شكرا على الثقة، السي عبد الرحمان! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لماذا‭ ‬الانتظار‭ ‬سنتين؟

انتظار‭ ‬انتخابات‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها،‭ ‬والحكم‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الدولة‭ ‬إزاء‭ ‬أغلبيتها‭ ‬التي‭ ‬شكلها‭ ‬إدريس‭ ‬جطو‭ ‬بموافقة‭ ‬كل‭ ‬الفرقاء‭ ‬السياسيين‭…‬
لن‭ ‬أفصل‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الثورة‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬صامتا‭ ‬فيها‭..‬
حصل‭ ‬أن‭ ‬تمت‭ ‬الانتخابات‭ ‬ووقع‭ ‬الذي‭ ‬وقع‮.‬‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭.‬
ليلة‭ ‬23‭ ‬شتنبر‭ ‬تم‭ ‬تشكيل‭ ‬مكاتب‭ ‬المجالس،‭ ‬ومنها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬مجلس‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬الموحدة،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬امتحانين‭ ‬اثنين‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭:‬
الأول‭ ‬هو‭ ‬الامتحان‭ ‬الذي‭ ‬أعلنه‭ ‬في‭ ‬بروكسيل،‭ ‬الخاص‭ ‬بسلوك‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬تلت‭ ‬انتخابات‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬المنهجية‭ ‬الديموقراطية‭.‬
‭ ‬وثاني‭ ‬امتحان،‭ ‬يتعلق‭ ‬بسلوك‭ ‬الحكومة‭ ‬والأغلبية‭ ‬السياسية،‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬سيتم‭ ‬التعامل‭ ‬به‭.‬
وتبين‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬اجتثت‭ ‬من‭ ‬امتداداتها‭ ‬الميدانية‭ ‬وصارت‭ ‬أغلبية‭ ‬معلقة،‭ ‬وكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬مدونات‭ ‬السياسة‭ ‬وصفحات‭ ‬الإعلام،‭ ‬ووثائق‭ ‬الأحزاب‭ ‬وذاكرات‭ ‬الناس‭.‬
اتصل‭ ‬بي‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬بنزر‭ ‬دوما،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سكرتير‭ ‬التحرير‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عاهد‭ ‬سعيد‭.‬
استمعت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬الافتتاحية‮..‬

‭ ‬واستغربنا،‭ ‬لأن‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬نحاتا‭ ‬حقيقيا‭ ‬للغة‭ ‬والمصطلحات‭ ‬والعبارات‭ ‬التي‮..‬‭ ‬لن‭ ‬أدرج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬الممنون،‭ ‬ما‭ ‬أحتفظ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قصاصات‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬صف‭ ‬الاتحاد‭:‬
كانت‭ ‬الافتتاحية،‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الهاتف‭ ‬الثابت،‭ ‬بعنوان‭ “‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬محك‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭”‬‮»‬‭.‬
كان‭ ‬تعليقه‭: ‬‮»‬هائل‮«‬‭.‬

ولسبب‭ ‬غامض‭ ‬حدست‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الديناميت:لماذا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬مجلس‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬محكا‭ ‬للحكومة؟
وقد‭ ‬كانت‭ ‬وقتها‭ ‬مجتمعة‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬سياسي،‭ ‬وأمامها‭ ‬مجلس‭ ‬حكومي‭ ‬برئاسة‭ ‬إدريس‭ ‬جطو‭ ‬لقراءة‭ ‬النتائج‮..‬؟
لو‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬لكان‭ ‬الذين‭ ‬بكوه،‭ ‬سخروا‭ ‬من‭ ‬افتتاحية‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬أمام‭ ‬سؤال‭ ‬تكوين‭ ‬مجلس‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬ولربما‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬بأننا‭ ‬ضيعنا‭ ‬شرف‭ ‬النضال‭ ‬لأننا‭ ‬تركنا‭ ‬الملكية‭ ‬البرلمانية‭ ‬جانبا‭ ‬ولم‭ ‬نتحدث‭ ‬سوى‭ ‬عن‭ ‬مجلس‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭. ‬
‭ ‬على‭ ‬كل،‭ ‬أنهينا‭ ‬العمل،‭ ‬وأخبرنا،‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬قليل،‭ ‬بأن‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬الجريدة،‭ ‬وطلب‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬أشر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬الافتتاحية‭ ‬بدون‭ ‬تغيير‭ ‬فيها‭.‬
وهي‭ ‬افتتاحية‭ ‬تم‭ ‬تلخيص‭ ‬محتواها‭ ‬في‭ ‬عبارة‭ ‬واحدة‮!‬

