محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة 06

الضباط الجزائريون يستنطقون الأسرى من أجل معرفة أسرار الجيش المغربي

 

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب و المتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة و الألم، و العذاب و الألم..
قدر عليه أن يكون يتيما أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الاسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل و الإيمان الصادق …

 

نسيت أن أذكر لك أننا عانينا كثيرا وهم يحملوننا إلى تندوف، ففي كل لحظة تعرقل فيها سير الشاحنة وسط الرمال إلا وأنزلونا لإزالة الرمال أو دفع الشاحنة، وطبعا نقوم بذلك مرغمين تحت وابل من الركل والرفس والسياط التي تنزل على أجسادنا بلا رحمة ولا شفقة.. حين نعطش يقدمون لنا ماء مختلطا بالبنزين أو الصدأ لونه غير طبيعي وطعمه غير مستساغ،  لكننا نضطر لشربه وإلا سنموت عطشا.. حين وصلنا مخيمات تندوف وضعونا في سجن يدعى»الرابور»..
في الصباح أوقفوناـ كما أسلفت ـ في صف أمام الضباط الجزائريين، كانوا يدخلوننا واحدا واحدا، أسئلة الضباط الجزائريين كانت تصب كلها في أن نبوح لهم بأسرار تخص الجيش المغربي، يطرحون أسئلة ترتبط بالبعد الاستراتيجي للجيش المغربي وأسئلة عن أشياء لا يفهمها الجندي العادي بل يفهمها فقط قادة وضباط الجيش الكبار، وحين نعجز عن الإجابة نتعرض لتعذيب شديد.. يسألون عمن يقود الجيش المغربي في هذه المنطقة أو تلك، عن الجهات الخارجية التي تدعم الجيش المغربي ونوعية الخطط والأسلحة وعدد أفراد الجيش في مختلف تصنيفاته.. ويسألون عن نوعية تكوينات كبار قادة الجيش والدول التي تلقّوا فيها تكوينهم العسكري، بل يسألون حتى عن الحياة الخاصة لأفراد الجيش المغربي وكم يتقاضون ووو..
أكثر من ثمانية أيام ونحن في استنطاق من هؤلاء الضباط الجزائريين ممن كان غرضهم معرفة دقائق الأمور عن الجيش المغربي..
لم يستطيعوا انتزاع أية معلومة تخص الجيش المغربي، كنا نعطيهم معلومات مغلوطة.. فاللحظة أيضا هي دفاع عن الوطن، وأن تسريب أية معلومة سرية لهم يعتبر خيانة للوطن، لذلك كنا نصمد ونفضل الموت بدلا من أن نعطيهم أبسط معلومة..
في اليوم الثامن أمروا بأن يتم تعذيبنا ولم يستثنوا حتى الجرحى منا، فأنا شخصيا كنت محروقا في إحدى قدماي نتيجة اندلاع النيران في السيارة الرباعية الدفع التي كنت أسوقها حين كنا نبحث عن رفات الطائرة التي أسقطها البوليساريو يوم 22 سبتمبر 1980.. حينها حاولت اختراق صفوفهم من أجل الفرار بعدما تبين لنا أننا سقطنا في كمينهم، ورغم أن السيارة اشتعلت بها النيران، غير أنني واصلت بها السير إلى أن وقفت تماما، ولكنها لم تنفجر من حسن الحظ أو من سوئه ، غير أنني أُصبت بحروق في رجلي، وهناك تم أسري ورفاقي، كما سبق وذكرت..
بعد استنطاق الضباط الجزائريين لنا بدأ العذاب ينطلق منذ الفجر، حيث كانوا يوقظوننا بأسلوب عنيف وينزلون علينا بالعصي ونحن نيام، ثم يخرجوننا خارج السجن في صفوف تحت رحمة البرد القارس، ويمنع علينا أن نلبس غير قميص خفيف وسروال.. نبقى على تلك الحال وهم يستمتعون بمشهدنا ويحتسون كؤوس الشاي، عند بزوغ الشمس يوزعوننا على مجموعات، كل مجموعة يحرسها أحدهم مستعملا عصاه، فيذهبون بنا إما لحفر الخنادق أو صناعة الطوب..
يطلب منا حفر الأرض واستخلاص التراب وحمل الماء وعلى كل أسير أن يصنع مئة طوبة «بريك» قبل 12 زوالا.. ومن مظاهر التعذيب الجسدي والنفسي أنه حينما تخبرهم بأنك قمت بالعمل، يأتي أحدهم ليَعُد الطوب تم يمر عليه بقدميه ويرفسه ويعبث به ثم يأمرك لتعيده للحفرة وتبدأ من جديد في صناعته، بل إنه يقول بأن لا غرض له في أن تنجز المهمة بل الغرض هو تعذيبك..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 08/07/2017