محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة -13- عبد العزيز المراكشي أشرف على تعذيب الأسرى ومارس علينا التعذيب بنفسه

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

علاقتنا بالساكنة أو بالأصح المحتجزين في مخيمات تندوف لم تكن في البداية جيدة لأنهم غسلوا ادمغتها بترسيخ مجموعة من الأفكار المغلوطة، إلى درجة أنه حين نخرج للعمل»الأشغال الشاقة»، كانت النساء تنظر إلينا باستغراب، لدرجة أن إحداهن قالت لنا، بأننا أيضا نشبه البشر..
كان مسؤولو البوليساريو ينشرون عن المغاربة انهم متوحشين وأنهم قتلة، كانوا ينشرون عنا كل الصفات القبيحة، لكن حين كنا نعمل في المخيمات وبدأنا نختلط مع سكانها وبعدما انكشف ان مسؤولي البوليساريو ومعهم الجزائر يستغلون الاسر المحتجزة لأغراض أخرى.. وبعدما عانوا ايضا من الجوع والعوز.. كنا نسرق اثناء العمل أو تفريغ المأونة في مخازن التموين ونسلمها لهم.. ومن تم بدأوا يغيرون نظرتهم نحونا شيئا ما.. تعاطفنا مع الساكنة جعلهم يتقربون منا خاصة بعد سنة 1989..
لكن هذا لم يخفف عنا التعذيب، فعسكريوهم يواصلون أسلوبهم الوحشي اتجاهنا، بل بلغ الأمر برئيس مرتزقة البوليساريو محمد عبد العزيز أن مارس علينا التعذيب بنفسه، ففي أحد الأيام ذهبو بنا الى منطقة بمخيمات تندوف يطلقون عليها «ولاية العيون»، فهم أطلقوا أسماء مدن الصحراء المغربية على عدة مراكز في تندوف، كالسمارة وبوجدور وغيرها..
ذهبوا بنا إلى مكان فيما يسمى ولاية العيون وجاؤوا بأليات الحفر «طراكس» تعمل على حفر بئر أو صهريج بمساحة تبلغ 100 متر طولا و45 مترا عرضا..
تعمق الحفر أكثر إلى أن تدفقت منه المياه، وهنا سيأتي دور تعذيبنا أكثر تحث أنظار رئيس المرتزقة.. حيث أتوا بأكياس بلاستكية تشه النوع الذي يوضع فيه الدقيق بالمغرب فهيئوا أدراجا من اليمين ومن اليسار في ذلك البئر /الصهريج العميق، وعلينا أن نمر من مسلك مبلل بالماء ومليء بالطمي، علينا أن نملأ الاكياس بالماء ونحملها وهي أصلا كالغربال لا نصل الأعلى حتى تفرغ من الماء، ومرورنا في ذلك المسلك الطيني لا نصعده إلا ونقع أرضا حيث تلطخ وجوهنا وألبستنا بالطين، وتحت وابل من الضربات بالأسلاك الكهربائية على اجسادنا، ونحن نحمل الماء في الاكياس المثقوبة، العصا تنزل علينا يمنة ويسرة من جنودهم المصطفين في كل درجة درجة، من الأسفل إلى الأعلى، ورئيسهم محمد عبد العزيز يستمتع بتعذيبنا تم يطلق العنان لقهقهات ضحكه وهو جالس على كرسي من أعلى يـطل على البئر، وفي إحدى اللحظات أخذ سلكا كهربائيا» كابل» وأخذ يجلدنا ونحن نحمل تلك الاكياس التي لا نوصلها إلى الأعلى حتى تفرغ من الماء لنعيد الكرة.. الى أن يختلط دمنا مع الطين في مشهد وحشي كبير.. وحرض جنوجه على مضاعفة ضربنا بل امر بتجويعنا..
المكان المحيط بالبئر/الصهريج حولوه إلى حديقة كبيرة وطبعا بعرق ودم الأسرى، تصور أنهم يأتون بالمحراث التقليدي ويلصقونه بأسيرين على النحو الذي يلصق به على الدواب، ثم يدفع المحراث والعصا تنزل على جسدي الاسيرين المغربيين الذين يجران المحراث.. كانت الكثير من مظاهر التعذيب تمارس علينا أينما ذهبوا بنا ويستغلوننا في البناء، في الحرث، في تالنظافة، وحمل الأزبال، في كل شيء ، بل بلغ بهم الأمر ان يفرضوا علينا منح دمنا لمستشفاهم رغما عنا.. بعجما تبين نقص كبير فيما يسمى بمستشفياتهم..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 17/07/2017