على إثر الركود الاقتصادي بمدينة فاس : الصناعة التقليدية تبحث عن أسواق لها بإفران وتازة..

 

دفع الركود الاقتصادي الذي تعاني منه العاصمة العلمية للمملكة ثاني أكبر مدينة بالمغرب من حيث إجمالي الساكنة والذي يزيد عن مليونين نسمة حسب الإحصائيات الأخيرة، والذي حولها من منطقة رئيسية في شمال المغرب وقطب مركزي لنيل العلم والمعرفة وتحصيل الدين من مختلف الأقطاب عبر جامعة القرويين أقدم جامعة بالعالم، إلى عاصمة البطالة والركود الاقتصادي بامتياز يتخبط جل ساكنتها في مشاكل اجتماعية مختلفة ناجمة عن قلة الشغل ونذرة المشاريع السياحية والاقتصادية المشغلة لليد العاملة، )دفع( بغرفة الصناعة التقليدية لجهة فاس- مكناس إلى البحث عن مكان آخر لتسويق منتوجات الصناعة التقليدية بالجهة، فوقع الاختيار على مدينة إفران التي تعرف في هذه الفترة من السنة إقبالا سياحيا من لدن المغاربة والأجانب على حد سواء، وذلك من أجل ضمان مشاركة أكبر للصناع التقليديين.
هذا، وقد عرفت هذه التظاهرة المنظمة من قبل غرفة الصناعة التقليدية لجهة فاس- مكناس بشراكة مع دار الصانع والمديرية الجهوية للصناعة التقليدية، إلى تمتد إلى غاية 27 غشت الجاري، حول موضوع: «الصناعة التقليدية: جودة وإبداع»، مشاركة حوالي 120 صانعا تقليديا بجهة فاس- مكناس المشهورة بصناعتها التقليدية العريقة، يعرضون آخر إبداعاتهم في المعرض الجهوي للصناعة التقليدية بإفران، مساهمة في تثمين مجهود الصناع التقليديين وتشجيعهم على الابتكار وتطوير منتجاتهم.
ويضم المعرض مختلف الحرف والمهن التقليدية منها، على الخصوص، صناعة النسيج والنحت على الحجر والخشب والمصنوعات الجلدية واللباس التقليدي والديكور والسيراميك والصباغة على الزجاج والدرازة والحياكة واللباس الأمازيغي والصحراوي والطرز اليدوي والزريبة التقليدية وفن الحدادة، فضلا عن منتوجات فنية تستعمل للزينة.
ويتطلع الصناع والحرفيون إلى تنظيم معارض جهوية مماثلة في كل تازة ومكناس بحثا عن أسواق تكون بديلا عن السوق الفاسي الذي يعرف تراجعا ملموسا، حيث لا يخلو كلام المقاهي والشوارع من قلة الشركات والمشاريع السياحية والاقتصادية التي تلعب دور محوري في النهوض بأي مدينة كما كان تاريخها وحجمها وعدد نسمة قاطنيها، ما يحيلنا على طرح سؤال جوهري هام… أي مستقبل لمدينة يزيد عمرها عن 1209 سنة ؟.
وفي صرخة خلال لقاء جمع التجار بفاس مؤخرا، حذر جواد المرجوم مستشار بغرفة الصناعة بجهة فاس-مكناس مسؤولين المحليين والجهويين من مغبة الاستمرار في الصمت وعدم فتح قنوات الحوار ودعم الاقتصاد بشكل تشاركي شفاف مكثف.
إذ لم يشفع لأعرق مدينة بالمغرب لا حضارتها ولا تاريخها ولا عراقتها في البقاء أقوى اقتصاديا بين مدن المملكة، ما دفع سكانها لاثارت نقاشات خلصت إلى المطالبة بجلب استثمارات للمدينة وتسهيل المساطر القانونية والإجراءات المعمولة بها للمستثمرين من أجل تشجيعهم على خلق مشاريع كبرى يكون لها وقع ايجابي على المدينة وساكنتها بتوفير مناصب للشغل وتحسين القدرة الشرائية للمواطن الفاسي على الخصوص وإنقاذ الشباب من جحيم البطالة التي لا تنتج سوى الإدمان الذي جعل من أحياء الحاضرة الادريسية بؤرا للتوتر وتزداد حدة الجريمة في مختلف النقط الحساسة لا سيما التي تعرف حركة اقتصادية وسياحية وتجارية.
