فاطمة الزهراء الحلو آخر من لحن لها الموسيقار أحمد البيضاوي: التراث المغربي والمغاربي كنز كبير لم يتم استغلاله والنمطية عدوي الأغنية المغربية الحالية فيها الجيد والرديء وهناك شباب موهوب وأنوه عاليا بسعد لمجرد

الفنانة فاطمة الزهراء الحلو، فنانة عشقت الفن منذ صغرها، وما أن دخلت ميدان الغناء حتى تعاملت مع كبار المبدعين المغاربة، ويكفي أن الموسيقار أحمد البيضاوي كان آخر من تعاملت معه..، فرغم مرضه، أصر أن يكمل تلحين أغنية وطنية خصيصا لها.
فاطمة الزهراء الحلو، فنانة من الزمن الجميل، أبدعت العديد من الأغاني الجميلة والناجحة، جعلت آنذاك إذاعة «صوت العرب» و»بي بي سي» وغيرهما من الإذاعات العربية تحرص على إذاعة أغانيها التي أدتها بإحساس كبير وبصوت تملك وامتلك كل مواصفات الطرب. حازت إحدى أغانيها على جائزة اليونسكو، وكرمت في العديد من العواصم العربية، واستقبلها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأعجب بصوتها كبار الملحنين المصريين مثل كمال الطويل ومحمد الموجي .
الفنانة المثقفة فاطمة الزهراء الحلو، اشتغلت على التراث المغربي والمغاربي، وترى أن هذا التراث وكذلك الموسيقى لم يتم استغلالهما رغم غناهما وتنوعهما .
الحلو فنانة لها رؤية، ولها أيضا موقف من العديد من النقاط، هنا تسلط الفنانة القديرة فاطمة الزهراء الحلو الضوء على العديد من القضايا التي أثارتها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في الحوار التالي:

 

 فاطمة الزهراء الحلو، أنت فنانة راكمت تجربة متميزة طيلة مشوارك الفني وتعاملت مع مبدعين كبار، منهم الموسيقار أحمد البيضاوي الذي وضع آخر لحن لك قبل وفاته، قربي القاريء أكثر من فاطمة الزهراء لحلو الفنانة ؟
n موهبتي الغنائية ظهرت سنة 1985 بصفة رسمية، حيث ولجت عالم الفن، وقبل ذلك كنت أحب الغناء منذ طفولتي، لكن سنة 1985 تعتبر الانطلاقة الحقيقية لي، عبر أغنية «أحلى طريق» من كلمات الشاعر المغربي عمر التلباني ولحن وتوزيع الأستاذ الكبيرعبد الله عصامي، هذه الأغنية لاقت نجاحا ورواجا كبيرين، حيث كانت تذاع عبر العديد من الإذاعات في المغرب والعالم العربي منها إذاعة «صوت العرب» بالقاهرة وإذاعة «بي بي سي» بلندن، كانت هذه هي البداية؛ لتتوالى بعد ذلك الأعمال الفنية الأخرى.

 ماذا عن تجاربك الفنية الأخرى ؟
n بعد أغنية «أحلى طريق»ن سجلت أغنية «كلنا عشاق «من لحن الفنان محمد كامني، وسجلت أغنية وطنية من ألحان الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي تحمل عنوان «ذكرى المسيرة «، وهي من أروع ما أديت، من كلمات الشاعر الحبيب الإمام، بعد ذلك سجلت خمس قطع غنائية من لحن وتوزيع الفنان عبد الله عصامي، تجربة كانت آنذاك جديدة، حيث اخترنا الأشعار من التراث الأندلسي ولحنت بطريقة عصرية حديثة وبتوزيع جديد، من بين هذه الأغاني هناك أغنية «طيف الخيال «،»النزاهة « من كلمات الشاعر أبو جميل واللحن كان يضم لمسة أندلسية، بعد هذه الأغاني كانت هناك فترة تأمل والبحث عما هو جديد، لأعود وأشارك في أوبريت «العهد» من ألحان عبد الرفيق الشنقيطي، عرضت بدار الأوبرا بالقاهرة إلى جانب العديد من المطربين والممثلين والمخرجين والموسيقيين وأدباء مغاربة بمناسبة الأسبوع الثقافي المغربي المصري، وقد لاقت نجاحا كبيرا، وكتبت عني الصحافة المصرية، وكان الأستاذ الراحل كمال الطويل يريد إهدائي لحنا وكذلك الأستاذ محمد الموجي، لكن لم يكتب أن يتحقق هذا الأمر، بعد ذلك، عدت مرة أخرى إلى القاهرة، وأجريت العديد من المقابلات في الإذاعات والتلفزيون، كما سجلت أغنية «في انتظار القطار» من كلمات الشاعر محمد حاي وأغنية «نشتاق السلام « التي عملت ضجة كبيرة، من خلالها حصلت على عدة جوائز، وتم تكريمي في عدة دول عربية في تونس وفي فلسطين، حيث كنت أول فنانة مغربية تشارك في مهرجان أريحا الدولي الأول، واستقبلت من طرف كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات، ثم المرحوم المناضل الرئيس ياسرعرفات أبو عمار، في مأدبة غذاء، وقد نالت أغنية «نشتاق السلام « الجائزة الأولى من طرف اليونسكو، ووشحت بوسام الاستحقاق الثقافي بتونس سنة 1993 إلى غير ذلك.
 كنت آخر فنانة من تعامل معها الموسيقار أحمد البيضاوي قبل وفاته بأيام قليلة، حدثينا عن هذا التعامل، وما هي ذكرياتك مع الراحل ؟
n ذكرياتي مع الموسيقار أحمد البيضاوي لا تنسى، فقد كنت آخر مطربة غنت له أغنية وطنية بالرغم من مرضه الشديد، كان مصرا على الحضور في البروفات والتسجيل رحمة الله عليه. كل تلك اللحظات التي قضيناها في تهييء الأغنية مازالت صورها راسخة في ذهني.