تلك‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬التناوب‭ ‬الجدي‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬‮«‬انزلقت‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬‮…‬من‭ ‬بعد‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬آثار‭.‬
يصعب‭ ‬الآن‭ ‬ذكر‭ ‬تفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬وما‭ ‬توقعناه،‭ ‬وتفاعلات‭ ‬متتالية،‭ ‬انتهت‭ ‬بالرسالة‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬فيها‭ ‬استقالته‭.‬
تلك‭ ‬تفاصيل‭ ‬حكى‭ ‬بعضها‮-‬‭ ‬شكلا‭ ‬‮-‬‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القادة،‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬تصنع‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬الفترة‭ ‬والذين‭ ‬سمعوا‭ ‬روايتها‭ ‬وعنعنتها‭.‬
انتهى‭ ‬فصل‭ ‬المنهجية‭ ‬‮-‬المحاضرة‮-‬‭ ‬الافتتاحية‮-‬‭ ‬باستقالة‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬بنزر‭ ‬وعاهد‭ ‬سعيد‭ ‬وعبد‭ ‬ربه‭ ‬حاضرين‭ ‬لوصولها‭ ‬عبر‭ ‬فاكس‭ ‬الجريدة،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬نشرها‭.‬
طلب‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬المسؤولون‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تصلهم‭ ‬رسالة‭ ‬منه‭.‬
بدأنا‭ ‬في‭ ‬التخمينات،‭ ‬خاصة‭ ‬والزمن‭ ‬وقتها‭ ‬هو‭ ‬27‭ ‬أكتوبر‭ ‬2003‭ ‬

ذهب‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان،‭ ‬الذي‭ ‬أدار‭ ‬ملف‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬منذ‭ ‬بدايته،‭ ‬ومن‭ ‬أجله‭ ‬غادر‭ ‬المغرب‭ ‬للإدلاء‭ ‬بالشهادة‭ ‬في‭ ‬حقه،‭ ‬ومتابعة‭ ‬القضية‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬المنفى،‭ ‬سيكشف‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬مثيرة‭ ‬بمناسبة‭ ‬ذكرى‭ ‬رحيل‭ ‬الشهيد‭ ‬ومنا‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‮..‬
كان‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬سعيد‭ ‬عاهد‭ ‬رهان‭ ‬لم‭ ‬‮«‬يذبح‭ ‬خروفه‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اليوم‮.‬

وصلت‭ ‬الاستقالة‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬الجريدة،‮..‬‭ ‬وإلى‭ ‬يد‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬الراضي‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬عمره،‮…‬‭ ‬وكان‭ ‬الذي‭ ‬كان،‭ ‬وترك‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬التفسير‭ ‬لمن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقدموا‭ ‬التفسير‮..‬‭ ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬مرارته‭ ‬كانت‭ ‬عالية‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭” ‬أنا‭ ‬رجل‭ ‬نضال‭ ‬سياسي،‭ ‬ماذا‭ ‬سأفعل‭ ‬الآن،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬سوى‭ ‬النضال‭ ‬السياسي؟‮..‬
هو‭ ‬ذا‭ ‬أحد‭ ‬أسراره‭.‬

أشعر‭ ‬بالفعل‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬محط‭ ‬ثقة،‭ ‬لم‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬اسمها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬قادني‭ ‬إليها‭ ‬الالتزام‭ ‬المهني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي،‭ ‬ربما‮.‬
ولهذا‭ ‬كنت‭ ‬أجلس‭ ‬قربه‭ ‬كلما‭ ‬حانت‭ ‬الفرصة،‭ ‬وأشعر‭ ‬بفخر‭ ‬خاص‭ ‬وهو‭ ‬يناديني‭ ‬‮«‬السي‭ ‬الأستاذ‮»..‬‭ ‬أكتب‭ ‬عنه،‭ ‬بقلب‭ ‬ملايين‭ ‬الناس،‭ ‬لهذا‭ ‬تأتي‭ ‬لغتي‭ ‬دوما‭ ‬حزينة‭ ‬الآن.ورغم‭ ‬أن‭ ‬ذكراه‭ ‬ماسية،‭ ‬شفافة،‭ ‬كأن‭ ‬خيطا‭ ‬رفيعا‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬يشوبها‭ ‬دوما‮..‬‭ ‬ولعلي‭ ‬سأكون‭ ‬أكثر‭ ‬جرحا،‭ ‬وأقول‭ ‬‮:‬لعل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬والسياسيين،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬فعلا‭ ‬عميان‮!‬‭ ‬

‮(‬غدا:عندما‭ ‬رحل،‭ ‬كان‭ ‬ممتلئا‭
‬بما‭ ‬لا‭ ‬يرحل،‭ ‬الوطن،‭ ‬ونحن‮!)..‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/06/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *