عبد الحفيظ أمزيغ: الكفاءات دائما موجودة بالمغرب لكن الفاعلين المحليين كانوا يفضلون التوجه نحو أوروبا

هل سنعطي ثقة أكبر للشباب  المغربي اليوم؟

 كان للكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بفرنسا، في إطار سلسلة الندوات التي نظمتها منذ بداية شهر رمضان، لقاء افتراضي مع الخبير الاقتصادي  والكاتب الإقليمي السابق بفرنسا عبد الحفيظ أمزيغ، حول موضوع: «ما هي آثار كورونا على الاقتصاد العالمي والمغربي؟»، شارك فيه عدد من الفاعلين الحزبيين بكل من فرنسا، المغرب، إسبانيا وإيطاليا.

 

 

«ما نعرفه حتى اليوم، هو أن الوضع غدا لن يكون مثل السابق، لنبدأ من الولايات المتحدة الأمريكية، الصين والهند، فكبريات دول العالم تجد نفسها اليوم في وضعية اقتصادية جد صعبة، العالم اليوم جد منقسم: فهناك قسم يقول إن الوباء يجب التعايش معه ويجب إعطاء الأولوية للاقتصاد، وهي قائمة تضم دولا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل وألمانيا والهند بدرجة أقل، ولا أتحدث عن الصين لأننا لا نعرف ما يحدث بها بالضبط. وهناك دول أعطت الأولوية للجانب الصحي»، يقول عبد الحفيظ أمزيغ، الخبير الاقتصادي بفرنسا، خلال ندوة افتراضية عبر الفيديو نظمتها الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بفرنسا في ماي وقام بتقديمها وتنشيطها الكاتب الإقليمي لفرنسا شكيب بوعلو، حول آثار كورونا على الاقتصاد العالمي والمغربي، وهي تدخل في إطار سلسلة الندوات التي نظمتها الكتابة مند بداية شهر رمضان.
وأضاف الكاتب الإقليمي السابق للحزب بفرنسا، أن عالم ما بعد كورونا لن يشبه، بالتأكيد، ما قبله، وأوروبا تشعر اليوم أنها في وضعية عجز في ما يخص قدراتها على الإنتاج، لنأخذ كمثال الأدوية، فأوروبا تعتمد في استهلاكها وبنسبة 86 في المائة على الصين والهند، وكذلك إنتاج الأقنعة وغيرها ومجالات أخرى لا يسمح الوقت بالتوسع فيها، لهذا سوف تحدث بعض التعديلات في عالم ما بعد كورونا، منها إعادة بعض الصناعات إلى البلدان الأوروبية، كما أن هيمنة المال على الاقتصاد العالمي سوف تتراجع هي الأخرى، وسيعود الاهتمام أكثر بالاقتصاد الحقيقي.
والسؤال الكبير المطروح اليوم، يقول عبد الحفيظ أمزيغ، «هو هل ستتم إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ إذا تم ذلك، يعني أنه لن تحدث تغييرات كبيرة، وهناك تساؤلات حول مآل هذه الانتخابات، بعد أن تسببت جائحة كورونا في رفع عدد العاطلين بالولايات المتحدة الأمريكية إلى 30 مليون نسمة. وهو أمر سيء بالنسبة للرئيس الحالي خاصة إعادة انتخابه لولاية ثانية».
واستطرد أمزيغ قائلا: «لنعد إلى مجال الانعكاسات على قطاع آخر، وهو قطا ع السياحة، ففرنسا مثلا خصصت 15 مليار يورو لدعم هذا القطاع المتضرر، رغم أن هذا القطاع ليست له نفس الأهمية التي تشكلها السياحة بالنسبة للمغرب، وذلك للأضرار الكبيرة التي عرفها جراء هذه الجائحة التي ضربت العالم». وتساءل المدير السابق للبنك الانغو امريكي بباريس عن الانعكاسات الاجتماعية والسياسية لهذه الجائحة مؤكدا أننا «سنعرف للأسف في عالم ما بعد كورونا تراجعا في الحقوق الاجتماعية للعمال وفي حمايتهم. الهند مثلا سهلت عملية تسريح العمال أكثر ورفع عدد ساعات العمل، ونفس الأمر بالبرازيل. هذه الوضعية في حالة استمرارها سوف تقوي من اليمين المتطرف وتطوره. رأينا في التاريخ، أن الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 كانت وراء بروز الفاشية في إيطاليا والنازية بألمانيا والديكتاتورية بإسبانيا.
ونظرا للانعكاسات الاقتصادية للبلدان الصناعية بسبب وباء كورنا، فإن الاستثمارات الخارجية سوف تتراجع، وهذا التراجع سوف يمس ببلدان مثل المغرب. وهذه الدورة الاقتصادية سوف تخلق العديد من المشاكل لبلدان مثل المغرب. الذي يتميز في منطقة المغرب الكبير باعتباره البلد الأكثر انفتاحا على المستوى الاقتصادي، وله اقتصاد جد متنوع . ومن القطاعات التي سوف تتضرر أيضا، يضيف الخبير الاقتصادي، السياحة، التي توظف عددا كبيرا من العمال بالمغرب ومن القطاعات المرتبطة به، مثل النقل، الفنادق، الصناعة التقليدية، المطاعم والمقاهي.
