محمد بنعبد القادر :  الجائحة أظهرت الحاجة الماسة إلى ثورة رقمية بمنظومة العدالة 

 وإدخال الرقمنة والتقاضي عن بعد أفرج عن 1370 معتقلا  سنعلن الخميس عن تفاصيل المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة

قال محمد بنعبد القادر، وزير العدل، إنه حفاظا على سلامة المعتقلين و رجال الأمن والعاملين بقطاع العدل و موظفي الإدارة العامة للسجون، من الإصابة بفيروس كورونا، ظهرت الحاجة إلى تنظيم المحاكمة عن بعد.

وأكد وزير العدل، خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب، الاثنين 15 يونيو، أن “الهاجس الأول الذي اشتغلنا عليه، هو إيجاد الصيغة المناسبة ولملائمة لضمان المحاكمة العادلة للمعتقلين، حيث تم التنسيق خلال هذه العملية مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية وإدارة السجون والمحامين لتنزيل عقلية المحاكمة عن بعد باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير وفق مبدأ التشاركية والتشاور مع مختلف المتدخلين والفاعلين في منظومة العدالة”.
وكشف بنعبد القادر، أن النتائج التي تم تحقيقها طيلة مدة 7 أسابيع، ينبغي أن نعتز بها ونشيد بالمجهودات التي تم بذلها، حيث عقدت 2174 جلسة محاكمة عن بعد، وأدرجت 33 ألفا و 492 جلسة، فيما استفاد 37 ألفا و 332 معتقلا من عملية المحاكمة عن بعد و تم الإفراج عن 1370 معتقلا.
وذكر الوزير، أنه لنجاح المحاكمة عن بعد، تم إنشاء 190 حسابا إلكترونيا لهذه العملية وتثبيت البرامج اللازمة والأدوات والوسائل اللوجستيكية ضمانا للمحاكمة العادلة لكافة المعتقلين والمعتقلات.
وخلص إلى أنه تم عقد لقاءات اللجنة الثلاثية على مستوى محاكم الاستئناف بالمملكة مكونة من الرؤساء الأولين لهذه المحاكم والوكلاء العامين ونقباء هيئة المحامين للنظر في عملية المحاكمات عن بعد وبرمجة جلساتها.
وأضاف وزير العدل، أنه بعد أشهر من العمل المتواصل، سيعقد يوم الخميس المقبل اجتماع للجنة المشتركة المكونة من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، للإعلان رسميا عن تفاصيل المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة، وهو مخطط ينطلق مما تم تحقيقه من منجزات في هذا المجال، ويضع خارطة طريق واضحة المعالم بمرجعيات تستند إلى التوجيهات الملكية السامية والمبادئ الدستورية والالتزامات الحكومية وتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة والمقتضيات التشريعية لإصلاح الإدارة.
وأضاف بنعبد القادر أن الوضعية التي عرفها قطاع العدل ببلادنا بسبب هذه الجائحة أظهرت الحاجة الماسة إلى ثورة رقمية بمنظومة العدالة وإدخال الرقمنة والاستفادة مما توفره التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، كما جاء في الرسالة الملكية السامية التي بعث بها جلالة الملك إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش خلال شهر أكتوبر من سنة 2019.
وأشار الوزير إلى أن هذا المخطط، يضع أهدافا استراتيجية تتوخى الرقي بمنظومة العدالة، وتوفر للمواطن عدالة مبسطة وميسرة وفعالة ومتواصلة ومرفقا قضائيا يعزز احترام الحقوق الأساسية للمرتفقين، ومحكمة ذكية تستغل التكنولوجيا الحديثة للرفع من جودة أداءها، ويعتمد تنزيله على إنجاز مشاريع محددة ودقيقة في مجالات محكمة.
ولإنجاح تنزيل هذا المخطط، ذكر بنعبد القادر، أنه تم اعتماد مجموعة من الآليات والدعائم الأساسية تتصدرها الدعامة التشريعية، التي ترمي إلى التقعيد القانوني لاستعمال الوسائل التكنولوجية داخل منظومة العدالة، وأضاف “حيث إننا بعد تدقيق تفاصيل هذا المخطط سنقوم بعرضه على كافة المتدخلين في منظومة العدالة بمن فيهم مساعدي القضاء للتشاور والتنسيق معهم وتجويد مقتضياته بملاحظاتهم و اقتراحاتهم”.
