الفقراء والمضطرون… وضرورة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي

 

عن أبي ذر الغفاري – رضي لله عنه – عن النبي – صلى لله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…)
وقال صلى لله عليه وسلم (…واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين لله حجاب)، متفق عليه…وقال:» دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه».
عندما تجد الفقر ومختلف أشكال الخصاص والبطالة المقنعة والعطالة و التشرد وعدم رقي مستوى التنمية الى درجة التفاعل الايجابي المنصف مع المتطلبات الني يتحقق معها إدماج فعلي يقوم على الكرامة وتكافؤ الفرص والتكافل المحقق لتماسك اجتماعي وعدالة اجتماعية..
وعندما تظهر اللامساواة التي تتسبب في اتساع الفوارق الطبقية والتباين المهول في مستويات الدخل والعيش مع تكريس ثقافة الخصاص والفقر وكأنها ضرورة سياسية او دينية لابديل عنها …فاعلم ان في الأمر إشكالات عدة تهم السياسات العمومية كما تهم طبيعة ودور القطاعات التي تضم من يطلق عليهم الشغيلة سواء كانت يدا عاملة أو إدارية أو تربوي او تقنية … واعلم ان للامر صلة كما يقول الخبراء بالتوزيع العادل للثروات وعائداتها على الشعب في مجالات تهم العيش الكريم وسوق الشغل والصحة والتعليم والخدمات والبنيات التحتية والاستثمارات ومعدل النمو… فحيث نجد أضعافا مضاعفة للعاملين من غير العاملين من خريجي الجامعات ومؤسسات التكوين والتأهيل ومن غير المتمين لدراساتهم او الذين لم يتمكنوا من التمدرس أو غير القادرين على العمل ليس كسلا أو بإرادة منهم بل لعدم توفر فرص الشغل والتشغيل الكافية لاستيعاب وإدماج أعاد مهمة منهم ..و لتقليص البطالة والفقر والتسول بكل أنواعه مع إقرار منظومة مؤسساتية للتكافل ودعم الدولة موجه للبطالة والعطالة غير المقدور على حلها..
ان الإسلام يحذر من أسباب الفقر ومن تعمد تفقير الناس أو الاستغلال الممنهج أو بالاحتكار او بالتهميش واللامبالاة …الخ ولقد ورد في الأثر «كاد الفقر ان يكون كفرا»….
ان الإسلام يحذر من أسباب الفقر ومن تعمد تفقير الناس أو الاستغلال الممنهج أو بالاحتكار أو بالتهميش واللامبالاة …الخ ولقد ورد في الأثر «كاد الفقر ان يكون كفرا»….
ان الفقر المدقع والثراء فاحش، كما ان الخصاص الكبير والتبذير المفرط فيه تسبب ويتسبب في مشاكل ذات أبعاد أخلاقية ودينية وإنسانية تكون خلف العديد من الصدامات والصراعات والحركات المطلبية والاحتجاجية في كل زمان ومكان…
فالخصاص في العلاج فقر.. وعدم توفر فرص الشغل فقر.. والامية وعدم استيعاب المؤسسات التعليمية لكل أبناء الوطن أو عدم توفر القدرة على إتمام مراحل التعليم أولي أو الإعدادية أو الثانوية وحتى العالية فقر.. وعدم التوفر على السكن اللائق فقر ..الخ
وهنا نجد البعض من الساسة ومن المحسوبين على الحقل الديني يتعمدون ان يفهموا الناس بان الفقر لابد منه بل هو ضرورة اجتماعية ودينية لتجنب الحديث عن أسبابه وطرق علاجه المستدامة و القيام باعتماد وتطوير السياسات التي وضع الإسلام قواعدها العامة – كما نجحت العديد من الدول المتقدمة – للرقي بشعوبنا على كل المستويات وللحد من الفقر وآثاره السلبية وإقرار تعامل حضاري إنساني راق مع الرعاية الاجتماعية والدعم المالي للفقراء.
ان من الأسباب الرئيسية للفقر والخصاص اعتماد سياسات غير منضبطة مع المعايير الموضوعية للعدالة الاقتصادية والاجتماعية أو ضعف في حكامة التدبير الأمثل للخيرات الوطنية والثروات الخاصة والموارد البشرية..
