دعم الكتاب وسؤال الشفافية الحل يكمن في الانتقاء لا الاقتناء

لا تزال تفاعلات موضوع الدعم الاستثنائي الذي أعلنت عنه وزارة الثقافة والشباب والرياضة (قطاع الثقافة) والموجه لتدبير الوضعية الصعبة والحرجة التي يعيشها المجال الثقافي والفني بسبب آثار الإجراءات الاحترازية المتخذة لمجابهة وباء كورونا، تطرح أكثر من رد فعل خاصة بين مهنيي النشر من مؤسسات وجمعيات والتي رأت في الاستراتيجية الجديدة للوزارة، تراجعا عن مكتسب الدعم كما كان يفعّل سابقا، والذي كان يسمح بخلق دينامية ثقافية من خلال توسيع نطاق إنتاج وتداول الكتاب ودعم العديد من المشاريع الثقافية، ومنها دعم المجلات الثقافية.
إن التجاء الوزارة إلى التخلي عن الدعم الذي اعتمدته منذ 2014، والذي خصصت له في سنته الأولى حوالي 10ملايين درهم شملت نشر الكتاب والمجلات الثقافية وإطلاق وتحديث المجلات الثقافية الإلكترونية، والمشاركة في معارض الكتاب وتحديث مكتبات البيع ثم البرامج المشجعة على القراءة، وهي الميزانية التي ارتفعت لتحقق إصدار 6000عنوان في 2018 ، رغم ما شاب هذه التجربة من هنات رجحت كفة دور نشر على حساب أخرى، دون تقديم أسباب لشرح هذا التفاوت في منح الدعم، وأججت عددا من دور النشر التي كانت تقصى أو تقزم مشاريعها المدعمة رغم تقدمها بإصدارات نوعية في مجالات معرفية عديدة.
وإذا كانت العديد من الجمعيات والفرق، خصوصا في مجال الفن المسرحي والكوريغرافي والتشكيلي قد ارتاحت لقرار الدعم، خصوصا في هذه الظرفية الاستثنائية التي عطلت جميع الأنشطة الثقافية التي تتطلب الحضور المادي للمتلقي، فإن جمهور الكتاب والمجلات الثقافية وفي مقدمتهم الناشرون المؤسساتيون أو الجمعيات الثقافية التي تعنى بالنشر أو مكتبات البيع، والذين خصهم الدعم – بصيغة الاقتناء -ب11مليون درهم، رأت في خطوة الانتقاء وفي الشروط التي وضعت بدفتر التحملات فرصة لإعدام الكتاب والحد من انتشاره، خاصة في ظل وضعية قرائية بالمغرب نعرف جميعا تدنيها وأمام مبادرات رائدة للخروج منها، وهو تخوف مشروع بالنظر إلى عدم تقديم أسباب مقنعة للتوجه نحو الاقتناء المباشر، والتخلي عن الدعم الذي انتهجته الوزارة، خاصة مع تحديد سقف عددي للاقتناء محدد في 20 عنوانا بالنسبة لدور النشر والجمعيات، والتضييق على الكتبيين بالإضافة إلى ما يتعلق بتقييد إقامات المؤلفين داخل المغرب، والتي لا يمكن إنكار ما كان يشوب هذا الإجراء من محسوبية واعتبار للولاءات.
نقطة أخرى جاء بها دفتر التحملات تحتاج بدورها إلى توضيح أكثر، وهي المتعلقة بدعم مشاريع الترجمة، حيث يطرح دفتر التحملات ضمن معايير الترشيح لاقتناء الكتب المترجمة، مسألة القيمة الأدبية والعلمية للكتاب الأصلي، وهو إجراء محمود، لكنه يطرح أكثر من علامة استفهام :
أولا: معايير اختيار جودة العمل وقيمته : من يحددها؟
ثانيا: معايير الاختيار تفتح قوسا آخر حول معايير اختيار أعضاء اللجن التي ستتولى عملية فرز الأعمال التي سيتم اقتناؤها، وهي اللجن التي وردت تحت مسمى « لجنة االفحص». هذه اللجنة التي ستكون لعملها صفة تقريرية، تتطلب إحداث لجنة لليقظة والمراقبة، ويجب أن يراعى في تشكيلها ضمُّها لأسماء تنتمي إلى عدة حقول معرفية (علوم إنسانية، فلسفة، آداب، سياسة، علوم اجتماعية).. أسماء مشهود لها بقيمتها المعرفية وكفاءتها العلمية وذلك في غياب مؤسسة وطنية للترجمة، درءا لكل محسوبية وتحقيقا لمبدأ الشفافية.
ما يقال عن معايير اختيار الأعمال المترجمة، واختيار القائمين عليها، ينسحب على جميع المجالات الأخرى المرتبطة بالنشر وأيضا بالمشاركة في معارض الكتاب وخاصة المعارض الدولية التي طالما أثار تكرار أسماء دور نشر بعينها كل سنة، استياء العديد من دور النشر والمثقفين أيضا، والذي لم يكن يسمح بالتالي بإشعاع كتب وأعمال تستحق أن يطلع عليها القارئ الأجنبي إذا كانت الغاية إيصال صوت الثقافة المغربية والمثقف المغربي.
إن مسألة الضمانات الكفيلة بترجمة هذا البرنامج على أرض الواقع، وللغايات التي وضع من أجلها، مسألة غاية في الأهمية، إذ ما الذي يضمن عدم تكرار نفس أسماء الدور والجمعيات التي استفادت ولسنوات من دعم سخي، ولا نتمنى أن نستفيق بعد انتهاء عملية الاقتناء هاته، لنجدها مازالت تلتهم كتف ميزانية، هي من أضعف الميزانيات القطاعية في بلادنا.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 24/06/2020