واستعرض الوزير أمام النواب البرلمانيين، عددا من الإجراءات والتدابير الرامية إلى حماية القضاة و موظفي هيئة كتابة الضبط ومساعدي القضاء والمتقاضين والمرتفقين، ابتدأت بتعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم المملكة بعد قرار السلطات العمومية منع أي تجمع بشري يتجاوز 50 شخصا، وتم التنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة من أجل تعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم المملكة، حيث صدر بلاغ مشترك يوم 16 مارس 2020 تم الإعلان من خلاله عن تعليق انعقاد الجلسات بالمحاكم ابتداء من 17 مارس 2020 إلى إشعار آخر، باستثناء الجلسات المتعلقة بالبت في قضايا المعتقلين والجلسات المتعلقة بالبت في القضايا الاستعجالية وقضاء التحقيق.
وهمت هذه الإجراءات، حسب بنعبد القادر، تعزيز الخدمات الرقمية، والتبادل اللامادي للمساطر، وفي هذا السياق أصدرت الوزارة بلاغا بتاريخ 14 مارس 2020 حثت فيه عموم المواطنين والمرتفقين والمتقاضين على الاستفادة من الخدمات الرقمية التي توفرها البوابة الإلكترونية mahakim.ma ، وذلك دون الحاجة إلى التنقل إلى المحاكم.
وهمت الإحصائيات والمؤشرات المرتبطة بهذا الجانب، والخاصة بالفترة من بداية حالة الطوارئ الصحية أي من 20 مارس 2020 إلى غاية يوم الجمعة 12 يونيو 2020، عدد الطلبات المتعلقة بالحصول على السجل التجاري التي بلغت 51.741طلبا تمت معالجتها بالكامل. وعدد الطلبات المتعلقة بالحصول على السجل العدلي : 15.644 طلبا تمت معالجتها، وعدد طلبات المتعلقة بإيداع القوائم التركيبية الخاصة بالشركات التجارية بلغ 2827 طلبا تمت معالجتها بالكامل، وعمليات البحث في موقع mahakim.ma الذي يقدم خدمات بشأن مآل القضايا والملفات القضائية بلغت 1.546.213 عملية بحث.
وبلغ عدد زوار الموقع للاطلاع على الخدمات الرقمية التي توفرها الوزارة : 346.643 زائرا، فيما بلغ عدد المحامين الذين أنشأوا حسابات في منصة المحامي للتبادل الإلكتروني مع المحاكم : 514 محاميا، وعدد المقالات التي تم إيداعها عبر هذه المنصة الإلكترونية : 1170 مقالا.
وأوضح الوزير، أن التدابير المتعلقة بالوقاية وتنظيم العمل، همت استعمال الكمامات الواقية داخل فضاءات العمل، وأعلنت شروعها في توزيع هذه الكمامات على مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، حيث قامت الوزارة بتوفير ما مجموعه 275.000 كمامة واقية، وإجراء أزيد من 5000 تدخل لتعقيم فضاءات ومرافق بنايات المحاكم، وتوفير 15.000 قنينة للسائل المعقم، بالإضافة إلى اقتناء وتوزيع كمية كبيرة من مواد التنظيف والتطهير وآليات التعقيم والمضخات والرشاشات.
وعملت وزارة العدل، على تأجيل جميع مباريات التوظيف وانخراطها في مبادرة العفو الملكي على عدد من نزلاء المؤسسات السجنية، وبهذا الخصوص، عقدت لجنة العفو اجتماعاتها بمقر وزارة العدل من أجل تفعيل وتنزيل المبادرة الملكية السامية بالعفو عن عدد من السجناء، حيث أصدرت الوزارة بلاغا بهذا الخصوص يوم 4 أبريل2020، أعلنت فيه أن جلالة الملك محمد السادس، أصدر أمره السامي المطاع بالعفو على 5654 معتقلا، وقد تم تنفيذ الأمر المولوي في إبانه بفضل تظافر جهود كل الفاعلين والمتدخلين في العملية.
وكإجراء سادس، اعتماد المحاكمة عن بعد من خلال تقنية المناظرة المرئية
خلال فترة الطوارئ الصحية، نظرا لأهمية استمرار محاكمة الأشخاص الموجودين في حالة اعتقال ، مع ضمان سلامتهم الصحية وسلامة أفراد القوات العمومية المكلفين بنقلهم وحراستهم، وأيضا سلامة القضاة وموظفي إدارة السجون، والموظفين العاملين بالمحاكم المُحْتَكين بهم.
وذكر بنعبد القادر في جوابه، أنه بعد تسجيل عدد من الإصابات بفيروس كورونا لدى نزلاء وموظفي عدد من المؤسسات السجنية، وتزايد المخاطر بشأن نقل عدوى هذا الفيروس إلى المحاكم، ظهرت الحاجة الماسة إلى اعتماد المحاكمة عن بعد لمحاكمة هؤلاء المعتقلين، وذلك من خلال اللجوء إلى تقنية المناظرة المرئية (visioconférence)، دون حاجة إلى نقلهم إلى المحاكم، لاسيما بعد قرار المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بإغلاق السجون وعدم السماح بإخراج السجناء ونقلهم إلى المحاكم.
وأضاف “كان لزاما علينا إيجاد الصيغة المناسبة لضمان حق أساسي آخر منصوص عليه في الدستور، ألا و هو حق المواطن في المحاكمة العادلة وداخل آجال معقولة طبقا للفصل 120 من الدستور، وتلك معادلة تطلبت منا الكثير من التنسيق والتشاور والاجتهاد.”
