“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور 17- أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول : «الموت كتاب مؤجل»، هل من ماتوا في هيروشيما وناكازاكي، ماتوا لأن أجلهم انتهى؟!

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان.

 

تناول الدكتور محمد شحرور في كتابة “تجفيف منابع الإرهاب “،موضوع مقاصد الشريعة، وكيف جاء هذا المصطلح، وفي هذا الباب، يقول، إنه خلال القرون الطويلة لتطور الفقه الإسلامي ،وتعبيرا عن الأرضية المعرفية والاجتماعية والاقتصادية، وضع الفقهاء هذا المصطلح، يرسم خطأ لتطور التشريع الإسلامي التاريخي، وينم عن الثقافة التاريخية للأمة، وزعم الفقهاء وفق ماجاء على لسان الدكتور محمد شحرور، أن هذه المقاصد هي الحفاظ على خمس، تتمثل في الحفاظ على النفس(الحياة )والحفاظ على الدين والحفاظ على العقل والحفاظ على المال والحفاظ على النسب،ومنهم من أضاف إليها سادسة هي الحفاظ على العرض.
وفي مناقشته المقصود بمقاصد الشريعة، يتساءل المفكر العربي محمد شحرور، من أجل تحديد المسؤول المكلف عن هذا “الحفاظ “هل الفرد، أم الجماعة عن طريق الوجدان والضمير الإنساني، أم الدولة عن طريق السلطة؟ومن ثمة يطرح سؤالا آخر، هل مهمة السلطة الحفاظ على الدين، وعلى أي دين نريدها أن تحافظ؟،أليس جعل الحفاظ على دين بعينه من مهمات السلطة أمرا لا يتناسب مع حرية الأديان مصداقا لقوله تعالى “لا إكراه في الدين “.
هذه الأسئلة التي طرحها الدكتور محمد شحرور، من شأن الإجابة عنها أن توضح الصورة أكثر حول هذا الموضوع. ففي الحفاظ على النفس التي نعني بها الحياة يقول، إن الفقهاء علماء العقيدة أرسوا أن عمر الإنسان محتوم ورزقه مقسوم وعمله مرسوم، مكتوب عليه وهو في بطن أمه هل هو شقي أو سعيد، وأنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يزيدوا في عمر زيد دقيقة واحدة، أو ينقصوا من عمر أحمد دقيقة واحدة، ما استطاعوا.وطبقا لهذه الأطروحة يقول الدكتور شحرور ،ينتج لدينا أن جميع من قضى نحبه في هيروشيما وناكازاكي، من أطفال ونساء وشيوخ يزيد عددهم على مائتي ألف إنسان بسبب القصف الذري لهاتين المدينتين من الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، إنما ماتوا لأن أجلهم انتهى، وأن جميع من شوهه هذا القصف هناك، ممن يزيد عددهم على مئات الألوف، إنما كان مكتوبا عليهم منذ الولادة، و هذا يقول محمد شحرور، لايقبله عاقل من جانب، ولايتناسب مع ماجاء في التنزيل الحكيم من جانب آخر.
ويستشهد في هذا المجال، بقوله تعالى “وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا “،فهذه الآية الكريمة من القرآن يقول، كتاب علوم النبوة الذي يضم نواميس الكون وقوانين الوجود، وإنما سمى سبحانه وتعالى، الموت “كتابا مؤجلا “لأن كتاب الموت فيه الشروط الموضوعية التي يتأجل حدوث الموت حتى اكتمالها، وكما أن للموت كتابا، كذلك لكل شيء في الكون كتاب، ويشرح باستفاضة هذا الجانب ويقول، إن للمطر كتاب وللزلازل كتاب وللبراكين كتاب، و هذا معنى قوله تعالى “لكل أجل كتاب “وقوله تعالى “وكل شيء أحصيناه كتابا “أي أن الوقوع الحتمي لأي حدث طبيعي أو إنساني لابد أن يسبقه اكتمال الشروط الموضوعية التي يضمها الكتاب.
ويرى في مؤلفه أن غياب ثبات الأعمار، التي يزعم ثباتها الفقهاء يوضح لنا عدالة الحكم على القاتل بالقتل، ويبين لنا سبب المكانة الرفيعة التي أعطاها لله للذين دفعوا مابقي من عمرهم ثمنا لأداء شهادتهم إن كانت حقا وصدقا حتى لو كانت على عقد بيع ،إذ إنهم أخذوا لقب شهيد وهم أحياء لا بموتهم.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 14/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *