في ندوة لمؤسسة محمد عابد الجابري حول «سيناريوهات مابعد كورونا» : عبد الله حمودي: الرأسمالية الجديدة اليوم تعيش أزمة حقيقية، لكنها تُموقِعُنا نحن في أزمة أكبر

نظمت مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، وفي إطار فعاليات الذكرى العاشرة لرحيل المفكر المغربي والعربي محمد عابد الجابري، ندوة على صفحتها بالفايسبوك حول «سيناريوهات ما بعد كورونا..وطنيا، عربيا، دوليا»، وهي الندوة التي استضافت المفكر والأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي معن بشور، وسيرتها الكاتبة والباحثة خديجة الصبار كما أغنتها نقاشات وتدخلات العديد من المفكرين والمثقفين العرب بكل من لبنان، مصر، فلسطين، كندا، أمريكا، تونس، ليبيا، الجزائر، الأردن والبحرين.

 

قارب المفكر المغربي وعالم الأنتربولوجيا عبد الله حمودي، في استشرافه لمرحلة ما بعد كورونا وطنيا وعربيا ودوليا، موضوع الندوة من زاوية السؤال لإيمانه بأهمية التساؤل الذي بدونه لا تتحقق أية جدوى.
وانطلق الأستاذ بجامعة برينستون الأمريكية في تساؤلاته حول المرحلة القادمة ، من ضرورة التمييز عند الحديث عن «المابعد» بين معنيين يحتملهما المفهوم. فـ»المابعد» قد ينطوي على معنى:
1 – الخروج من الحجر وهو موضوع مهم ويطرح تساؤلات كثيرة، اعتبارا لأن الخروج من الأزمات يربك المجتمعات البشرية والدول والمجموعات التي تسطر السياسات العامة، ولذا فهو خروج لا يخلو من مآزق وانزلاقات، والمابعد بهذا المعنى له أيضا علاقة بمعناه الثاني.
2 – يحتمل مفهوم «المابعد» هنا تعدد السيناريوهات ومنها : هل ستنتهي الأزمة وتفرز أوضاعا جديدة ومتجددة مع نوع من القطيعة مع ما سبق؟ كيف نفكر في التشكلات الجديدة للأشياء؟. وهذا المعنى يرى الأنتربولوجي حمودي هو ما يجب التوقف عنده، والبحث عن أجوبة له تستحضر السياقات وتجترح الأجوبة لأفق واضح المعالم.
واقترح عبد الله حمودي للحديث عن مشكل «المابعد»، أربع مقاربات:
يجب النظر إلى هذا «المابعد» بكونه مفهوما، مع التمكن من تحليله لأنه عويص ومرتبط بالزمن أي مرحلة ما قبل ومابعد، إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا التصنيف، مركزا على أن «المابعد» يتضمن بداخله مفهوم القطيعة والفاصل، ما يعني أن أزمة كورونا يمكن أن يتمخض عنها فاصل كما حصل في التاريخ العربي الإسلامي بين عصر الازدهار وعصر الانحطاط، مضيفا أن القطيعة لا يستشعرها الناس عند مواكبتهم للحدث، لكنها تُعاش بعد الأحداث، لذا يؤكد حمودي على أنه عند الحديث عن «المابعد» كمفهوم ، يجب التمييز بين خطاب الناس وإحساسهم بما سيأتي من بعد.
إن الحديث عن «المابعد» ينظر إليه حمودي بعين التشكيك، وبكونه مجرد تحليلات استشرافية فقط، مطالبا بالحذر والتحري عند تناول موضوع المابعد، بالنظر إلى إمكانية استمرار الأزمة، بل وظهور أمراض أخرى وأزمات أعمق مما نتصور ليست كورونا إلا بداية لسلسلتها. وهنا يتساءل مؤلف « الرهان الثقافي ووهم القطيعة» عن شكل هذا المابعد، وهل ستتمخض عنه العودة إلى ما كان سائدا أو التغيير إلى الأحسن، أو في أسوأ الأحوال إنتاج رؤية مضببة للمستقبل؟
