محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة 18

سرقنا مذياعا وجزأناه اطرافا موزعة في عدة أماكن ومرتبطة بأسلاك مدفونة لمعرفة مايدور

 

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

أغلب الجنود المغاربة الأسرى هم نازحين من البادية ومنهم انا شخصيا، عدد قليل فقط من له مستوى تعليمي إما ابتدائي او ثانوي، طبعا لا أقصد الضباط.. ومع ذلك فحين يتعلق الامر بالوطن، فإننا نفعل أي شيء لمعرفة ما الذي يحدث ،وبدأ بعض الوعي السياسي يذب فينا إلى درجة أنه إذا عترنا على ورقة من جريدة ممزقة نحاول تجميعها ونتناوب على قراءاتها وخاصة اذا كانت فيها إشارات الى المغرب في أي مجال من المجالات، فكلمة «المغرب» تثير اهتمامنا ويكون لنا الفضول لمعرفة المقصود مما كُتِبَ عن المغرب.. حين نكون في الاعمال الشاقة رغم التعذيب و يكون العمل في ورش يشغل فيه حراسنا مذياعهم فأننا نسترق السمع لمعرفة ما الذي يدور، بل ولمعرفة حتى المعطيات المزيفة التي تروج لها إذاعة الانفصاليين والإذاعات الجزائرية بل والليبية في المرحلة الأولى..
في أحد الأيام اضطررنا أن نسرق مذاياعا وجزأناه إلى أطراف، حيث مكبر صوته في مكان والجهاز في مكان اخر والبطاريات في مكان أخر والكل مدفون ومرتبط عبر أسلاك تمت سرقتها أيضأ..
ليس لدينا تقنيون في مجال الإليكترونيات ولكن المغاربة عباقرة، وكما يقال «الحاجة أم الاختراع» كان بالنسبة لنا نجاح هذه المهمة متنفسا يزيل عنا بعض الألم ويزكي فينا تلك الروح الوطنية التي تقوي في نفوسنا امل العودة إلى الوطن..
وبالفعل نجحت العملية وأصبحنا نعرف الكثير من الأمور حول قضيتنا وحول جهود المغرب في المنتظم الدولي، لكن كنا حذرين أكثر حتى لا ينكشف الأمر، لأن عواقب ذلك ستكون لا محالة وخيمة..
الحرمان جعلنا نعتبر أننا إذا سرقنا مواد غذائية أو البسة أو غيرها فذلك ليس سرقة، بل هو استرجاع للحق، ومن ضمنه الحق في الغذاء، الحق في الحياة ، الحق في المعلومة.. السرقة في ذلك الوضع اللاإنساني ليست بمفهومها القبيح، بل هي تدخل في إطار معركتنا مع الخصوم، و كانت إحدى الأسلحة التي ساعدتنا في الكثير من الأمور، فعلاقتنا مع سكان المخيمات في أواخر السبعينات والثمانينات لم تكن جيدة، وكما أسلفت فقد تم غسل دماغ سكان المخيمات بمعطيات مغلوطة عنا، ولكن خلال بعض الكوارث ومنها فياضانات، والدور الذي لعبناه في إنقاذ أطفالهم وتقديم مساعدات إليهم كالأغطية والألبسة ومواد غذائية، كل هذه الأشياء لو لم نسرقها أثناء أعمالنا في تفريغ حاويات شحن المساعدات الدولية لما كانت لنا أية وسيلة للتقرب من السكان، ولما استطعنا أن نغير الكثير من المعطيات لديهم.. طبعا مساعدتنا للساكنة جعلنا نحقق انتصارا في تغير نظرتهم السلبية نحونا وبالتالي لم يعد سكان االمخيمات يصغون لما يروجه قادة المرتزقة، والمعطيات الزائفة للجزائر.. بل أصبحت القناعة راسخة لديهم أنهم محتجزين وأن قادة البوليساريو يستعملونهم لتلقى الدعم وتحويله إلى جيوبهم، وفي تلك الفترة تمت العديد من محاولات فرار بعض سكان المخيمات خاصة مع إعلان الحسن الثاني بان الوطن غفور رحيم، والتحاق بعض الأسماء الوازنة إلى المغرب وفضح ما يدور في مخيمات تندوف..
قلت بأن السرقة رغم أنها صفة مدمومة غير أنها في وضعنا كأسرى كانت سلاحا كان لابد منه من أجل مواجهة معاناتنا وتعذيبنا الوحشي والجاتم علينا طيلة سنوات يساوي فيها اليوم الواحد دهرا كاملا لأنها جحيم حقيقي يفتقد إلى أبسط شرط حياة الإنسان..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 22/07/2017