التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل 22- الكرامة الخارقة للعادة، الرأسمال الرمزي للحاج علي الدرقاوي الإلغي 2

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

أكد ابن خلدون في أكثر من مقام أن النسب أمر وهمي لا حقيقة له ، بمعنى أن فعاليته الوحيدة تكمن في تحريكه لعجلة التاريخ وتوليده للأحداث. وقد ظهرت فئات مجتمعية متطفلة تدعي انتماءها للأسرة النبوية عن طريق فاطمة الزهراء (ض) من أجل الحصول على امتياز من شأنه أن يقربهم من الدوائر المخزنية ويجعلهم محط اعتبار وتقدير من طرف المخزن. ولهاذا فقد أصبح من الضروري أن يكون لكل شيخ مشروعه الصوفي وبرنامجه الروحي الذي ينال بواسطته منحة الولاية والتي تجعل العامة والخاصة تقبل هذه الأخيرة دون منازعة لمضمونها أو جوهرها وذلك في حالة استحالة الانتساب إلى آل البيت النبوي. فالولاية كانت هي النقطة المحورية في مشروع الإلغي، إن أهميتها كما يحددها صاحب “السلوة” تكمن في كون: “التعريف بهم(الولاة) والوقوف على حقائقهم فيه فوائد كثيرة، وأن التأدب بآدابهم هو طريق إلتماس الفضل منهم”. (الكتاني أبي عبد لله محمد بن جعفر بن إدريس، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، تحقيق، عبد لله الكامل الكتاني وحمزة بن الطيب الكتاني ومحمد حمزة بن علي الكتاني، الطبعة الأولى،1425- 2004، دار الثقافة، الدار البيضاء، ص:7). وهي نفس الأهمية التي أشار إليها سابقا صاحب “التشوف” الذي ألح على زيارتهم ومجالستهم ، أما المختار السوسي وهو المدافع الأول عن ثبوت كرامات والده الشيخ فيبادر بالقول على أنه وقف على استبحار الوالد في كراماته، وأن ما وصلنا منها نزر قليل، وأنه لو تصدى لها شخص وجمعها لبلغت مئات المجلدات، مع التأكيد على أن والده لم يكن يبالي لهذه الكرامات. (للإطلاع على هذه الكرامات نحيل القارئ إلى كتاب، الترياق المداوي….م.س. حيث خصص في مؤلفه لهذا الغرض فصلا خاصا عنونه ب “كرامات الشيخ الباهرة “من ص: 149 إلى ص: 166).
إن تاريخ الشيخ بهذا المعنى هو تاريخ كرامات وخوارق العادة وهذا ما يستشف من قول السوسي: “فما من فقير كنت أحادثه حول الشيخ إلا وجدته يحكي فيما رأى منه الكرامات وكشف الشيء الكثير، وقد تتبعت تقييد ذلك عن بعضهم في كتابي “من افواه الرجال” فكنت أجمع عن كل واحد منهم كثيرا، وحين كان أصحاب الشيخ الذين يصاحبونه دائما أو في بعض الأحوال زهاء عشرين ألفا، وكان كل واحد منهم يعرف له ولو كرامة واحدة.. .تبلغ آلافا مؤلفة…”. (نفسه،ص149) بهذا تكون الكرامة قد موقعة الشيخ في القبيلة من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، وجعلته يراكم رأسماله الرمزي ويوظفه كلما دعت الضرورة إلى ذلك. وهو ما يدفعنا إلى القول بأن مراكمة الرأسمال الرمزي للشيخ لم يأت عبثا، وإنما يستمد مشروعيته من ثلاثة ركائز هي: شيخه المعدري الذي نجح في توطيد الدرقاوية في سوس، وأصول قبيلته الركراكية (العدناني الجيلالي، مرجع سابق)، وأخيرا من كراماته الخارقة للعادة. أما فيما يخص علاقته مع المخزن، فلا يجب أن نتكلم عنها إلا باستحضار صهره “محمد بن عبد لله” التجاني الذي وظف ما جناه من هذه العلاقة لصالح “علي الدرقاوي” بشكل يحفظ تقاسم السلطة بين الطرفين (العدناني الجيلالي، مرجع سابق)، ويكون ذلك لصالح قبيلتهم المرابطة. ومن باب تجاوز التكرار سوف نتحدث في هذه الفقرة عن النقطة الثالثة المتعلقة بالكرامة ودورها في بناء الولاية، يمكن القول أن اتصال الشيخ بالنسب الشريف تم بواسطة سنده الصوفي مع شيخه المعدري ومن خلال تعدد رؤيته للرسول (ص)، وليس من الضروري إثبات كرامات “علي الدرقاوي الإلغي”، (لا يجادل اثنان في كون نص الكرامة هو من يؤسس ذاته على أساس قاعدة المفارقة Paradoxe المبنية على أساس الخيال، لكن الإمعان القوي للكرامة وسرعة البديهة تشعرنا بأن النص يوافق السياق التاريخي الذي حدثت فيه، فخلال فترات المسغبة لبى الإلغي متطلبات حاجيات قرية إلغ دوكادير من الحبوب التي كانت تخزن بالزاوية حتى وقع الاكتفاء الذاتي فظنت القبيلة أنها كرامة، بهذا المعنى يمكن القول أن الكرامة تأتي خلال أزمة الجوع والفقر والأوبئة لـ ” تجسيد العلم الجماعي في إبراء العلل وتوفير الطعام ، وفي تحقيق القدرة الخارقة في تناوله”. زيدان يوسف، المتواليات: دراسات في التصوف، الدار المصرية اللبنانية، بيروت، 1998، ص:61.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 20/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *