محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة

حين رفضنا أن ندوس بأقدامنا على الراية الوطنية

 

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

أسلوب الاستفزاز كان دائما يصاحب مرتزقة البوليساريو، فالمدعو السويدي مدير مدرسة 12 أكتوبر، جاء بالراية المغربية وافترشها أرضا وأوقف صفا من جيشهم وأوقفونا نحن كأسرى في صف آخر.. وبأسلوب استفزازي طلب منا أن ندوس بأقدامنا على الراية المغربية ونحيي راية الجمهورية الصحراوية الوهمية والمزعومة..
رفضنا طبعا أن نطأ بأقدامنا الراية المغربية غير مبالين بما سنلاقيه من عذاب شديد نتيجة رفضنا هذا.. كان حب الوطن بالنسبة لنا هو تلك الشحنة التي تؤجج في نفوسنا تحدي كل ممارساتهم الوحشية، تم إننا وضعنا نصب أعيننا أننا سنموت في أية لحظة منذ أن وقعنا في الأسر.. لذلك فلن نقبل أن تمس مقدساتنا: وطننا وديننا وملكنا..
يحاولون دائما إهانتنا ووضع كرامتنا في التراب، لكننا كأسرى مغاربة صمدنا بقوة إيمان ضد كل ممارساتهم، كنا متآزرين متضامنين كجسد واحد يشد بعضه بعضا.. لا أحد منا يخون الآخر، لا أحد منا يتخلى عن الآخر، حتى إِنْ توفرنا على كِسرة خبز واحدة فقط فإننا نوزعها في ما بيننا.. صمودنا هذا لم يأت هكذا اعتباطا، ولكن إيماننا بعدالة قضيتنا الوطنية له دور كبير في ذلك..
بعد مكوثي من أكتوبر1981 إلى غاية فبراير 1981 بمدرسة 12أكتوبر، نقلوني إلى مدرسة أخرى اسمها مدرسة 9 يونيو.. فهم وزعوا المخيم على عدة مدارس إذ بالإضافة إلى المدرستين المذكورتين هناك مدرسة 29 أكتوبر،ومدرسة المقاطعة السادسة، وعدة مدارس يدرسون بها أبنائهم وفي نفس الوقت يخضعونهم لتداريب عسكرية، ولكنها بالنسبة لنا هي معتقلات نقاسي فيها أشد مظاهر العذاب.. حيث الأشغال الشاقة.. فعلى مقربة من كل مدرسة يذهبون بنا للحفر وصناعة الطوب وحمل الأزبال وغيرها، بل حين يشتد الحر يشغلوننا في أفرنة الخبز، والويل كل الويل لمن سولت له نفسه أن يأكل قطعة من خبز، أويسرقه، فعند الانتهاء من العمل داخل جحيم هذه الأفرنة نخضع لتفتيش دقيق.. نعم نهيئ الخبز في أفرنتهم ولا قدرة لنا أن نأكل منه قطعة واحدة بل كما أسلفت نأكل من بقايا ما أكلت منه ماشيتهم، حتى الماء حين يخرجون بنا للعمل في الفيافي الشاسعة حيث يتواجد جيشهم وحيث نحفر الخنادق فإنهم لايمدوننا بقطرة ماء، ولكن يذهبون بنا إلى غدير أو مكان تتجمع فيه مياه الأمطار وتشرب منه البهائم وتعبث به الحشرات، فنضطر لشرب ذلك الماء وإلا سنموت عطشا..
حين جاؤوا بنا لمدرسة 9 يونيو كانوا يستعدون لاحتفالات يومهم الوطني 27 فبراير، في هذه المناسبة يأتون بما يفوق الألف أسير لمكان خلاء يقومون بأشغال متواصلة لمدة 45 يوما في الحفر وصناعة الطوب والصباغة وغيرها، حيث يتم فيه بناء حي بكامله يتوفر على كل المستلزمات من ماء وكهرباء وتبليط، الاشغال تبدأ من الرابعة صباحا، ونكون محظوظين إن مكنونا من ساعة واحدة للنوم.. يبنون حيا كاملا بسواعدنا وتحت وابل من العصا.. والغريب في الأمر أنهم بمجرد ما تنتهي احتفالات يومهم الوطني التي لا تتجاوز الثلاثة أيام حتى يطلبون منا القيام بهدم كل ما تم بناؤه.. إنها لعبة يمارسونها لجعلنا دائما في عذاب مستمر من خلال الأشغال الشاقة..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 12/07/2017