.
والأكثر من ذلك، وفقًا لما نقلته فورين بوليسي، فأن المسئولين الصينيين روجوا لنظرية مؤامرة جنونية تلقي باللوم في انتشار الفيروس على الجيش الأمريكي، وتابعوا الإصرار على أن أرقام الوفيات منخفضة بشكل غير معقول.
وتروي الصحيفة كيف بدأت الأمور في التضخم، بينما كانت السلطات الصينية تخفي الحقيقة بشكل بائس، مما أدى الى أن مسئولين في دول عدة مثل تايوان وكوريا الجنوبية وهونج كونج وسنغافورة، قرروا القيام بعمل الفحوصات وتطبيق الحجر الصحي على حدودهم الخاصة، ثم اتجهوا بعد ذلك الى التكثيف من إنتاج معدات الحماية ومعدات الاختبار.
وأشادت الصحيفة بطريقة تعامل هذه الدول مع الفيروس، ووصفتها بأنها ديموقراطيات نابضة بالحياة تتميز بقدرتها على عمل انتخابات مفتوحة وتبني قضاء مستقل وما إلى آخره. وقالت إنهم قد أظهروا معًا ما الذي يمكن الوصول اليه عندما يحترم المواطنون والدولة بعضهم البعض بدلاً من أن يسود الخوف هذه العلاقة. وذكرت في السياق نفسه، أن حصيلة قتلى الفيروس لدى هونج كونج كانت أربع وفيات فقط، وتايوان توفى لديها ست وفيات فقط، وسنغافورة 12، فيما وصل تعداد القتلى في كوريا الجنوبية الى 240.
وبناءً على كل ما سبق، تشير الصحيفة الى أن النموذج السياسي الحاكم الفائز بعد هذا الصراع مع المرض، لن يكون بالتأكيد هو النموذج الاستبدادي للصين، بل أنه سيكون هو نموذج الديموقراطيات التي تتشارك مع الصين في القيم الآسيوية من حيث حالة الانضباط الجماعي واحترام السلطة والإيمان بقوة الدولة.
علاوة على ذلك، ترى الصحيفة أن النجاح النسبي لألمانيا والنجاح الملحوظ لأستراليا ونيوزيلندا من حيث خفض معدلات الوفيات، يُظهران أن الديموقراطيات الليبرالية الكلاسيكية يمكن أن تنضم إلى نجاحات هذه الدول في حالة أقدم العلماء ومسئولي الصحة العامة على تقديم شروحات وافية وهادئة للمواطنين توفر لهم فهم واضح حول الأساس المنطقي لاتخاذ تدابير مؤلمة.
وتسلط الصحيفة الضوء على الفروقات الشعبية في تقبل إجراءات التعامل مع الفيروس، مشيرة الى أنه في الوقت الذي رفض فيه الفرنسيون –على سبيل المثال- اعتماد النظام الكوري للمراقبة الرقمية والذي يجبر المصابين على تثبيت تطبيق عبر هواتفهم النقالة يتيح لمسئولي الصحة العامة تتبع أماكنهم. يتبين لنا كيف أن مواطني الديموقراطيات الآسيوية يمكنهم التنازل عن جزء من حرياتهم الشخصية من دون التضحية بحقوقهم السياسية الأساسية. وتلفت الصحيفة إلى أن الغرب قد يجد نفسه خاسرًا كبيرًا في هذه المعركة.
وختامًا، تجيب الصحيفة على السؤال الذي طرحته في بداية المقال، بكلمة نعم لقد فازت الصين، وقريبا سيكون من العبث أن نتساءل عن مدى تفوقها الاقتصادي والتكنوقراطي. وفي الوقت نفسه، تشرح الصحيفة أنها لم تفز بالمعنى الأكثر أهمية، أي كنموذج على غرار الدول الأخرى.
إذ أنه يمكن القول في هذا الصدد، أن ألمانيا لديها شيء مهم تستطيع أن تعلمه لجيرانها الأوروبيين، ولدى استراليا كذلك شيئا لتعلمه للولايات المتحدة الأمريكية. ولدى كوريا الجنوبية وتايوان شيئا لتعلمه للصين خاصة حول ما يتعلق بتطبيق القيم الآسيوية. وترى الصحيفة أنه سيكون أمرًا جيدًا للغاية إذا استطاعت هذه الكارثة العالمية أن تجبر الدول على التعلم من اخفاقاتها، ومن ضمنهم الولايات المتحدة نفسها وكذلك الصين.


بتاريخ : 02/05/2020