محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة -15- البحث عن الضابط المعطاوي وتعذيبي رفقة الضابط موزون

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

كما أسلفت، عاد الضابط المعطاوي غاضبا واخذ يشتم بعدما رفضت الإدارة طلبه بمرافقة الشاحنة التي ستعيد بعض الأسرى الى قشلة اخرى بعدما خضعوا للعلاج..
في 12 من تلك الليلة تم عد الاسرى من الجنود، بالنسبة للضباط احترمهم لا أعدهم .. الكل توجه الى مكانه للنوم، كنت أنا وقبطان من الرباط وأحد الجنود من أيت اسحاق نتبادل الحديث في الإدارة، وإذا بي ألمح من نافذة صغيرة الضابط المعطاوي مارا قرب المراحيض، اعتقدت أنه اراد الوضوء ..
عند المراحيض وضع إناء الوضوء أرضا ومعطافه معلقا على الباب، تم تسلق السور وتوجه نحو مكان نسميه «الهلال الأحمر»، وهو المخزن الذي يضم المواد التي تدعم به المنظمات الدولية المرتزقة دخل إحدى حاويات الشحن CONTENAIR كانت بها أطنان من أكياس العدس، هيأ مكانا ليتمدد فيه بين هذه الأكياس، لكنه لم يحسن الترتيب، فسقطت عليه عشرات الأكاس لترديه قتيلا، لكن لا أحد علم بذلك.. هذا الأمر سنكتشفه أياما بعد ذلك..
في الصباح تم عد الاسرى، وتوزعوا على مجموعات، كل مجموعة التحقت بالمكان الذي تشتغل فيه، بينما الضباط لم يتم عدهم، لكنني لاحظت أنهم تسعة فقط وأن المعطاوي لم يكن ضمنهم.. كنت أعتقد أنه هرب بالليل وأخذ يضرب المسافات إلى أن بزغ الفجر فاختبا في مكان ما حتى لا تكتشفه الطائرات والرادارات الجزائرية والدوريات العسكرية، لم أخبر باختفائه في تلك اللحظة، لأنهم سيقتفون آثره ويقبضون عليه.ـ عندها لم أعلم انه ميت وسط حاوية شحن اكياس العدس ـ فقررت أن لا أخبرهم إلا في الليل، لأنه في تلك الحالة يصعب عليهم القبض عليه ليلا.. كانت غايتي في ذلك مساعدته على الفرار..
في الثالثة بعد الزوال جاء عندي نائبي في المسؤولية، يقول بأن الطبيب يبحث عن المعطاوي ولم يجده، التحقت بالطبيب وهو أيضا من الأسرى، فقال لي بأن الضابط المعطاوي هرب، قلت له :أعرف ذلك، لكن ما شأنك؟ أنا من يتحمل المسؤولية، وأنا من سيِؤدي الثمن.. أصر الطبيب على إخبار الإدارة باختفاء المعطاوي، وهو ما اضطرني أن اخبر باختفائه، لكن قبل دلك اتصلت بالضباط الأسرى بأن يقولوا بأن لا علم لهم بالأمر.. مسؤولو البوليساريو سألوا الضباط جميعا فقالوا بأن لا علم لهم، إلا واحدا يدعى الضابط «موزون» الذي قال لهم بأنه أدى معه صلاة العشاء..
تم تفتيش جميع الغرف والأماكن والزنازن، أقلوا سيارات ذات الدفع الرباعي، مسحوا جميع الاماكن فلم يعثروا عليه، عادوا الى المركز..
أخذوا الضابط موزون ونزعوا ثيابه وعلقوه ثم أخذوا ينزلون عليه بالأسلاك الكهربائية، لم يعد يضبط أجوبته على أسئلتهم حيث يتناقض في كلامه..
في اليوم الموالي وبالضبط في الثامنة صباحا نادوا علي إلى غرفة فيها أربعة أشخاص، وحبل مدلى من السقف، طلبوا مني نزع البستي.. قيدو رجلاي ثم حملوني بأربعتهم وعلقوني بواسطة الحبل المدلى من سقف الغرفة ورأسي إلى الأسفل، عصبوا عيناي، وأخذ ثلاثة منهم ينزلون على بالعصي والأسلاك الكهربائية، مسؤولهم يدعى «محفوظ»، كان يذهب ليطرح أسئلته على الضابط موزون المعلق في الغرفة المجاورة.. فحين يذهبون لتعذيب موزون يأتي محفوظ ليطرح علي أسئلته ،والعكس صحيح..
سألني كيف هرب المعطاوي؟ ومن يعد الضباط الأسرى؟ قلت له بأن من يقوم بعدهم هم رؤساء المراكز.. عندها خف عني بعض الضغط، حيث تم استدعاء مسؤولي المركز وبدأ البحث معهم.. لكنه أخذ يسألني عن أشياء أخرى، من قبيل ما الذي يدور بين الأسرى؟ ومن يملك مذياعا؟ ومن يخطط للفرار، ومن يتصل ويربط علاقته بالصحراويين في المخيمات ويتاجر معهم؟؟ فأجبته بأن لا علم لي بذلك، وجه لي أربع ركلات على مستوى فمي وقال: كيف تنكر وأنت المسؤول عن 760 أسيرا..؟؟
قلت له: قل للذي أخبرك بذلك أن يسجل لك المعطيات واتركني بعيدا عن الأمر..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 19/07/2017