هناك أيضا الاستثمارات الخارجية ، فشركة مثل «رونو» تخضع لضغوط كبيرة من طرف وزير المالية الفرنسي برونو لومير الذي يطالب بعودة المقاولات الفرنسية لصناعة السيارات إلى بلدها الأصلي، وعدم إقفال المعامل به من أجل الاستفادة من دعم الدولة، وهو نفس الضغط التي ستتعرض له « بوجو «، وشركة «رونو»، على سبيل المثال، فإن تلثي مصانعها لا توجد خارج فرنسا. والتساؤل الكبير بالنسبة للمغرب هو عودة المغاربة القاطنين بالخارج، والذي يوجد حوالي 3 ملايين منهم بأوروبا، والذين لهم تأثير كبير على الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات التي يقومون بها إلى بلدهم، وكذلك من خلال زياراتهم المتتالية للمغرب. فهل سيتمكنون هذه السنة من قضاء العطلة بالمغرب؟
هناك أيضا إشكالية النقل الجوي، فالخطوط الملكية المغربية اليوم هي في حالة إفلاس تقريبا مع التوقف التام للأنشطة. كما أن الصناعات المرتبطة بالطيران بالمغرب هي الأخرى متوقفة بسبب هذه الأزمة وتراجع الطلب على الطائرات.
وأضاف الخبير الاقتصادي إن التحدي المطروح اليوم في ظل هذه الجائحة هو ماذا سيفعل المغرب، وهل له القدرات على تجاوز هذه الأزمة التي أصابت مختلف القطاعات الحيوية لاقتصاده، وهل يمكن للأرقام التي تم الإعلان عنها أن تساعد على مواجهة هذا التحدي، سواء ما حصل عليه من صندوق النقد الدولي أو ما تم جمعه من خلال صندوق جائحة كورونا، هذا تساؤل كبير.
وعن القروض التي قدمت للقطاع السياحي، تساءل أمزيغ، «ماذا ستفعل الأبناك التي قدمت قروضا كبيرة للقطاع السياحي، كيف يمكن أن تحصل على ديون من قطاع توقف بشكل تام ونهائي تقريبا، ولا يمكنه أن يسترجع الديون، وهو ما يعني أن الأبناك سوف تتعرض لصعوبات هي الأخرى.
وهل ستستمر تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، والتي يمكن تحديدها في حوالي 10 ملايير دولار سنويا، خاصة أن التجار أو العمال المقيمين بالبلدان الأوروبية هم أيضا متضررون كذلك من جراء كورونا. لهذا ماذا سيفعل المغرب من أجل تغطية هذه الموارد التي كانت تتجاوز مداخيل السياحة التي تدر دخلا في حدود 6 ملايير سنويا؟».
واستنتج الخبير أن الوضعية جد صعبة بخصوص ما ينتظر الاقتصاد المغربي في المستقبل، ولكن إذا ما توقف هذا الوباء عن الانتشار في شهر يونيو أو شهر غشت المقبلين، فيمكن إنقاذ الوضعية وإلا فإن الوضع سيكون جد صعب.
وكيفما كانت الوضعية فعلى المغرب أن يعيد النظر في كل شيء، وقد رأينا مثلا أن الزراعة الموجهة نحو التصدير لم تتضرر من هذه الأزمة، واستمرت في ولوج الأسواق الخارجية.
وفي اعتقادي أن اللجنة التي تشرف على النموذج الجديد للتنمية، والتي يشرف عليها الوزير السابق شكيب بنموسى يجب أن تعيد النظر في كل شيء وتأخذ بعين الاعتبار التحولات التي فرضتها جائحة كورونا.
وعن الصناعات المحلية التي برزت خلال الأزمة قال أمزيغ إن «ما أثار انتباهي هي تصريحات وزير التجارة والصناعة أمام البرلمان المغربي، والذي تحدث عن المؤهلات الكثيرة بالنسبة للمغرب في عدد من المجالات، والتي برزت خلال هذه الأزمة الصحية لوباء كورونا. وكيف تمكنت الصناعات المحلية من الإبداع في عدد من المجالات خاصة الصحية. هذه الكفاءات كانت دائما موجودة بالمغرب لكن كان الفاعلون المحليون يفضلون التوجه إلى أوروبا. هل سنعطي ثقة أكبر للشباب المغربي اليوم؟ هل ستقوم الأبناك بتمويل استثماراتهم ومشاريعهم ؟
هل سيعتمد المغرب على مغاربة الخارج في المرحلة المقبلة ما بعد كورنا من أجل تطوير اقتصاده، مثلما فعلت الصين وبلدان أخرى في الماضي، وسبق أن تحدثت عن هذه التجربة في مقال سابق، حول اعتماد هذه البلدان على استثمارات مواطنيها وكفاءاتها بالخارج، والذين لعبوا دورا كبيرا بالنسبة للصين، كما أن الصين لإنجاح ذلك، اعترفت بالجنسية المزدوجة لمواطنيها وضمنت حقهم في إعادة الاستثمارات إلى البلدان التي يقيمون بها ، وهي ضمانات لخلق الثقة».
وفي نهاية هذا اللقاء مع الخبير الاقتصادي على المستوى الدولي عبد الحفيظ أمزيغ، تم فتح النقاش مع المشاركين من فرنسا، المغرب، إسبانيا وإيطاليا. وكانت كل تساؤلاتهم حول وضعية الاقتصاد المغربي والتحديات التي تنتظره بعد جائحة كورونا.


الكاتب : باريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 29/05/2020