محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة -17- اكتشاف جثة الضابط المعطاوي متحللة داخل حاوية لشحن أكياس العدس

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

مرت أيام وأنا داخل السيلول معوج الظهر.. لم يترك الألم جزءا من عضامي إلا وأصابها، المكان لا يسمح لي إلا بالجلوس القرفصاء.. كل الأسرى في مركز 9 يونيو عانوا العذابات وبشكل وحشي، لأن اختفاء المعطاوي جعل السعار يصيبهم وازدادوا وحشية اكثر، فتم قتل موزون وانا معزول في قبو..
مرت أيام وأسابيع ولم يتم العثور عن الضابط المعطاوي، وفي أحد الأيام كانوا محتاجين إلى مادة العدس فذهبوا إلى المنطقة التي يطلق عليها الهلال، وهناك توجد حاويات شحن المواد الغذائية التي تأتي من الدول المساندة للبوليساريو بواسطة الجزائر.. فتحوا إحدى الحاويات، وإذا برائحة قوية تزكم الانوف تنبعث من داخل الحاوية الخاصة بشحن اكياس العدس، جأوا بالأسرى لتفريغ الحاوية، فتم العثور على جثة الضابط المعطاوي وقد تحللت.. تعرفوا عليه من خلال لباسه وكذا لحيته وبعض أسنانه المصطنعة..
كانت المفاجأة بالنسبة لمسؤولي البوليساريو، ولم يصدقوا الأمر، أدركوا أن كل ما قاموا به من تعذيب كان خطاء، خاصة اغتيال الضابط الطيار موزون.. إضافة الى الاستمرار في تعذيبي من خلال هذا السيلول الذي لا أزال معزولا فيه.. لكن رغم ذلك فقد قالوا لنا: تعذيبكم غايتنا سماء حاولتم الفرار أم لا، أ, اجدتم العمل خلال الاشغال أم لا.. لكن الواقع أن الارتباك كان واضح عليهم فما حدث للمعطاوي كشف الكثير من الامور حتى لدى بعض أصدقائهم..
تم تجميع جثة المعطاوي بواسطة الأسرى وتم دفنه بالمقبرة الخاصة بالأسرى المغاربة والتي سبق وأشرت أنها عبارة عن مزبلة..
بعد ذلك بأيام أخرجوني من السيلول.. لكن المعانات والأشغال الشاقة على النحو الذي سبق وأعطيتكم عنه أمثلة استمرت لعدة سنوات.. لم يتم التخفيف عنا بشكل كبير إلا بعد منتصف التسعينات من القرن الماضي..
خلال هذه الفترة وعند مجيء أسرى جدد يحاول مسؤولوا البوليساريو إغراء بعضهم وإقناعهم بأطروحتهم الانفصالية، لكن المغاربة عند الشدة لا يخضعون لهذه الاغراءات ويفضلون التعذيب عن خيانة وطنهم.. في المجموعة التي انتمي إليها فقط أسير واحد هو الذي استسلم للإغراءات، غير أنه عانى من العزلة، ف759 أسير يقاطعونه جميعا ، الغريب أن هذا الشخص باع وطنه فقط من أجل أن يحظى بالأكل، فكان هو الوحيد ممن تجرأ ان يشتم الوطن ليضمن ما يملأ به بطنه.. لا أريد ذكر اسمه فهو ابن منطقتي وعفا الله عما سلف والوطن غفور رحيم.. أثناء التعذيب هناك البعض ممن اضطروا لشتم المغرب و منهم من وظفوه لضرب زملائهم الأسرى، لكن هؤلاء لم يكونوا خونة فقط لم تكن لهم القدرة لتحمل التعذيب، فلكي يستريحوا من ذلك ينفذون بعض أوامر البوليساريو، لكن سرعان ما يعودون الى جادة الصواب ويتمردون وينضمون الى إخوانهم الصامدين المؤمنين بعدالة القضية الوطنية.. الأهم أن 99 في المائة من الأسرى كانوا مثالا للشجاعة متشبعين بوطنيتهم..
بدأ التعذيب يخف عنا بعدما توالت زيارات المنظمات الدولية وبعد مجهودات الدبلوماسية المغربية على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة.. وخاصة منظمة الصليب الأحمر الدولي..
كانت زيارات الصحافة الدولية متوالية، لكننا كأسرى كنا نرفض التعامل مع بعضهم خصوصا القادمين من الدول المساندة لأطروحة الانفصال.. أو بعض المنظمات المنحازة للبوليساريو والتي عرفنا مسبقا أنها ستنقل كل ما أدلينا به من معطيات لمسؤولي البوليساريو وتكون سببا في تعذيبنا أكثر..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 21/07/2017