محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة -19- يعزلون الأسرى الجدد.. ويستهدفون التكنات الصغيرة للجيش المغربي بتوجيه من الجزائر

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

بالرابوني كلما رأينا وجود الضباط الجزائريين يتحركون بكثرة، ندرك أن هناك تخطيط لعملية ما يتم فيها استهداف المغرب.. عملهم العسكري ليست فيه مواجهات مباشرة للجيش المغربي، لكنهم يعتمدون غالبا اسلوب العصابات.. لأنهم يدركون ان المواجهة المباشرة مع الجيش المغربي لن تكون لصالحهم، رغم ما بذلوه من مجهودات تتعلق بتكوينات عسكرية في امريكا اللاتنية وبالخصوص في كوبا، ورغم المدارس العسكرية التي تعد بالنسبة لنا جحيما نذوق فيه أبشع صور التعذيب وأبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاك حقوق الأسرى التي نصت عليها اتفاقية جنيف، ورغم الأسلحة المتطورة التي تزودهم بها روسيا طبعا عن طريق الجزائر، رغم كل ذلك فهم جبناء، عملهم العسكري يعتمد المباغثة والهروب، فبعد أن تزودهم المخابرات العسكرية الجزائرية بأن معسكرا صغيرا للجنود المغاربة يتكون من 70 أو 100 عسكري يهجموا عليه بأكثر من 600 أو 800 مرتزق وهو ما يمكنهم من الاتيان بأسرى..
لم يستطيعوا تحقيق أي انتصار، فقط يعتمدون أسلوب العصابات ويستهدفون الثكنات المغربية وفق توجيه المخابرات العسكرية الجزائرية.. أو تنقل كتيبة عسكرية من منطقة إلى أخرى..
حتى لا أنسى لابد من الإشارة أيضا أنه عند استرجاعنا للصحراء المغربية في منتصف السبعينات لم تكن لدى الجيش المغربي دراية كاملة بالمنطقة، فاغلب القيادات والجنود من الداخل، وهذا الأمر ساعد المرتزقة المتمرسة في الصحراء ومعرفتها الدقيقة لمسالك المنطقة ما جعلهم في البدايات ينجحون في نسج كمائن سهلت لهم أمر أسر الجنود المغاربة، لكن بعد ذلك طور الجيش المغربي أسلوبه، وبالضبط بعد منتصف الثمانينات، ومع بناء الأحزمة لم يعد للمرتزقة مجال للنجاح فيما كانت تفعل في البداية..
لابد من الإشارة أيضا أن بعض ما يسمى «العزاب» وهم صحراويون يتنقلون من مكان لأخر، ولهم معرفة كبيرة بدقائق مسالك الصحراء، كان بعضهم ممن ينحازون للانفصال كانوا يقدمون الدعم للمرتزقة بل كانوا هم مرشيدين لهم في تلك المسالك، وسبق وأشرت إلى أنهم ساعدوا المرتزقة في ضرب مركزنا في حوزة و كان مصدر النيران من خيمهم..
اذن نحن ندرك دائما أن التحرك الكثيف للضباط الجزائريين بالرابوني تتبعه لا محالة عملية عسكرية ضد الثكنات الصغيرة للجنود المغاربة، وان هناك أسرى جدد سيأتون..
من الخطط التي يستعملونها عند إتيانهم بأسرى جدد أنهم يعزلونهم، ويتفادوا ان يخلطوهم بنا، لأنهم يدركون أننا سنعطيهم شحنة معنوية ستقويهم أكثر حتى لا ياخذ منهم المرتزقة ما يريدون أثناء التحقيق معهم.. يدركون أننا سنقوي عزيمتهم، وبالتالي حتى أسلوب الاغراءات الذي يعد أول شيء يلتجيء إليه المرتزقة مع الأسرى لن ينجح معهم.. وكما أسلفت فالمغاربة في مثل هذه الحالات يكونون أقوى وأكثر ارتباطا بوطنيتهم..
إذن بعد التحقيق مع الاسرى الجدد في مكان خاص خارج السجن يلحقونهم بنا ، ولكن دون غطاء ودون أي شيء، وكانهم أدخلوا قطيعا من الماشية الى حضيرة.. ما يشفع للأسرى المغاربة الجدد هو أننا نتضامن معهم، وكأول خطوة نقوم بها هي اننا نضمد جراحهم الناتجة عن تعذيبهم أثناء التحقيق معهم، طبعا ليست لدينا أدوية سوى ما يمكننا به طبيب مغربي أسير خفية من دواء أحمر وعلينا أن نحرص على إخفائه لان المرتزقة إذا علموا بذلك سيحولون حياتنا إلى جحيم أكبر..
نتقاسم معهم الأشياء البسيطة من فراش ولباس وكسرة خبز، ونشكل مجموعات صغيرة «كانتعاشرو، ديالك، ديالي.. ديالك ديالي.» أي أننا نخلق نوع من الحميمية الاسرية لرفع معنويات الأسرى الجدد..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 24/07/2017