 في رصيدك العديد من الأعمال الفنية، ما هي الأسماء المبدعة التي تعاملت معها وتركت لديك انطباعات خاصة ؟
n رصيدي الغنائي متنوع، غنيت العاطفي الوطني والأعمال ذات الطابع الإنساني الملتزمة بقضايا الإنسان بصفة عامة والعربي بصفة خاصة، كما غنيت اللغة الثالثة ثم القصيدة العربية واللهجة التونسية في أغنية «فين الإحساس» للفنان التونسي الكبير الراحل رضا الخويني.
تعاملت في بداية مشواري الفني مع الفنان الكبير الأستاذ عبد الله عصامي في عدة أعمال والأستاذ عبد الرفيق الشنقيطي في ملحمة العهد، ثم الموسيقار أحمد البيضاوي ومحمد كامني في قصيدة «كلنا عشاق ومحمد مازري في 6 أغاني من كلمات الشاعر محمد حاي، ومن أشهر هذه الأعمال «نشتاق السلام» التي عملت ضجة كبيرة سنة 1991 التي نلت بها عدة جوائز وتتويجات في دول عربية ووسام الاستحقاق الثقافي في تونس سنة 1993، كما كنت ضيفة شرف في مهرجان أريحا الدولي حيث حظيت باستقبال رسمي من طرف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله ونلت شهادة تقدير من طرف الدكتور صائب عريقات.. وقد حصلت الأغنية على الجائزة الأولى من اليونيسكو، كما غنيت من أعمال الملحن القدير عز الدين منتصر وأيضا تعاملت مع فنانين من خارج المغرب منهم الفنان التونسي رضا الخويني .
الخلاصة أن التعامل مع أي فنان كان مغربيا أو من دول عربية أخرى، هو تعامل مع مبدع له بصمته، واستفدت من كل التجارب الخاصة بهؤلاء الفنانين، وأنا سعيدة بهذا التنوع. وتشكل هذه التجارب إضافة إلى مسيرتي الفنية.

 يلاحظ أنك تعاملت مع فنانين من المغرب وخارجه، وفي مسيرتك الفنية يسجل أنك انفتحت على أنماط متعددة مرتبطة بالأغنية ،لماذا هذا التحول ؟
n بالنسبة للتنوع الذي يميز مسيرتي الفنية، فقد اشتغلت على التراث الأندلسي والمغاربي، كما حرصت على التنوع، وهذا يظهر جليا من خلال الإنتاج الفني سواء في الثمانينيات أو التسعينيات والآن أيضا، حرصي نابع من الطموح في التطور والمزج بين ما هو كلاسيكي وما هو حديث، وهذا طبعا واضح في مجموعة من الأغاني التي أديتها مؤخرا كأغنية «فن بلادي» مثلا التي تتغنى وتضم الموسيقى المغربية بجميع روافدها الأندلسي، الملحون، الغرناطي، العيطة، الطقطوقة الجبلية، الركادة والدقة المراكشية أحيدوس، الأمازيغية والحسانية أيضا، إذ حاولنا المزج بين هذه الأنماط كلها في أغنية مدتها خمس دقائق.
وقد حاولنا فعل ذلك عبر إيحاءات موسيقية،هذه الأغنية من كلمات وألحان الفنان المغربي الشاب الموهوب محمد الشكراوي والتوزيع للموزع المبدع كريم السلاوي.

