كيف تصبح كاتبًا؟ خوان خوسي مياس: كلما كان العمل غريبا كان أكثر أصالة – 3-

يكتب خوان ميّاس (1945) ميّاس الرواية والقصة القصيرة والمقال والريبورتاج الصحفي، وتُرجمت أعماله لأكثر من 23 لغة، من بينها العربية، ومؤخراً كتب المسرح والسيناريو السينمائي. له باللغة العربية رواية «العالم» «هكذا كانت الوحدة» «لاورا وخوليو» ومجموعة «هي تتخيل وهلاوس أخري» وقريباً سيصدر له «ما أعرفه عن القرين».
فاز ميّاس بعدد من الجوائز الإسبانية الهامة، من بينها جائزة بلانيتا وسيسامو وجائزة الدولة في الرواية، وفاز في الصحافة بجائزة ميجيل دليبيس وماريانو دي كابيا وفرنثيسكو ثرثيدو وجائزة الصحافة الثقافية مانويل باثكيث مونتالبان.
داخل بيت ميّاس، وفي غرفة مكتبته، سألته كيف يقوم بكتابة كل ذلك؟ فأجابني بأن الصحافة أيضاً كتابة، لكنها شكل آخر منها. وواصلنا الحوار.

– بالنسبة للأدب الفانتازي، هناك صورة ما أنه الأدب المنفلت عن الواقع.. ما رأيك؟ وهل ترى أن مجموعتك القصصية «هي تتخيل وهلاوس أخرى» عمل فانتازي؟
–  أعتقد أن كثيراً من أعمالي تضم الفانتازي مع اليومي في انصهار تام، وأعتقد أن كتاب أمريكا اللاتينية حلوا هذا المعضلة بطريقة الواقعية السحرية. في رأيي، بين الأدب والفانتازيا علاقة وثيقة، وأن هذا الحاجز بين الواقع والخيال حاجز وهمي. أنظر للكوميديا الإلهية مثلاً، وهي عمل فانتازي.

– عودة للواقع، في أي منطقة تحب أن تقف من الواقع، داخله أم خارجه؟
– الحقيقة أنني ملتصق بالواقع بسبب العمل الصحفي، وهذا يجعلني مربوطا به، لكن ما أكتبه هو الواقع الأكثر فانتازية، وأعتقد أن الواقع أحياناً أكثر فانتازية من الخيال.

– هل أكون محقاً إن قلت إن العالم الذي تتحرك فيه عالم خاص وشخصي ويبدو أنه جزء من حياتك؟
– أعتقد أن كل عمل يحتوي علي جزء ذاتي، ما يحدث أننا نحوّله، نمنحه صبغة سردية. فعندما يسألونني إن كان عملي يحتوي علي سيرة، أقول لا، لكن الحقيقة أنه لابد أن يضم شيئاً مني، من سيرتي.
– في روايتك الأخيرة «ما أعرفه عن القرين» يبدو العالم غريباً ومسلياً حد الرعب، أريد أن أعرف ما أهم ما سمعته عنها؟
– أكثر ما سمعته وأدهشني أنها «رواية غريبة»، وأنا سئلت ألا يدهشني أن يكتب أحد رواية عادية؟ وكانت إجابتي أن الرواية يجب أن تكون غريبة. ثم كيف تكون الرواية عادية؟ غرابة العمل جزء من هدفه. وكلما كانت غريبة كانت أكثر أصالة. عندما تبدأ في الكتابة تبحث عن صوتك الخاص، وتحقيق ذلك صعب جداً.

– عندما فاز مويان بنوبل قال إنه يكتب عن حياته وحياة المحيطين به.. وميّاس، عمّن يكتب؟
– الكتابة عن حياتنا وحياة المحيطين، بالنسبة لي، تحدث بطريقة غير واعية، فعندما نكتب في الحقيقة نكتب عن أنفسنا والمحيطين بنا، وما من طريقة أخري للكتابة. أعتقد أنه ليس هناك حاجز بيني وبين الآخرين. لا أعرف، هل تسأل عن أشخاص حقيقيين وآخرين غير حقيقيين؟

– نعم، أسأل إن كانت شخصياتك موجودة بالفعل في الحياة أم تبتكرها من العدم؟
– أظن أننا نحمل بداخلنا أشخاصاً حقيقيين وغير حقيقيين في الوقت نفسه. لا أفهم ما معني شخص من لحم ودم، كلنا نحمل هذا الجزء الغريب والخيالي ولا أرى أي حدود بين الواقع والخيال. الأحلام واقع أم خيال؟ إنها واقع لكنه الواقع الخفي. وما هو غير حقيقي يشغل مكاناً أكثر من الحقيقي. أين الإله؟ مع ذلك يحرك العالم. ما نسميه واقعاً كان قبل ذلك مجرد طيف في رأس أحد. الأول تأتي الفكرة ثم تتحقق، الإنسان يعيش بطريقة لا يمكن فيها فصل الواقع عن الخيال. في ثقافتنا عندنا بابا في روما يعتقد أنه يمثل الرب في الأرض، وبهذه الفكرة غير الحقيقية يحرك العالم. هذا مستحيل ومع ذلك واقع.

– في أعمالك يتضح تماماً هذا اللبس بين الواقعي والخيالي، في وسط بحر من التفاصيل اليومية البسيطة، وربما هذا ما يدفعني لسؤالك عن مدرستك الأدبية الذي تظن أنك تنتمي إليها؟.
– لا أعرف في الحقيقة، كل ما أعرفه أنني اكتب تصوري للعالم وأقدمه بالشكل التي اختاره لنفسي، ما عدا ذلك عمل الأكاديميين والنقاد، هم يهتمون بذلك وأنا لا أهتم به. حسناً، هم يريدون تسهيل الأمور بالتصنيف، لكن ما أفهمه أنني لا أريد أن أكون داخل تصنيف أدبي.
– لكن البعض يصنفك ضمن الواقعية السحرية؟
– حسناً، الواقعية السحرية عالم كبير وملتبس ونسبي. عندما تذهب إلى كولومبيا ستجد أن واقعية ماركيز السحرية محض واقعية صرف، فهناك مثلاً الصراصير الصفراء. أعتقد أن من يهتم بذلك سيسهل عليه وضع التعريفات والتصنيفات.

– بعيداً عن التصنيفات، أكثر ما يلفت الانتباه في أعمالك القضايا الصغيرة وتجنب القضايا الكبيرة. متي قررت ذلك؟
– لست متأكدا من أنه قرار، ما يحدث هو أنني انتبهت أن المعنى ليس في المركز بل في الهامش، ليس في القضية بل في فروعها، في الأشياء الصغيرة. إنها عملية البحث عن المعني من وجهة نظر أخرى وبعيدة، وأنت تختار من أين تحكي حكايتك. أحب مقارنة ذلك بالسينما، فالمخرج يقرر عندما يصل للبلاتوه من أي زاوية سيصنع فيلمه، فمكان حكاية الحكاية لها مغزى أخلاقي. أعتقد أن الكاميرا تجد المعنى في الهامش والصغير وليس في المركز. من هنا أهتم بالمحيط القريب، بالعائلة. أعتقد أن الكاتب ينطلق من صراعه مع الواقع، وما يحاوله هو فض هذا الاشتباك. ليس هناك أدب بلا صراع، وهذا نفس الصراع الذي نحمله دائماً.


الكاتب : أجرى الحوار: أحمد عبد اللطيف

  

بتاريخ : 23/06/2020