ولمواجهة هذه الوضعية تم التنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية و رئاسة النيابة العامة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب والمندوبية العامة لإدارة السجون لاعتماد تقنية المحاكمة عن بعد .
وأشار الوزير، إلى أن اعتماد هذه التقنية كان قرارا مشتركا لوزارة العدل والسلطة القضائية ممثلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وأن الوزارة في إطار الاختصاصات الموكولة إليها قانونا بادرت إلى توفير الإمكانيات اللوجستيكية والتقنية والبشرية والقيام بدور التنسيق مع كل المتدخلين وتوفير الظروف المناسبة لها ، حيث إنه بعد مشاورات مكثفة مع كل هؤلاء، تم إعطاء الانطلاقة الرسمية لهذه العملية بجميع محاكم المملكة يوم 27 أبريل 2020 ، بإشراف شخصي من وزير العدل والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة.
وقد قامت الوزارة بهذا الخصوص بإنشاء 190 حسابا إلكترونيا وزعتها على المحاكم والمؤسسات السجنية، وتم التنسيق مع المسؤولين القضائيين والمديريات الجهوية لإدارة السجون، لتجهيز المحاكم وقاعات مهيأة على مستوى المؤسسات السجنية بحواسيب معدة لهذه العملية وتم تثبيت البرامج اللازمة، و ذلك في ظرف أربعة أيام فقط. وقد انعقدت بجميع محاكم الاستئناف بالمملكة اللجان الثلاثية المكونة من الرؤساء الأولين لهذه المحاكم والوكلاء العامين للملك لديها ونقباء هيئات المحامين، و تم الاتفاق على اعتماد هذه التقنية اعتبارا لنجاعتها و أهميتها في الظروف الراهنة.
وكشف بنعبد القادر، أنه بعد مرور 07 أسابيع على انطلاق العمل بهذه التقنية، يحق لنا أن نفتخر بالنتائج التي تم تحقيقها و التي تعكسها الأرقام والإحصائيات المسجلة من 27 أبريل 2020 إلى غاية يوم الجمعة الماضي 12 يونيو 2020 ، حيث بلغ عدد الجلسات عن بعد التي عقدتها محاكم المملكة 2174، ومجموع القضايا التي تم إدراجها خلال هذه الجلسات: 33.492، ومجموع الأحكام القضائية التي صدرت خلال هذه الجلسات: 13.311، وعدد المعتقلين المستفيدين : 37.332.
بالإضافة إلى عدد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم بعد محاكمتهم بهذه التقنية : 1370 معتقلا إما بسبب تمتيعهم بالسراح المؤقت أوالتصريح ببراءتهم أو تخفيض العقوبة الحبسية الصادرة في حقهم أو تأييدها أو تحويل العقوبة الحبسية النافذة إلى موقوفة التنفيذ، أوسقوط الدعوى العمومية.
وخلص إلى أن كل ذلك في جو يضمن العلنية والحضورية والتمتع بكل ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمواثيق الدولية، وبِرِضَى وموافقة المتهم ودفاعه ، وتضمين هذه الموافقة بمحضر الجلسة، كما ان الفضاء المخصص لهذه العملية داخل السجن، تم تجهيزه بما يضمن تواصل المتهم مع هيئة المحكمة بحرية ودون أي ضغط او إكراه.
ومن جهة أخرى ذكر وزير العدل، بإصدار دليل عملي يتعلق بالتدبير الإداري للمحاكم يتضمن إرشادات وتوجيهات لتدبير المرحلة المقبلة، ويستهدف الرفع من جاهزية مرفق العدالة وتوعية العاملين بالإجراءات المتعلقة بالاستئناف التدريجي للعمل بالمحاكم، وبالتوجيهات لتدبير المرحلة المقبلة من حيث التعقيم والتطهير والتنظيف والمراقبة ، وتوفير كل وسائل الوقاية لفائدة العاملين بالمحاكم ، وتنظيم ولوج المتقاضين والمرتفقين إليها.
وقامت الوزارة، باقتناء 300 كاميرا رقمية حرارية متطورة تعمل على مراقبة الولوج وقياس درجة حرارة الوافدين على المحاكم ، وأزيد من 200 جهاز قياس حرارة عادي ، “ونحن الآن بصدد اقتناء كمية جديدة من الكمامات الواقية وعددها 200.000 ، وقمنا أيضا بتجهيز جميع محاكم المملكة بعلامات التشوير والإرشاد، تدعيم المكاتب الأمامية ، وتعزيز الخدمات الإدارية والقضائية التي تقدمها ، وتوفير شروط التباعد داخل قاعات الجلسات و فضاءات الاستقبال والانتظار، وسنستمر في ملاءمة تدخلاتنا حسب ما تقتضيه الحاجة وتطور الوضعية الوبائية”، يقول بنعبد القادر.


الكاتب : مكتب الرباط: محمد الطالبي

  

بتاريخ : 17/06/2020