 أنت مهووسة بالإيقاعات المغربية والتراث المغاربي، إذ تعكسها أعمالك الفنية المختلفة، لماذا هذا الحرص، وما السر وراء ذلك؟
n أنا عاشقة للفن المغربي والمغاربي بصفة عامة، لأن الأغنية المغربية والمغاربية فيها خالدات وروائع جميلة جدا من ألحان وكلمات وأداء المطربين، من واجبنا كمغاربة ومغاربيين أن نعيد تسجيل هذه الخالدات ونستغلها، حتى يتمكن الجيل الجديد أن يطلع ويتعرف على هذا التراث الغني، وهناك أسماء كثيرة في هذا الباب الذين أعطوا الكثير مثل الفنان الهادي الجويني من تونس، كما هناك تراث زاخر في الشقيقة الجزائر التي منه اشتغلت على أغنية «قم ترى» التي أعدت تسجيلها بطريقة عصرية، لكن مع الاحتفاظ على الأصل، وغنيت أغنية «فن بلادي» حاولنا فيها استخدام كل الألوان الموسيقية المغربية بجميع أنواعها..
التراث المغربي والمغاربي غني جدا، والأغنية المغربية تم فيها استغلال هذا التراث والنماذج كثيرة مثل المقتدر عبد الوهاب الدكالي وغيره، ربما هذه الأعمال غير محظوظة، لأنها سجلت في فترة لم تكن التقنيات متطورة كما هو حاصل الآن، بالإضافة إلى الفضائيات المنتشرة بكثرة اليوم، والشباب الحالي أكثر حظا، لهذه الأسباب استطاع إيصال الأغنية المغربية إلى باقي الدول العربية، فكل الوسائل متاحة له، بخلاف جيل الرواد، فالإمكانيات كانت محصورة جدا، من هذا المنبر أريد أن أشيد بالفنان المغربي سعد لمجرد «الله يطلق سراحو « الذي أوصل الأغنية المغربية إلى أبعد الحدود.

 ماذا يميز الفنانة القديرة فاطمة الزهراء لحلو عن غيرها؟
n حاولت أن يكون لي شكل متميز داخل الأغنية المغربية، وأرى أن كل فنان عليه أن تكون له بصمته التي تميزه، ولست ممن يسعون لكي أكون نسخة طبقة الأصل لفنان معين، بل حريصة جدا لكي أكون أنا، وقد أديت أنماطا متعددة من الأندلسي والغرناطي وحتى الفلامينكو بحكم الانتماء الجغرافي و التاريخي المشترك، والثقافة المشتركة أيضا، وبالتالي التأثير والتأثر ضروريان، وأحاول أن أبقى في هذا الإطار الذي اخترته، وسهل أن يتفاعل معه المتلقي غير المغربي.

 ما تقييمك للأغنية المغربية الحالية،هل هي مدرسة قائمة الذات أم مجرد موجة عابرة ؟
n في الظرف الحالي، يصعب علي تقييم الأغنية المغربية الحالية، لكن هناك شباب كملحنين وأصوات يستحقون التنويه، لكن أرى للأسف أن الكلمات غريبة جدا، وهو الحجر الأساس للأغنية، وأتمنى من هؤلاء الشباب أن يشتغلوا على مواضيع لها قيمتها، هناك نقاد فنيون، وهم من مخول لهم النقاش في هذا الموضوع، ومع ذلك كفنانة أستطيع أن أقول هناك الجيد والرديء، وأيضا لدينا شباب موهوب أبان عن موهبته من خلال الأعمال التي قدمها.
للأسف اليوم هناك تشابه في الألحان، والخطأ الذي يرتكبه الجيل الحالي، أن أي عمل يكتب له النجاح يتم استنساخه من طرف الجميع، وهذا خطأ كبير.

 لماذا لم تطرقي باب الأغنية المغربية الرائجة اليوم رغم أنها استطاعت أن تلج البيوت العربية ؟
n الأغنية المغربية غنية وفيها ألوان متعددة، ولا يمكن حصرها في نمط معين ومحدد، المغرب البلد الوحيد الذي نجد فيه غنى تراثيا وموسيقيا بشكل لا يوصف، الأغنية المغربية الحالية، يقال إن كلماتها مغربية، لكنها في الواقع ليس كذلك، والأمر ينطبق على اللحن، وهذا بالنسبة لي يضر ويخدش الهوية المغربية ويجعلها لا تحمل الطابع المغربي الذي هو معروف، صحيح دخلت البيوت العربية أو العالمية؟ كما قلت لأن الأمر أصبح سهلا، وكل أدوات التواصل متوفرة اليوم.

 يلاحظ أن أحد المعايير الأساسية التي أصبحت متحكمة في نجاح عمل معين، هو نسبة المشاهدة في اليوتوب مثلا، ماذا تقولين في هذا المعيار الجديد ؟
n بخصوص نسبة المشاهدة ، فهي ليست مقياسا بتاتا، هذا خطأ فادح يسقط فيه منظمو المهرجانات الذين يعتمدون هذا المقياس في دعوة الفنان للمشاركة، ومن خلال ذلك يتم ظلم العديد من الفنانين والنجوم الحقيقيين.
والكل يعرف هذه القصة، فهي عملية تخضع «للبيع والشراء «و شخصيا تصلني عروض من أجل الانخراط في هذه اللعبة، لكني شخصيا أرفض ذلك بشكل مبدئي، هذا ضحك على الذقون.
في ذات السياق ، كل جيل يظن أنه الأفضل وعلى صواب، إذا لاحظنا مثلا في المشرق العربي، فبعد منيرة المهدية وزكريا أحمد والشيخ درويش وغيرهم، الكل كان يردد أنه من الصعب تعويض هذه الأسماء، لكن جاءت أسماء أضافت للأغنية العربية مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الاطرش واسمهان، يعني كل جيل له رواده، لكن ذلك كان مبنيا على الموهية الحقيقية.

 في السابق أو ما يصطلح عليه بالزمن الجميل، جيل الرواد، يلاحظ أن الأغنية المغربية لم تستطع تجازو حدود الوطن، وكان المبرر أن لهجتنا صعبة، بخلاف ما هو قائم الآن، حيث نجد النجوم العرب يؤدون الأغنية المغربية؟
n لا أعتقد أن اللهجة المغربية هي الحاجز، بل هي تعود، ففي المغرب مثلا تعودنا على اللهجة المصرية والخليحية، بالفعل بعض الشباب الموهوبين اجتهد وأوصل الأغنية إلى العالم العربي، وأكرر أن هناك وسائل وآليات حديثة ساهمت في هذا الأمر، ولو أن المشكل الخاص بالإنتاج مازال قائما، وهؤلاء الشباب شاركوا في مسابقات عربية واحتضنتهم شركات خليجية وغيرها، وهذا مهم جدا، ولم يكن متاحا للآخر. كما أن المغاربة مؤهلين لإتقان جميع اللغات، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي في المغرب الذي له دوره، وأداء الأغنية المغربية من طرف نجوم عرب شيء إيجابي.

 ما جديد الفنانة فاطمة الزهراء الحلو ؟
n الجديد بالنسبة لجمهوري، هناك أغاني جديدة على موقع «اليوتوب» مثل أغنية «فن بلادي» التي هي جديدة في اللحن والإيقاع والتوزيع والأداء، وأغاني أخرى مثل»مجنونة بك أنا «، «لازم ننسى» أغنية جميلة جدا؛ أغنية رومانسية وكذلك أغنية «جاني الغالي» وأغنية «قم ترى «يارفيقي» في انتظار القطار «هو» ومن أهم الملحنين الذين تعاملت معهم الأستاذ شكيب العاصمي في «يارفيقي». وهناك تجربة أداء النشيد الوطني بصوتي، غناء انفرادي وكان من اقتراح مسؤول كبير. وآخر أغنية باللهجة التونسية «تحت الياسمينة «
والمشروع الذي اشتغل عليه عبارة عن أغنية تختلف تماما عما قدمته من قبل، من ألحان المبدع الشاب محمد الشكراوي وكلمات الشاعر ومدير أعمالي رحمه الله رضى الخويني، وقد تأثرت كثيرا برحيله والتوزيع للصديق العزيز كريم السلاوي.

 بخصوص المشاركة في المهرجانات،هناك العديد من الفنانين الذين يشتكون من الإقصاء ، ماذا عنك أنت ؟
n بالنسبة للمهرجانات، شاركت في العديد منها، أهمها مهرجان قرطاج بتونس، حيث كنت ضيفة شرف والمهرجان العالمي موازين ومهرجان أريحا الدولي بفلسطين وغيرهم.


الكاتب : أجرى الحوار: جلال كندالي

  

بتاريخ : 11/08/2017