كيف تصبح كاتبًا؟ خوان خوسي مياس: ما من كاتب يستيقظ صباحاً ليقول: سأكون كاتباً! 4

يكتب خوان ميّاس (1945) ميّاس الرواية والقصة القصيرة والمقال والريبورتاج الصحفي، وتُرجمت أعماله لأكثر من 23 لغة، من بينها العربية، ومؤخراً كتب المسرح والسيناريو السينمائي. له باللغة العربية رواية «العالم» «هكذا كانت الوحدة» «لاورا وخوليو» ومجموعة «هي تتخيل وهلاوس أخري» وقريباً سيصدر له «ما أعرفه عن القرين».
فاز ميّاس بعدد من الجوائز الإسبانية الهامة، من بينها جائزة بلانيتا وسيسامو وجائزة الدولة في الرواية، وفاز في الصحافة بجائزة ميجيل دليبيس وماريانو دي كابيا وفرنثيسكو ثرثيدو وجائزة الصحافة الثقافية مانويل باثكيث مونتالبان.
داخل بيت ميّاس، وفي غرفة مكتبته، سألته كيف يقوم بكتابة كل ذلك؟ فأجابني بأن الصحافة أيضاً كتابة، لكنها شكل آخر منها. وواصلنا الحوار.

– وسط هذا الصراع تلعب الذاكرة دوراً هاماً، وكذلك الخيال، بالنسبة للكاتب.. كيف تري دور الذاكرة والخيال في صنع عمل عظيم؟
– أعتقد أنه لا أدب بلا ذاكرة، ولا أدب بلا خيال، فكلاهما لا يمكن فصله عن الآخر. الذاكرة تعمل بشكل لا يمكن السيطرة عليه، إنها تغرق في الواقع حيث البدروم وحيث الصراصير والأشياء القديمة والروائح، أثناء ذلك علينا الهبوط إليها بخيال يساعد علي الاكتشاف.

– وسط هذا الصراع مع الواقع، متي قررت أو اخترت أن تكون كاتباً؟
– ليس اختياراً ولا قراراً، بل هي لحظة تسأل نفسك فيها إن كنت تستطيع أن تكون كاتباً، هي لحظة تجد نفسك فيها تكتب وترسل عملك لدار نشر دون أي يقين في أن ما تكتبه ذو قيمة. أعتقد أنه ما من كاتب يستيقظ صباحاً ليقول: سأكون كاتباً! ولدتُ في عام 46 وظللتُ أعمل بشركة إيبيريا (الطيران الإسباني) حتى 93، وكنت وقتها أكتب بالليل. بدأت أولاً كتابة الشعر وأنا في السادسة عشرة، وفي الخامسة والعشرين كتبت روايتي الأولي التي لم تنشر أبداً لحسن الحظ، لأنها كانت ساذجة. بعدها كتبت الثانية وأنا في الثامنة والعشرين، ونشرت وأنا في التاسعة والعشرين. هكذا كانت الكتابة عملية مستمرة، حتى قررت في النهاية التفرغ لها.

– تقول إن روايتك الأولي لم تنشر، من قرر ذلك؟
– أنا نفسي، لأنني اكتشفت فيها أخطاءً كبيرة، وقررت أن أعتبرها محاولة فاشلة يجب أن أتخطاها لأكتب بطريقتي وليس بطريقة آخرين.

– وما الذي دفعك أصلاً للكتابة؟
– أكتب لأنني تعيس، لو كنت سعيداً ما كتبت.

– التعاسة فقط ما تدفعك للكتابة؟
– بشكل أساسي، نعم. لكن هناك أيضاً الصراع مع الحياة والواقع والعالم، وهو صراع لا يتوقف.

– وكيف تري العلاقة بين الكاتب والسلطة التي تشكل هذا الواقع؟
– عادة علاقة سيئة، ويمكن أن تري ما دونته كتب التاريخ، فالكُتّاب كانوا دائماً معاقبين، لكن علينا أن نفرق بين كاتب عاش في فترة ستالين وآخر يعيش في أوروبا الديمقراطية. بشكل عام الكتاب لا يتفقون مع الساسة، بهذه الطريقة يمكن قراءة رواية «المسخ» لكافكا على أنها رواية سياسية، وأنا أعتبرها أفضل رواية تعبر عن القرن العشرين.

– ككاتب يساري، كيف تبدو لك السياسة الإسبانية الآن؟
– علينا أن نفكر قليلاً في فكرة اليسار واليمين، فالفرق بين الأول والآخر اعتقاد كل منهم في حجم الدولة، اتساع سلطاتها أو انكماشها، فاليساري يريد أن تتسع الدولة لتقدم خدمات أكبر للمواطن، بينما اليمين يريد أن تنكمش فتفتح مجالاً للقطاعات الخاصة. هكذا مع الرئيس الاسباني اليميني تتسع رقعة الخاص. أعتقد دائما أن الصحة والتعليم والمواصلات يجب أن تكون عامة.

– بحكم عملك الصحفي واهتمامك الإنساني كروائي، هل تتابع ما يحدث في العالم العربي؟
– أتابعه بالطبع، ليس بما ينبغي لكن أتابعه. ضع في اعتبارك أيضاً أن الأمور لا يجب أن تصل إلينا بكل شفافية، حتى مع انتشار المعلومات هناك احتمالية للتزييف. ما يحدث في الواقع العربي، في رأيي، مؤسف، والربيع العربي لم يصل لما كان يطمح إليه بل ضل الطريق. أنا مشغول بالواقع العربي، لقد عشنا ذلك في إسبانيا أيام فرانكو، حيث العملة كانت تحمل عبارة «فرانكو زعيم إسبانيا باختيار الرب» وهو أمر خطير، فيجب دائماً فصل الدين عن الدولة حتى تتقدم الشعوب. ومزج الدين بالسياسة يؤدي إلى الدمار.


بتاريخ : 24/06/2020