“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور -21-

أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول
قتل المرتد حالة إقصائية تماما للآخر

 

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان.

 

لدعم  وجهة  نظره فيما ذهب إليه وهو  يناقش  موضوع مقاصد الشريعة، يورد الدكتور محمد شحرور  مثالا على سياسة حرق المراحل في الانتقال من روسيا القيصرية ومستعمراتها، إلى السلطة السوفياتية، ويذكر  بإزاحة  القيصر في فبراير 1917، نتيجة اضطرابات بسبب الجوع وهزيمة الجيش الروسي أمام الألمان، حيث سادت الفوضى البلاد، بعدما انتقلت فجأة من سلطة ملكية إقطاعية تؤيدها الكنيسة إلى برلمان “دوما”،وكانت القوة الوحيدة المنظمة آنذاك،كما يعرف الجميع،  هي “الحزب البلشفي “الذي بلغ تعداده سبعين ألفا في ساحة تساوي سدس الكرة الأرضية. ونظرا إلى وجود هذه القوة، يقول الدكتور محمد شحرور، اغتصب البولشفيك السلطة وفرضوا ديكتاتورية أحادية دمرت المجتمع الروسي بالتمام والكمال، ومن الصحيح أن المجتمع الروسي الآن بعد انهيار السلطة الشيوعية مجتمع مختلف تماما عنه أثناء الحكم القيصري، لكنه دفع ثمنا غاليا جدا لهذا الانتقال، ففي مثل هذه الانتقالات مع حرق المراحل ، يرى الدكتور محمد شحرور، تستطيع أي قوة منظمة حتى لو كانت صغيرة الحجم أن تسيطر على السلطة، وتقيم ديكتاتورية قاسية جدا.
وبخصوص سياسة التدرج دون  حرق المراحل، يقول محمد شحرور، إنه في اليابان سنة 1868،دعي رجال من الإنجليز للإشراف على بناء السكك الحديدية وتمديد الأسلاك البرجية وتكوين الأسطول، ودعي مثلهم من الفرنسيين ليعيدوا صياغة القوانين ويدربوا الجيش، وكلف رجال من الألمان تنظيم شؤون العيش والصحة العامة، وجاءوا برجال من إيطاليا ليعلموا الناس النحت والتصوير، ودخلت اليابان نطاق الثورة الصناعية، لقد جاهد الإمبراطور إيتو في إعلان أول دستور عام 1889 حينما كان رأس السلطة التشريعية والحكومة، ومن ذلك يضيف الدكتور محمد شحرور، أنه رأى أن في الديمقراطية الغربية مفاسد، فأنشأ مجلس النواب والأشراف، وحصر عدد الناخبين بعدد قدره 460ألفا من سكان اليابان البالغ عددهم نحو 30مليونا، ثم توسع هذا العدد حتى بلغ 13 مليونا عام 1928.
وأورد محمد شحرور هذين النموذجين، لأننا كما يقول، رأينا نتائجهما في وقتنا الحاضر، والفرق الأساسي أن التجربة الروسية قتلت وطردت كل طبقة النبلاء والمثقفين، لأن من قادها لايملك أي مهنة إلا التدريب على استلام السلطة، ويسمى المحترف الثوري بعقلية أحادية، والنهضة اليابانية قادها وقام بها طبقة النبلاء التي سادت لمدة قرون ولديها قيم أخلاقية صارمة جعلت الناس تثق بهم، وهكذا نرى التجربة اليابانية إلى اليوم وإخفاق التجربة الروسية، التي عاشت 74 سنة.
ورأى أن عدة دول عربية سارت على درب التجربة الروسية، فدمرت شعوبها وتقدمت  لكن إلى الوراء.
هذه النماذج ساقها الدكتور محمد شحرور، لكي يشدد على أن مقاصد الشريعة، يجب أن تضمن حرية التعبير السلمي والصحافة ومؤسسات المجتمع المدني الطوعية على أساس أنها خير وسيلة توصل إليها الإنسان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويعود محمد في كتابة “تجفيف منابع الإرهاب “إلى قول البعض  بأن قتل المرتد  هو للحفاظ على الدين، حيث يرى ذلك بأنها حالة إقصائية تماما للآخر، ولاتوجد ملة في الأرض سماوية وغير سماوية تحكم بالموت على الخارج منها، إلا في الفقه الإسلامي الموروث، وسابقا  عند الحزب الشيوعي السوفياتي، ولا أعلم كما يقول المفكر محمد شحرور متسائلا، لماذا يقال عنها الشريعة الإسلامية السمحاء، سمحاء على ماذا،؟،كما يتساءل.
والمهزلة الكبرى، كما سماها، هو أن هؤلاء يرون الإنسان المولود من أب وأم مسلمين أو من أب مسلم، مسلما بالضرورة، أي أن الإنسان يدخل الإسلام بالولادة من أسرة مسلمة، والخروج من ذلك حكمه الإعدام، فهل هذا برهان على أن الشريعة سمحاء؟


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 19/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *