فن الكاريكاتور بين الأمس اليوم (2) لماذا ظل التلفزيون المغربي خطا أحمر لهذا الشغب الجميل ؟؟:

مع مرور الوقت، بات فن الكاريكاتير مادة صحفية أساسية في مجتمعنا المغربي، سيما مع اتساع نطاق حرية الصحافة والتعبير خلال العقود الأخيرة، ما شجع رجال الصحافة والإعلام توظيفه بشكل كبير على أعمدة الصحف الوطنية والمجلات الشهرية وغيرها. ولعل أخصب مرحلة سجلها المتتبعون لهذا الفن الجميل في متابعة ومواكبة قضايا المجتمع خاصة في العقود الأخيرة هي السنوات القليلة الماضية، حيث أبدع رسامو الكاريكاتور في إبداع أشكال من السخرية العميقة لشخصيات سياسية وقيادات حزبية بصمت المرحلة….. وفيما اعتبر المتتبعون هذا التطور مؤشرا قويا على حدوث قفزة نوعية في التعاطي مع قضايا المرحلة وتدبير الشأن الاجتماعي بتجلياته الاقتصادية والاجتماعية وهو عين ما ذهبت إليه أقلام النقاد ورجال الصحافة والإعلام من جهة، رأى البعض الآخر في الظاهرة شكلا آخر من الخدمة الإشهارية المجانية وذلك بالنظر إلى كيفية تقبل الزعامات الحزبية والمسؤولين الحكوميين ومدبري الشأن العام محليا إقليميا جهويا ومركزيا لقساوة هذا النقد القاسي في سخريته واللاذع في تعاطيه مع الموضوع لدرجة التعايش معه وقبوله من جهة، باتوا يتقبلون الأمر الواقع ويعتبرون النقد الساخر والمباشر لهم نوعا من تسليط الأضواء الاهتمام وجلب الأنظار واستقطاب الأصوات سيما في فترة الاستحقاقات من جهة ثانية..
وعلى ضوء ذلك، وإذا كان من البديهي انتعاش هذا الفن النبيل وانغماسه في متابعة قضايا المجتمع بالنقد والسخرية اللاذعة أحيانا، فإنه يجدر القول بأن فن الكاريكاتور في وضعه الحالي تخطى مرحلة الجنينية بنجاح مذهل. وتجاوز فترة كان فيها مجرد مادة تكميلية ترفيهية مضحكة أي مجرد عنصر فني تكميلي يزين الصفحات أو يملأ الفراغات البيضاء للجرائد اليومية ويضفي جمالية ما تخفي مؤقتا قساوة العنف المجتمعي الممارس والمعبر عنه كتابة، بل أصبح مادة صحفية أساسية تغري بالتتبع والتأمل وتحيل على الكثير من الالتباسات السياسية وغيرها، وأمست رسومه الساخرة والعميقة التأثير تتصدر الصفحات الأولى للصحف والجرائد اليومية وكذلك المجلات ذات الصدور المنتظم أحيانا.
هذا لا يعني أن طريق هذا الشغب الفني الجميل والمشاكس كانت مفروشة بالورود، خاصة في زمن البدايات زمن التضييق على الحريات وقمع التعبير فيما اشتهر بفترة الوزير الراحل ادريس البصري وسنوات الرصاص. لقد تعرضت رسوم كاريكاتورية للمنع والحجز وتوبع أصحابها ومنهم من تم اعتقاله ومحاكمته، ويحضرني هنا ما تعرض له الكاريكاتوريست إبراهيم لمهادي الذي اشتهر برسوماته مع جريدة «المحرر» الاتحادية الرائدة التي ستحول اسمها لاحقًا إلى «الاتحاد الاشتراكي».