مفهوم المابعد يحمل في طياته مفهوم السوابق وخاصة في حالة «الوباء الكبير» مع ابن خلدون أو في أوربا، وهنا يؤكد حمودي على كيفية استعمالنا وقراءتنا لهذه السوابق، محيلا على ظهور المفهوم وتداوله في «العصر» الخلدوني (تصدع الأرزاق، المدينة، تصدع الحرف، تفكك العصبيات)، وهو ما ينطبق اليوم على وضعنا خلال أزمة كورونا من (تصدع الاقتصاديات الكبرى، تفكك التكتلات الإقليمية، محاولات إيجاد العلاج). وبالنظر إلى هذا التشابه، يرى مؤلف» الشيخ والمريد: النسق الثقافي في المجتمعات العربية الحديثة» أن أي تحليل للمفكرين اليوم، لابد أن يبحث عن التمايزات والفروق في ما حدث سابقا وما سيأتي.
وفي حديثه عن هذه التمايزات، ساق أمثلة للوضع بعد تصدع العصبيات والدول وتفكك أنواع العصبيات مع ابن خلدون، فما وقع في المغرب الكبير والمشرق ومنطقة البحر متشابه ، نفس الخراب وقع ونفس الأثر لكن منطقة البحر الأبيض المتوسط خرجت من الأزمة وقادت نهضة كبرى. واعترف حمودي أن الخروج من الأزمة كان أسلم بالنسبة للأوربيين وكان أفدح لنا، معللا هذا الانعكاس غير المتوازي بكون أوربا رسخت منذ عقود لمؤسسات قوية في الحكم والإدارة والعلوم، التي وإن أضعفها الوباء مؤقتا، فإنها اليوم – بفضل هذه الإنجازات – استطاعت الانتعاش بعد الأزمة، بخلاف مؤسساتنا التي قضى عليها الوباء أو أضعفها بشكل كبير.
أدى الوباء إلى إحداث قطيعة من نوع آخر في الشمال عكس القطيعة التي أحدثها في الجنوب، وهذا راجع في جانب كبير منه إلى المؤشرات الاقتصادية والمجتمعية، لكن المؤشرات الجديدة تتجه إلى إحداث قطيعة تهم الأساس النظري والعملي، في الآن نفسه، لمجموعة من المفاهيم التي أطرت الحياة الإنسانية، والتي أصبحت اليوم في حاجة إلى مراجعة كمفهوم العمل والقيمة، وأيضا وهو الأهم، مفهوم الحياة الذي أظهرت كورونا أنه بدونه لا حاجة لرأسمال ولا لقيمة أو عمل. فالأساس النظري اليوم لهذه المفاهيم، حسب عبد الله حمودي، تأزم جذريا. فالحياة كوظيفة اليوم في أزمة، ويقابلها جانب راديكالي هو الموت ، ليس بمفهومه الفيزيقي بل بمفهومه الشامل، أي موت المؤسسات والأخلاق والطبيعة.
هذا الموت الشامل حدث لأننا نرى الحياة في حيزها الضيق المرتبط بالإنسان، وننسى أنها مفهوم جامع تدخل فيه جميع الحيوات الأخرى (الأرض، المياه، الهواء، الحيوانات).هذه الحيوات أصبحت، كما يقول حمودي، مهددة بغض النظر عن القوميات والديانات والأوطان.
إن الحياة بهذا المعنى تظهر اليوم كقيمة أسمى، تتجاوز كل القيم المادية الاقتصادية كالعمل والسوق والتجارة والتبادل رغم أنه يصعب تحديدها ويجب أخذها كوسيلة لتنسيب القيم الأخرى التي تعودنا عليها.
لهذه الأسباب ولتجنب الأسوأ في مرحلة «المابعد»، يدعو عبد الله حمودي إلى إصلاح جذري لكل المؤسسات التي تأسست نظريا وعمليا على مفاهيم العمل والقيمة والتبادل والسوق.
