محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة -20- حين أخبرني أسير ابن بلدتي عن الإفراج عن الأسرى من مجموعتي، والعودة إلى الوطن..

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب والمتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة والعذاب والألم..
قدر عليه أن يكون يتيم أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الأسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل والإيمان الصادق …

 

الموت او العودة إلى الوطن معادلتان ظلتا ملازمتان لي طيلة عقدين من الأسر.. أحيانا ترجح كافة الموت على العودة نظرا للتعذيب القاسي الذي لازمنا ويلازمنا كل هذه السنين الطويلة.. لكننا لم نفقد الأمل أيضا في مجهودات الديبلوماسية المغربية ..
كان هذا الأمل يتقوى حين كانت الوفود الصحافية والمنظمات الدولية تأتي إلى أماكن أسرنا، كنا نقول بأنها فرصة لفضح كل معاناتنا ليطلع عليها العالم، بل ولتتأكد الدول المساندة للمرتزقة من حقيقة هذا الكيان المصطنع.. لكن الأمل هذا تبخر أيضا، حين اكتشفنا أن بعض الصحافيين وبعض المنظمات يأتون فقط من أجل مسنادة البوليساريو والترويج لأطروحتهم..
اكتشفنا أن الصحافيين وممثلي بعض المنظمات الذين يأتون بهم الى مقرات أسرنا ويتركونهم يتحركون بحرية دون مراقبتهم أو مرافقتهم، اكتشفنا أن هؤلاء من المسانذين لهم، لكن حين يأتي صحافيون ومنظمات ويحولون بعضنا الى أماكن مهياة بعناية وتتم مرافقتهم نذرك أن هؤلاء محايدين، ومثل هؤلاء يزعدون كثيرا البوليساريو..
ومن المنظمات التي كنا نكرهها هي منظمة France Libertés التي ترأسها دانيال ميتران، ارملة الرئيس الفرنسي السابق ميتران..
لم ننسى أن دنيال ميتران كانت تدعم البوليساريو بالمال والمواد الغدائية، بل سبق وبعثت لهم باخرة من الإبل استرتها من الشرق..
ففي أحد الايام جمعوا اسرى مراكز الحمادنة بتندوف، ما يقارب 700 أسير على أساس أن هناك صحافيين وممثلي بعض المنظمات سيطلعون على مراكز الأسر، لكن حين جأء هؤلاء من منهم المسماة عفيفة كرموس وأعتقد أنها من أصل تونسي أو لبناني، ومعها فرنسية أخرى، حين سألناهما عن اسم المنظمة التي تمثلانها، أجابتا بأنهما من منظمة France Libertés عندها انفض عنهما الجمع، ورفض الأسرى إعطائهما أي تصريح، وحين استفسرتا عن سبب هذا الرفض، تم إخبارهما أن منظمتهما ضد المغرب ومساندة لجبهة البوليساريو، وبالتالي فتصريحات الأسرى لن تنفع في شيء..
كان ذلك في بداية أو منتصف التسعينيات من القرن الماضي.. اقسمتا أن تنقلا الحقيقة كل الحقيقة وبحياد كامل، عندها فقط أدلى الأسرى بشهاداتهم وما يعانوه من جلادي البوليساريو ومسانديهم الجزائريين..
كان هذا الحدث واحدا ممن غير نظرة هذه المنظمة اتجاه البوليساريوا .. تم تحركت الجيبلوماسية المغربية سواء في الامم المتحدة وفي مختلف دول العالم، وتحركت المنطمات الدولية وبدأت تنكشف بعض الحقائق..
ومنذها بدأت البوليساريو تطلق بالأسرى فوجا فوجا ولكن بشكل بطيء ومتباعد..
في بداية الألفية الثالثة سمعنا أن ابن الزعيم اللبي سيف الإسلام القذافي قذ ذخل على الخط من أجل إطلاق الأسرى المغاربة.. قلت سمعت ولكن لم تكن لدينا معلومات دقيقة في الموضوع..
في شهر نوفمبر من سنة 2003 الذي صادف شهر رمضان المبارك ،كنت مع احد الأسرى من ابناء منطقتنا فقال لي:
أن ذهبت إلى البلاد هل ستزور أسرتي وتخبرها أنني مازلت حيا؟؟
قاطعته وقلت له، هل تمزح، أن خلرجت من هنا، سأّهب ليس إلى أسرتك فحسب ولكن إلى المريخ.. كنت أعتقد أنه يمزح.. فقال: أسي الناصري، لقد سمعت في إذأعة الانفصاليين أنهم سيطلقون سراح الأسرى وبالخصوص الفوج الذي كنت ضمنه..
لم اصدق الامر بل احسست بنوع من الارتباك الممزوج بالفرحة، هرولت نحو المحجز الأخر من السجن كان لدي مدياع صغير ومن خلال إذاعتهم تأكد لي ما قاله إبن بلدتي..
كانت الفرحة ممزوجة بالدموع، فرحة العودة الى الوطن حرا ولقاء الأهل، وحزن لزملائي الأسرى ممن لم يشملهم الإفراج.. أطلق سراحي بال
24 سنة من العذاب يصعب اختزالها في تسجيلات وتحتاج إلى مجلدات.. فذاكرتي موشومة بالجراح.. رأيت فيها وحشية أشد من وحشية البراري ، أسرى قتلوا ، هناك من بترت يداه، أو رجلاه، أو من سملت عيناه، مئات فقدوا ولم يعرف مصيرهم.. حتي في نومي حرمت من الاحلام، بل النوم بالنسبة لي هو كوابس تتشكل حتى ما بعد العودة..
يوميا أطلب أن يرزقني الله بنعمة النسيان.. حتى لا أتذكر ذلك الجحيم أو جهنم أو سميه ما شئت.. لكن هيهات أن أنسى..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 25/07/2017