محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة -16- بقبضة بأس يتم اغتيال الضابط موزون بعد تعذيب شديد

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

بعدما قلت لمسؤول المرتزقة أن يأمر من أخبره بأن يدون له المعطيات الكاملة عن هروب المعطاوي وأسماء الأسرى الذين تورطوا في الأمر، ذلك اليوم من شهر فبراير 1991 عشت تحت التعذيب من الثامنة صباحا إلى غاية الرابعة بعد الزوال، أحد الجلادين خرج من الغرفة التي أعذب فيها وتوجه نحو الغرفة المجاورة التي يعذب فيها الضابط موزون، أخذ معه قبضة فأس «مانكو» ضرب موزون المعلق بهذه القبضة خلف رأسه ليرديه قتيلا، تم هرول الى الغرفة التي اعذب فيها ليخبر مسؤوله محفوظ أن الضابط موزون قد مات..
أنزلوا موزون من الحبل الذي علق به، تم أوجدوا فأسا و «بالا» وسيارة جيب وأخذوا من فراشي غطاء..
بعد موت الضابط موزون تضاعف علي التعذيب.. حين بقي حيا كنت استريح عندما ينتقلون لغرفة موزون لتعذيبه، الآن تفرغوا لي وحدي، وتصور أنني معلق مثلما يعلق الجزارون ذبائحهم.. منذ أن اختفى المعطاوي كنت متيقنا أن الموت بتعذيبهم قريب مني، لذلك كنت أنتظر الموت في أية لحظة..
التعذيب من الثامنة صباحا الى 12 ليلا بشكل يومي، كانت لذي قوة صبر وجلد، وتحملت كل ذلك ولم أصرخ أو أئن من التعذيب، في أحد الأيام طلب محفوظ من احد الجلادين يدعى عثمان ان ينزلوني من الحبل الذي علقت به، على أساس أن يرد يدي إلى الخلف ويقيدهما بحبل، حين أخذ يقيدني وضع رجله على ظهري ويجدب الحبل بقوة حتى كادت يدي تنفصل من مكانها.. تركني على ذلك الحال إلى غاية الثانية صباحا، عندها فقط لم أتوقف عن الصراخ من شدة التعذيب، ازرورقت يداي، جاء محفوظ وأمر بفك القيد.. لم أشعر ان القيد قذ تم فكه وكأن يدي قد شلت..
بعد ذلك وضعوني في غرفة لا تتجاوز مساحتها مترين ونصف، وبدون فراش ، هي عبارة عن قبر ليس إلا .. لباسي عبارة عن قميص ومعطاف خفيف وسروال وفي عز فصل الشتاء ونحن في شهر فبراير..
حبسي معزولا هناك كان مقررا أن يدوم ثلاثة أشهر، ولكن بلا تعذيب، وإن كان البرد والعزلة لا يقلان عن التعذيب.. غير أن مدير السجن نقلني إلى ما يسمى السيلول وهو عبارة عن قبو لا يتجاوز المتر الواحد مربع،لا يمكن أن تمدد فيه يديك ولا قدميك، بل ولا يمكنك الوقوف فيه،اذ الشيء الممكن هو الجلوس القرفصاء..
هناك قدر علي أن أمكث فيه طيلة اليوم وأحيانا بدون أكل ولا شرب ..
حين عزلوني أخرجوا أمتعة جميع الأسرى البالغين في هذا المركز 760 أسيرا وأخذوا يفتشونها وفي نفس الوقت تحت وابل من التعذيب والعصا..
لكن رغم كل هذا فالمغاربة خارج وطنهم أو في الأسر أو حين يجدون أنفسهم وسط المعاناة فإنهم يصمدون ولهم قدرة خارقة في مواجهة الصعاب، لا أقول هذا لأنني مغربي ولكن لأن هذه هي الحقيقة، والتاريخ يسجل لنا دائما أننا نصمد ضد العدو مهما كانت قوته..
كانت لنا قوة، وكان لنا دين على عاتقنا هو القسم الذي أديناه على أن ندافع عن وطننا حتى الموت، وكان لنا الامل أننا سنعود إلى وطننا، وان صحراءنا مرتبطة بالتراب المغربي وأن مؤامرات الجزائر ضد وحدتنا الترابية تجعلنا أكثر صمودا ودفاعا عن وطننا حتى ونحن أسرى..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 20/07/2017