الكاريكاتور كفن بين الأمس اليوم؟ (1) … تجربتان رائدتان في فن الكاريكاتور بالمغرب: محمد عليوات «حمودة» الاتحاد الاشتراكي والعربي الصبان «العلم»

p ما هو الكاريكاتير؟ منذ متى بدأ استعماله كجنس صحفي بشكله الذي نعرفه اليوم؟
p هل الكاريكاتور مجرد رسم بخطوط عابثة وعشوائية ؟ ولماذا يغيب عن الإعلام التلفزي الوطني ؟
n عندما نقتحم قلعة الأسئلة بهذا الخصوص نواجه مئات الأجوبة ضمن عشرات التمثلات من زوايا ومقاربات متعددة . لكن أهم ما سيلفت نظرنا قبل اللمحة التاريخية لهذا الفن الملهم والنبيل تلك القواسم المشتركة بين معظم هذه التمثلات وهي السخرية الهادفة . وحسبنا أن ننطلق منها لتسليط الضوء على هذا الفن الرائع المبدع والعميق والأشد تأثيرا ضمن تضاريس الأجناس الصحفية .
فالكاريكاتور ليس مجرد رسم بخطوط عابثة وعشوائية فحسب ؟ بل جنس صحفي مستقل و أسلوب مقاومة وطريقة تعبير وهندسة خطوط وبيانات فوق بياض مدروس ، تضفي للوهلة الأولى لمسة ساخرة بل و متنافرة يكون مسرحها ملامح شخصية ذاتية أو عمومية، لكن سرعان ما يتم استبدال قطع غيارها بذكاء مخدوم ما يجعلها أقرب إلى رسوم حيوانية، قد تثير موجات من الضحك قبل أن تتغلغل عميقا لتقود الذاكرة لتنساب بتأن نحو شيء غاية في التأمل والأهمية..
وبهذا المعنى يتطور فن الكاريكاتور ويرقى من خلال المواضيع التي يطرحها ، لقد أصبح الكاريكاتير حقلا تخصصيا موضوعاتيا لمراقبة وتتبع قضايا المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي . إنه أمسى منهجية تفكير وتوجيه ولغة نقدية على مستوى عال من الإشارة والذكاء، بل وأقوى من ذي قبل لصناعة الحدث والتأثير في قراراته . إنه على نحو أكثر دقة ، خطاب نقدي بنكهة رقيب يتم توظيفه ضمن مسارات إبداعية تتماهى مع المعيش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع.
في مجتمعنا المغربي ومع صعود نجم الكاريكاتور كسلاح شديد الفتك يعري يفضح يكشف يستشرف يحيل يشير يذكي يضرم يفتك يفكك … ينتقد الأنظمة في تسلطها وفي مظاهر استبدادها في فسادها في تعفناتها . ويفضح السلطة في أركان فسادها وجشعها . اتضحت الحاجة إلى تملك آليات فهمه وخيطه الناظم . لأنه ومع تعدد استعمالاته التنويرية المتعددة الأوجه ، يمكن أن يكون له وجه دعائي إشهاري أيضا . إنه يزدهر مع تطور الديمقراطية في البلد، وعندما ترتقي حرية التعبير تتنوع مطارحاته وتزدهر مقارباته نضجا واستشرافا .
وفي معالجته القضايا المجتمعية والسياسية فتجدر الإشارة إلى أن كل رأسمال هذا الجنس الصحفي النبيل هي أولا القراءة التأملية الذكية المستوعبة للخطاب الصحفي، أي استيعاب مضمون الحمولة السياسية المراد تبليغها للرأي العام ، ثانيا التشبع بالفكرة التي سيجسدها الرسام أو الفنان على البياض عبر خطوط نارية ليست متطابقة تماما للواقع ، لكنها توظف الانزياح لتتشكل في النهاية صورة ساخرة . تشبه قذائف موجهة بالليزر تصيب أهدافها بمنتهى الدقة وبخسائر أدبية أقل .
بالنسبة للعديد من المهتمين، فثمة إيمان شديد بقدرة الصورة الكاريكاتورية على نقل الأفكار والإشارات القوية بشكل أوضح و أفضل من الكلمات ، ويزداد هذا الوعي ضخامة حين يمتلك الرسام الكاريكاتوري حسا إبداعيا راقيا ، وفهما قويا ، ومقدرة شديدة الدهاء على فهم النص وتطويع فكرته خطوطا ساخرة . إن القدرة على فهم الكاريكاتور وتحليل بياناته تتطور مع صحافة حداثية وديمقراطية وذات خط تحريري ينتصر لصوت الشعب ، ومع تحليلات ومقاربات نقدية جديرة بالتأمل تتحقق مستويات عشق هذا الفن ونعشق مسايرته طبيعة تقلب المجتمع وخطوط انكساراته وهزائمه . فهناك أحداث مجتمعية مؤثرة نجح الكاريكاتور في نقلها بشكل يتفوق على شكل حدوثها الأولي..
ارتبط فن الكاريكاتور والمجتمع المغربي في ذاكرتي بداية الثمانينيات بإسمين مرموقين أحدهما التحق برحمة الله قبل أكثر من عقدين من الزمن ” حمودة حليوات”، وكان صحفيا ينشر رسومه بجريدة ” الاتحاد الاشتراكي” . والثاني العربي الصبان، أطال الله عمره، وقد ظل يؤثث صفحات جريدة ” العلم ” المغربية، ولا أعرف ما فعله به القدر. لكنني أستطيع القول إن مع هاتين التجربتين الرائدتين استطاعت النخبة القارئة المغربية، سواء كانت متحزبة أو دون انتماء، التعرف على فن الكاريكاتور كرسالة إبداعية ملهمة. طبعا ومنذ ذلك التاريخ أنجبت الصحافة المغربية على اختلاف وتعدد انتماءاتها العديد من التجارب اللاحقة التي تهتم بهذا الفن العميق والمؤثر اليوم على صفحات الجرائد اليومية المستقلة وغيرها ، وهناك من تخصص لفترة وأصدر جرائد موضوعاتية همها الوحيد الكاريكاتور وصمدت لفترة، لكنها انهارت لأسباب مادية بحثة تتعلق بانعدام الدعم .

يتبع


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 18/08/2017