ان القاعدة الأصولية الضرورات تبيح المحظورات.. تقدم أجوبة متعددة ترخص بموجبها وضعا وشرعا العديد من الأفعال والإجراءات التي تدخل في حكم الممنوع والمحرم ..والتي تعطل إقرارا للمصالح الآنية والمستقبلية المرجحة أمام تشريع يفترض فيه ان يتغير باستمرار ليتلاءم مع تطور الوعي الاجتماعي والسياسي وليستجيب لفلسفة حقوق الإنسان والحريات العامة التي أصبحت معيارا أساسيا لاستقرار المجتمعات…
ويقصد بالاضطرار: الحاجة الشديدة والتي من بين أمثلتها.. الترخيص بأكل الميتة عند المجاعة ..وإزالة الغصة بشرب الخمر لمن لم يجد ماء ..والتصريح بالكفر خوفا من التعذيب أو القتل وهذه القاعدة قال فيها العلماء (الضرر يزال).. ويمكن القول ان العديد من الأساليب الحديثة من وقفات وحركات احتجاجية لإثارة انتباه كل من يعنيهم الأمر الى وجود مشاكل وصلت حدا لاطاقة للناس به فينبهون الى ما نبه إليه الشرع والعقل من ضرورة الإصلاح والعدل والتجاوب مع آمال الناس ومطالبهم بإيجاد الحلول الممكنة التي تحقق وتضمن الاستقرار بكل تجلياته..
ان طاقة التحمل والصبر عند الإنسان لها حدود لا يمكن تغافلها ..كما ان مستويات ردود الأفعال تختلف من شخص إلى أخر ..ففي الأثر عندنا ان «الفقر كاد ان يكون كفرا» و«لو كان الفقر رجلا لقتلته» فكيف بنا أمام مادون الدين والإيمان ..فالناس سابقا يتخلون أو يبيعون أو يقتلون أولادهم خشية إملاق..
قَالَ الرسول الكريم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
وقال تعالى «…لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ…» سورة البقرة
ونسرد هنا من القصص الواقعية لعمر بن الخطاب انه… قدم بعض التجَّار الى المدينة وخيَّموا عند مشارفها، وقد أراد الخليفة أن يقوم بجولةٍ تفتيشيةٍ في المدينة ومحيطها كعادته، فاصطحب معه عبد الرحمن بن عوف ليتفقد أمر القافلة، وكان قد مضى من الليل جزءٌ كبير منه، واتخذ عمر وصاحبه موقعا على مقرُبةٍ منها، وقال عمر لعبد الرحمن: فلنمض بقية الليل هنا نحرس ضيوفنا فسمعا بكاء مستمرا لصبي، فاقترب منه ليسمع أمَّه تهدئه فقال لها..
اتق لله وأحسني إلى صبيِّك «أي أرضعيه..إلا ان الصبي عاود البكاء.. فاتجه إليها ثانية وقال لها قُلت لك اتق لله وأحسني إلى صبيِّك .. وثالثة قال لها إني لأراك أم سوء لأنها لم ترضعه. قالت وهي لا تعرف من هو: «يا عبد لله قد أضجرتني، إني أحمله على الفِطام فيأبى ” فسألها ولماذا تحملينه عليه؟.. قالت: «لأن عمر لا يفرض العطاء إلا للفطيم».
..قال وكم له من العمر..قالت: «بضعة أشهر» ..قال: ويحك لا تعجليه.
يقول عبد الرحمن بن عوف، أمسك عمر رأسه بيديه وأغمض عينيه وقال: ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين… ثم أمر منادياً لينادى: «لا تعجلوا على صبيانكم بالفطام، فإنا نفرض من بيت المال لكلِّ مولودٍ يولد في الإسلام» من دون فطام…
وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز: «ليس لأحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلى فيه ولا طالبه مني».
وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: «أما بعد: فكن في العدل والإحسان كمن كان قبلك في الجور والظلم والعدوان».
ونختم بحديث للنبى صلى لله عليه وسلم وهو من جوامع الكلم ومفتاح لعلم السياسة قال: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم،ومن لم يصبح ويمسى ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم).


الكاتب : بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي

  

بتاريخ : 23/06/2017