من شبه المؤكد أن انتشار فن الكاريكاتور واحتلاله مساحات شاسعة على صدر صحف المملكة وجرائدها اليومية وغيرها، يعتبر في حد ذاته مؤشرا تنمويا قويا في مجال حرية الصحافة وحرية والتعبير بالمملكة، لكن لماذا ظل التلفزيون المغربي خطا أحمر لهذا الشغب الجميل ؟ فالملاحظ تسجيل غيابه على مستوى الشاشة الفضية بمختلف قنواتها الفضائية والأرضية، فهل الأمر راجع إلى السياسة التي ينهجها الإعلام التلفزي وعدم انفتاحه على الانتظارات المطلوبة والآفاق المنتظرة للرأي العام الإعلامي وحاجته الأكيدة في التنوع الفني والارتقاء الإعلامي بصريا؟ أم أن هذا النقد أضحى قاسي الارتيادات صعب الاحتمال في قساوته وتعاطيه مع زعماء تدبير قضايا الشعب ومشاكله بالمرونة الممكنة؟
يكفي تحويمة بسيطة حول برامج التلفزة المغربية بمختلف قنواتها الموضوعاتية وغيرهاليتأكد الجميع أنها بعيدة كل البعد عن التعاطي مع هذا الفن الجميل وهي مسألة جديرة بالتفاعل والنقاش اليوم أكثر من أي وقت مضى .
فإن الباحث المتخصص لا يكاد يعثر في شاشاتنا الفضية على برنامج واحد يخصص للتعريف بالكاريكاتور والمهتمين بهبل يستحيل العثور على فقرة تعتمد في جزء منها أوكلها على الكاريكاتور رغم توفر المغرب على أكثر من 8 قنوات تلفزية فضائية وغيرها. علما أن واقعنا السياسي والمجتمعي في جزئه الكبير كاريكاتوري بامتياز خطب الوزراء وزعماء السياسة وتدخلات البرلمانيين وخطب الفقهاء وسلوك بعض رجال السلطة كلها مواقف كاريكاتورية يجدر التفاعل معها. يحدث ذلك رغم التلفزة من المفروض أن تكون أحد أهم العوامل في انتشار الكاريكاتير، لكنها ظلت عندنا ولعقود متتالية ظلت تتوخى الحذر وتفتقد الجرأة، وتتصرف وفق منطق وقضيناها بتركها. لتأخذ بذلك مسافة معينة للتعامل مع فن الكاريكاتور، والكاريكاتوريين عموما، بل تخشاهم وتعتبرهم حقول ألغام أرضية أو قنابل موقوتة الانفجار تحتاج إلى جهد كبير لتفكيك طلاسمها وتجنب مخاطرها. بل على العكس من ذلك، وبعيدا عن الرسميات فقد وجد هذا الفن حيزا جمعويا ولو ضيقا في الملتقى السنوي للكاريكاتير في مدينة شفشاون، بشمال المملكة، وهو أفق شاسع الانتظار ويحتاج منظموه إلى مساعدة كبيرة للصمود والتحدي
وتبرز هذه الإطلالة التاريخية ظهورأول رسوم كاريكاتيرية مهم في أوروبا خلال القرن السادس عشر الميلادي. وكان معظمها يهاجم إما البروتستانتيين وإما الرومان الكاثوليك خلال الثورة الدينية التي عرفت بحركة الإصلاح الديني. وأنجبت بريطانيا عددا من رسامي الكاريكاتير البارزين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وقد اشتهر وليام هوجارث برسوماته الكاريكاتيرية التي انتقدت مختلف طبقات المجتمع الإنجليزي. وأبدع جورج كروك شانك، وجيمس جيلاري، وتوماس رولاندسون المئات من الرسوم الكاريكاتيرية اللاذعة حول السياسة والحكومة في إنجلترا.
الكاريكاتير (بالفرنسية: Caricature) هو فن ساخر من فنون الرسم، وهو صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي، فن الكاريكاتير له القدرة على النقد بما يفوق المقالات والتقارير الصحفية أحياناً. والكاريكاتير اسم مشتق من الكلمة الإيطالية «كاريكير» (بالإيطالية: Caricare)، التي تعني «يبالغ، أو يحمَّل مالا يطيق»، والتي كان موسيني (M0sini) أول من استخدمها، سنة 1646. وفي القرن السابع عشر، كان جيانلورينزوبرنيني (Gian Lorenzo Bernini)، وهو مثّال ورسام كاركاتيري ماهر، أول من قدمها إلى المجتمع الفرنسي، حين ذهب إلى فرنسا، عام 1665.وقد ازدهر فن الكاريكاتير في إيطاليا، فأبدع الفنانون الإيطاليون كثيراً من الأعمال الفنية. ومن أشهرهم تيتيانوس (1477-1576)، الذي عمد إلى مسخ بعض الصور القديمة المشهورة، بإعادة تصويرها بأشكال مضحكة.» عن ويكيبيديا


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 19/08/2017