يرى مؤلف» حكاية حج» أن التفكير في أزمة كورونا لا يجب أن يتم من منطلق كونها أزمة تهدد الحياة، بل بكونها أزمة تؤشر على ما هو أكبر منها، وهو علاقتنا بالأصل: بالأرض وبالبيئة التي أدى تطور العقل البشري وتسلطه فيها إلى تخريبها بالاستثمار الجارف فيها من أجل مراكمة الأرباح، وتغلغل التقنيات وتطوير الصناعات والتي زاد من وتيرتها مشكل العولمة.
وخلص عبد الله حمودي في تدخله إلى أن الرأسمالية الجديدة والسلطوية اليوم تعيش أزمة حقيقية، لكنها تُمَوقِعُنا نحن في أزمة أكبر لأننا نؤدي ثمن التقدم العلمي والتقني ، وثمن العولمة الرأسمالية الجديدة، متسائلا عن المخارج الممكنة من هذه الأزمة بعد أن جربنا الرأسمالية والنيوليبرالية والسلطوية والقوميات، ونظريات «الإسلام هو الحل» دون أن يحدث أي تغيير، والذي يجزم بأنه لن يحدث دون ضمان استمرار الحياة في إطار نظام اقتصادي عالمي جديد.
وإن كان المفكر حمودي اختار مقاربة موضوع «المابعد» في إطاره العالمي أو من ثنائية الشمال والجنوب، فإن المفكر ورئيس المركز العربي الدولي للتواصل، والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، معن بشور، ركز في تدخله على المآلات داخل الوطن العربي في ما بعد الأزمة، بالرغم من اعتقاده الراسخ بأن ما سيحدث غدا ليس مرهونا بالضرورة بالتطورات المرتبطة بالوباء، ولكن ب»الجهد النضالي للأمم من أجل تحويل هذه التطورات لصالحها».
وأضاف معن بشور أن ما بعد كورونا، سواء وطنيا أو عربيا أو دوليا، مرهون إلى حد كبير بما تفعله البشرية في مواجهة المرحلة القادمة، أي أن كورونا ستفعل بالكيانات البشرية القائمة، من أنظمة ودول ومفاهيم، ما فعلته تماما بالبشر، فتجهز على الضعيف منها وتفشل أمام الأنظمة المستعدة للصمود والتي ستواجه وستستفيد من سلبياتها في المستقبل.
يرى معن بشور أن ما سيحصل بعد الأزمة سينعكس على قضايا بلداننا العربية، وخصوصا على مستوى ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وصراعنا مع التخلف والاستبداد.
وخلص بشور إلى أننا أمام جائحة تهدد الوجود البشري وتوحد مشاعر أبناء الحياة، لكنها جائحة يمكن استثمار نتائجها لصالح المواطن العربي التي أضعفت الجائحة اليوم الأنظمة التي تسلطت وحالت دون التكامل العربي والوحدة وتنفيذ معاهدات الدفاع المشترك، مضيفا أنه بانكشاف ضعف هذه الأنظمة العالمية بركيزتها الأمريكية، تبرز اليوم إمكانية التشبيك بين الدول والمنظمات العربية للتكيف مع التطور الجاري في العالم والتوجه نحو القوى الصاعدة حتى لا نجد أنفسنا غدا خارج المشهد العالمي الجديد.

 

 


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 11/06/2020

أخبار مرتبطة

    في سياق الاحتفالات بذكرى ميلاد صاحب السمو الملكي، ولي العهد الأمير مولاي الحسن، ينظم نادي الزوارق بأكَادير النسخة

اختتمت، أول أمس الأربعاء بمركب محمد السادس لكرة القدم بسلا، أشغال الوحدة الثالثة للدورة التكوينية لنيل دبلوم “كاف برو” (CAF-Pro)،

  انعقد يوم الثلاثاء 30 أبريل 2024 بدار الثقافة لقاء ثان مخصص لتقديم كتابين وهما: «شذرات من مشاهد…» للمخرج المغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *