الكاتب النيجيري وولي سوينكا يكتب عن جورج فلويد

لا تنتظر من نظام اعتاد قمعك، أن يعترف بك كنظير له

 

في مقال للموقع الإلكتروني «وكات سيرا»، نشر الكاتب النيجيري وولي سوينكا، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب،تحليله ونظرته لأحداث مقتل الأمريكي، من أصل أفريقي جورج فلويد، على يد شرطي أبيض بولاية فلوريدا الأمريكية، مشاركا نظرته حول هذه الحادثة، و سبل الخروج من موجة الاحتجاجات التي لحقتها، ونظرته لمستقبل المنحدرين من أصل إفريقي حول العالم.

يقول سوينكا الحائز على جائزة نوبل للأدب: «إن الحل بسيط من وجهة نظري. بسيط للغاية. إن المنحدرين من أصل إفريقي، مدانون إن صح التعبير بالتمسك بالتميز، والخوض في السلطتين الاقتصادية والسياسية، أينما رحلوا وارتحلوا. لا ينبغي عليهم توقع أي نوع من الخلاص أو الشفقة، تحديدا من نظام دأب منذ القرن الخامس عشر، على نهب ثروات إفريقيا واستبعاد أو التقليل من شأن المنحدرين من إفريقيا.
من هنا، يمكننا أن نطرح السؤال التالي:»لماذا نريد أن يتقبل هذا النظام خسارته؟».
حديثي في هذا السياق ليس موجها إلى الشعوب التي تختار النظام، التي لا تبحث إلا عن السلام و الأخوة، بل يشمل الدول والمجموعات ذات المصالح التي تديرها، إذ أن هذه الأنظمة تضطهد شعوبها.
بالعودة إلى التاريخ، فإن ما يقرب من 63 رئيسا إفريقيا تم اغتيالهم، منذ الاستقلال في سنوات الستينات، وذلك بسبب قناعتهم الشديدة بأن نهب و استغلال المنحدرين من أصل إفريقي، يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة.
لا تحتوي إفريقيا تقريبا، على مصانع محلية للأسلحة، ومع ذلك فإن الفوضى التي رسخت هناك، والتي تهدف إلى توليد الصراعات بين الأشقاء و الشعوب و الممالك و الدول، لتأجيج سوق التجارة والنهب عبر الأطلسي، ما زالت قائمة إلى غاية اليوم. يضاف إلى ما سبق، حروب سخيفة للأديان الإمبريالية القادمة من الخارج، من أراضي لصوصنا السابقين، حيث لا مكان للسلام فيها.
إن كل من ينحدر من أصل أفريقي، ليس سوى أخ أو أخت لك بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ ليس هنالك ناج من سرقة النفوس و الثروات، من الشعوب و العائلات، المتمركزة بالساحل الغربي أو الشرقي.
واليوم، فإنني أجد تراثي الثقافي، موزعا جزئيا ما بين «السنغال»، إلى «كوبا» و «هايتي» و «البرازيل»، في كل زاوية من الأمريكيتين ومنطقة الكاريبي، إلا أنني أحس بكوني ضمن عائلتي، بالمعنى الحرفي. يجب علينا أن نعزز التفوق و الثقافة و روح المبادرة، علاوة على القوة السياسية و الوحدة و التضامن، و الدفاع عن مصالحنا في كل مكان، بما في ذلك وخاصة في إفريقيا، في «الأرض الأم» التي ترحب بكل شخص، و بكل الأشخاص المحترمين، وبكل المنحدرين من أصل إفريقي بها، فلا مكان على وجه الأرض، ارتحلنا إليه من أجل أنفسنا أو متعتنا.
يجب وضع جميع المهارات في خدمة المجتمع، وفي خدمة أطفال «ادونا» أو «دنيا»، الاسم الحقيقي لإفريقيا باللغة العربية «أفريقيا». بدلا من اختراع رقصة غبية كل عام، وإجبار أنفسنا على الإلتزام بأدوار المرفهين عن العامة، أو المرور كشخصيات غريبة، و الانغماس في متعة حفلات نهاية الأسبوع التقليدية. علينا أن نتذكر بأن المجتمعات الإفريقية، منظمة جدا وذلك لأن لدينا أقدم حضارة في العالم. نحن لا نسعى لأن ننسخ عادات اللباس الأجنبية، لكي نطالب بأحقية الاعتراف بأصولنا الإفريقية، لأننا نملك ثقافة عميقة و غنية و أكثر شيوعا، من هذا الفلكلور الأشبه بالأعمال التجارية العرقية.
يعيش الفرد الإفريقي، منذ القديم و إلى غاية اليوم، على تنظيم حياته انطلاقا من لقب وعائلة والدته أو أمه (الحاكمة)، شرفه وعشيرته و مملكته قبل الاستعمار، وفي حال المساس بأي من هذه القيم، سوف يحاربكم و يقاتلكم دون كلل. إلا ان هذا الشرف، قد تم كسره من قبل المعاهدات العابرة للصحراء و المحيط الأطلسي، وليس بسبب الاستعمار قصير الأمد. لا يسعنا بناء أمة أو مملكة أو امبراطورية، فقط من خلال العمل و التصميم و التضامن والمثابرة، و السعي المطلق إلى الحرية والإيمان و النضال، خدمة لقضية تعلو على حياتنا.
لا تزال لحدود اليوم، بعض الممالك الإفريقية من القرون الوسطى و حقبة ما قبل الاستعمار، حاضرة إلى اليوم، غير أن الأفارقة لم ينسوا أبدا، إخوتهم و أخواتهم المسلوبين من عائلتنا الكبيرة.
تخيل للحظة أن غريبا أو جارا دخل منزلك وفعل ما فعل، هل ستكون قادرا حينها أو بعدها، على نسيان والديك أو أخيك و أختك و حتى أبنائك؟.
لم يستمر الاستعمار لأكثر من قرن من الزمان بإفريقيا، ما بين 1860 إلى حدود 1960، إلا أن المعاهدة الأطلسية قد أفرغت قارتنا لمدة تقرب من 5 قرون، في الوقت الذي قاربت فيه المعاهدة العابرة للصحراء 11 قرنا، وفي حين أن الحضارة المصرية عرفت قبل آلاف سنة من نظيرتها الرومانية، لم تتمكن من أن تطفئ وهج بعض الممالك الإفريقية، المعروفة تاريخيا حتى قبل ميلاد المسيح. إلا أن هذه الأرض، تكاد لا تخلو ولو من شبر واحد، لم يسيطر فيه على شعبها، أو تم استعباده قسرا أو فرض العبودية عليه.
علينا أن نثري أنفسنا فكريا و ماليا، وأن نمكن أطفالنا من التعليم في إطار منازل، توفر لهم الاستقرار والنمو و المحبة، كما يجب علينا أن نؤسس لشركات تصنع و نشتري منها احتياجاتنا، تجنبا لتشجيع التجارة العرقية المربحة، التي تفرغها من معانيها الحقيقية و جودتها، كما علينا أن نتشارك تاريخنا و ثقافتنا، والقوة التي سمحت لنا بالاستمرار على قيد الحياة لعدة قرون، بيد أن العارف بتاريخه و الصائغ لمصيره، لا يمكن أن يخضع لإنسان.
في الأخير، يقول الكاتب النيجيري «وولي سوينكا»، الحائز على نوبل في الأدب:»لا يلزم للنمر أن يظهر على غير طبيعته، فهو يقتل فريسته و يلتهمها فقط»، وعليه:»لا تنتظر من نظام اعتاد أن يقف في وجهك، وله مصلحة في قمعك، أن يتحول للوقوف الى جانبك وأن يعترف بك كنظير له، بل عليك الكفاح من أجل السيطرة عليه».


الكاتب : ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 17/06/2020