مع برهان غليون الذي يبقى خارج المعمعة يظل دائما على صواب !

“عطب الذات… وقائع ثورة لم تكتمل” كتاب يواجه فيه الدكتور “برهان غليون” بجرأة الواقع الذي وصلت إليه الثورة السورية و دون خوف أو خطوط حمراء عما تعيشه الثورة في الوقت الحالي.
“برهان غليون” من أبرز الشخصيات الوطنية السورية المعارضة من مواليد مدينة حمص 1945، وعمل أستاذا لمادة علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، ثم رئيسا لمركز دراسات الشرق المعاصر في ذات الجامعة، ثم عمل رئيساً للمجلس الوطني السوري.
حوار أجرته “بوابة سوريا” مع الدكتور “برهان غليون” للحديث عن كتابه وتطلعاته للحل في سوريا جاء فيه:

 

-تعرضت لاتهامات كثيرة، ومتعارضة أحيانا؟
– اتهمني البعض في ما بعد بأنني كنت ضد التدخل، واتهمني البعض الآخر بأنني كنت مع التدخل. واستخدم البعض من داخل المجلس الوطني وخارجه التهم المتناقضة ليقولوا لقد فشل المجلس ونسبوا هذا الفشل للرئاسة، وأضافوا إليها القيادة الديكتاتورية أحياناً وغياب القرار أحياناً أخرى، أي عكسها، ثم قالوا إنني سايرت الأخوان المسلمين قبل ان يصبح بعضهم أدوات في أيديهم.
الحقيقة أن التعبئة القوية للنظام ضد المجلس ورئيسه، بهدف إسقاط رموز المعارضة المدنية، بالإضافة إلى الحملة الشرسة التي نظمتها بعض الأوساط الإسلامية عبر قنوات «وصال» وغيرها، ولم توفر اي اتهام ديني، وروح التنافس السلبي الذي خيم على قيادات المجلس وتنازع المواقف داخل المعارضة بأكملها، كل ذلك عمل على بث الإحباط وضرب ثقة الرأي العام، وهو ما سعت أطراف عديدة داخل المجلس، وحتى في المكتب التنفيذي، إلى تضخيمه واستغلاله في معركة الصراع على منصب رئاسة وهمي ليس فيه غير تحمل المسؤولية و التعب والعناء. وقد حولت إلى كبش فداء وأرادت جميع الاطراف، في المعارضة أن تبرر عجزها وتهرب من مواجهة مسؤولياتها برمي المسؤولية علي شخصياً. عندئذ وجدت أن من مصلحة الثورة أن أقدم استقالتي، لوضع الجميع أمام حقيقتهم ومسؤولياتهم، ولفرض عملية إعادة هيكلة المجلس وتجديد قياداته حتى يستعيد دورة كممثل للثورة وجامع للمعارضة. وهو ما لم يتحقق إلا جزئياً ومن دون نتائج تذكر.
الآن، لنقيم موضوعياً ما حصل، من دون التفكير بالأشخاص. ما الذي تحقق خلال الفترة التي رأست فيها المجلس، للثورة والمعارضة، وماذا تحقق بعدها. لم تنجح جميع المبادرات السابقة للمجلس، خلال ستة أشهر من عمر الثورة، في خلق هيئة تجمع أطراف المعارضة وتعبر عن وحدتها، وهو ما كان المطلب السياسي الرئيسي للثوار والشعب. لكن المجلس نجح في لم شمل أطراف مهمة منها وكان يمكنه لولا تردد هيئة التنسيق وشكوك بعض قادتها أن يجمعها كلها، واستمر في الوجود. وهو الذي رسم الخط الوطني المستقل للمجلس، ورفض أي وصاية أو تدخلات خارجية في قراره، بعكس ما أشيع في مابعد ترديداً لدعاية النظام الذي أطلق عليه اسم مجلس استنبول. وهو الذي بنى شبكة العلاقات الرئيسية للثورة مع الدبلوماسية الدولية وأعطى عنها صورة ايجابية سمحت لنا بتحقيق المكاسب الدبلوماسية الوحيدة التي حصلنا عليها إلى اليوم، سواء في عقد جلسات مجلس الأمن واستصدار قرارات لصالح الشعب السوري وثورته، ولا ينتقص من قيمتها معارضة موسكو، المستمرة إلى اليوم على كل حال. ونجحنا أكثر من ذلك، في خلق تجمع «أصدقاء سورية» الذي يضم أكثر من مئة وخمسين دولة الآن، والذي نستند إليه حتى اليوم في تأمين الدعم السياسي والمالي للثورة والبلاد، وبفضل هذا التجمع حصلنا على أهم قرار يؤكد حقنا في الانتقال نحو دولة ديمقراطية صوتت عليه مئة وأربعين دولة في الجمعية العامة. وهو القرار الوحيد الذي يمكن أن نبني على تفعيله من أجل تأمين حماية للمدنيين وإلزام المجتمع الدولي بالتدخل الانساني لوقف حرب الإبادة الجارية.
وقد تم التصويت على هذا القرار في 3 غشت 2012 كما ذكرت، حسب البند السادس الذي يعني الإلزام، لكن من دون استخدام القوة، والذي يمكن أن يبنى عليه من أجل القيام بتدخل إنساني لحماية المدنيين حسب القرار 377 «الاتحاد من أجل السلام» الذي طبق في كوريا عام 1950، والذي ينص على أنه : «في حال فشل مجلس الامن بسبب فقدان اجماع الاعضاء الدائمين في ممارسة مسؤوليته الرئيسية بالحفاظ على السلم والامن العالميين في كل حالة يظهر فيها تهديد للسلم او خرق له او عمل عدائي، فأن الجمعية العامة تنظر في الموضوع فورا بقصد اتخاذ التوصيات المناسبة وذلك من اجل صون السلم والامن الدوليين او اعادتها الى نصابها، واذا لم تكن الجمعية العامة في دورة انعقاد في غضون ذلك، تنعقد جلسة طارئة خلال 24 ساعة من طلب انعقادها لهده الغاية».
منذ ذلك الوقت، لا أعتقد حقيقة أننا أنجزنا شيئاً على المستوى السياسي والدبلوماسي، لا قراراً دولياً ولا مكاسب تذكر. فرطنا بالمجلس الوطني الذي بنيناه بأنفسنا وخربناه بانفسنا أيضاً لسوء الحظ، فاتهم بالعجز عن القرار وبالتصلب، وتم تجاوزه من خلال تشكيل الدول الصديقة للإئتلاف بديلاً سياسياً عنه. كل ما حققته الثورة منذ ذلك الوقت جاء بفضل شبابنا المقاتل على الأرض. وعادت المعارضة لتشكل مصدر تشويش للثورة بدل أن تكون القاطرة التي تجرها.
أما لماذا كانت صورة السياسيين أفضل قبل الثورة فهذا طبيعي. السيف الذي تستعمله لا يبدو ناصعاً كالسيف الذي لا يخرج من غمده. من يعمل ويبادر يخلق بالضرورة مؤيدين ومعارضين، ولا يبق على موقف الإجماع الذي كان يمثله. ومن يعمل ويبادر يخطيء بالتاكيد هنا وهناك، ويدفع الثمن، أما من يبقى خارج المعمعة فيظل دائما على صواب.


الكاتب : حاوره: أنس الخطيب

  

بتاريخ : 23/06/2020