هذا، وتعيش فاس على إيقاع ركود اقتصادي مستمر تسبب في تنامي البطالة وعدة ظواهر منحرفة وكذا إفلاس العديد من المشاريع الاقتصادية، وبالرغم من مجهودات الملك محمد السادس عبر سياسة التأهيل والترميم ومخططات الإنقاذ فما تزال المدينة مستمرة في التزحلق الى أسفل مجهول، حيث كانت تصنف في المرتبة الثانية على المستوى الاقتصادي بعد مدينة الدار البيضاء بل كانت تنافسها في بعض الأحيان، أما على مستوى قطاع السياحة والصناعة التقليدية فقد كانت تتمركز في الصف الأول وطنيا بدون منازع، وكانت تستحق عن جدارة أن توصف بفاس والكل في فاس.
كانت الحاضرة الادريسية إلى عهد قريب مركز استثمارات، تغري رجال الأعمال المغاربة والأجانب، وهو ما يؤكده العدد الكبير من المعامل والشركات الكبرى التي كانت متمركزة بها، وعلى الخصوص بالأحياء الصناعية سيدي إبراهيم والدكارات، والتي كانت تشغل نسبة كبيرة من اليد العاملة الفاسية وغيرها، ومن بين أهم هذه المعامل نذكر «كوطيف» لغزل النسيج الذي كان يعتبر الأكبر على المستوى القاري، والذي أصبح في السنوات الأخيرة مجرد خراب وأطلال، بعد إفلاسه وإحراقه.
وقد كان المجلس البلدي الاتحادي الذي كان يسير شؤون المدينة في تلك الفترة، أي مجلس 1983 يوفر كافة الشروط للرقي بها وإبقائها في صدارة المدن المغربية، إلى أن جاء الإضراب العام، لتنقلب الأمور رأسا على عقب، فتدخل المدنية في نفق مظلم، إذ ضرب حصار اقتصادي كبير على هذه المدنية على جميع المستويات…وانتشرت الجريمة بشكل خطير، التي جاءت نتيجة لعدة عوامل، أهمها الهجرة القروية والبطالة وعدم اعتماد مقاربة أمنية حقيقية.
كل هذه الأسباب والمسببات جعلت الأغلبية الساحقة من رجال الأعمال والمقاولين من أبناء المدينة، يشدون الرحال إلى وجهات أخرى مثل الدار البيضاء ومراكش والرباط والقنيطرة وطنجة، لتبقى فاس مدينة للأشباح وانسداد الآفاق..أمام غياب إرادة التغيير.
وفي تغريدة، علق الأستاذ حسن محب، أحد نواب رئيس المجلس الجماعي لفاس، على صفحته الفيسبوكية، بعدما كثر الحديث عن فاس وتفاوتت النعوت من الأزمة الى السكتة الى الكارثة، قائلا، أن هذه النعوت لم يسلم منها المغرب ككل في جميع المجالات والميادين، مشيرا، أن واقع فاس لا يرضي أحدا بما فيهم المكتب المدبر لجماعة فاس رئيسا ومستشارين، موضحا، أن هذا واقع ليس وليد اللحظة، انه نتاج مجموعة من التراكمات ومجموعة من التجارب من التدبير التي عرفت إخفاقات كما عرفت  إنجازات في الوقت ذاته، لأن المدن كما الحضارات تبنى عبر التاريخ بجهود مشتركة ومتتالية.
بينما تسأل الدكتور علال العمراوي، برلماني عن فاس الشمالية، عبر صفحته الخاصة، حول من له المصلحة في ما يقع اليوم لمدينة فاس؟؟، موضحا، أن مظاهر التقهقر التي تعرفها المدينة من تراجع مهول للنشاط الاقتصادي، ومن تآكل للبنيات التحتية وتردي للخدمات الاجتماعية وتغييب للإشعاع الثقافي وغياب أي دعم لمبادرات شبابنا وإبداعاتهم وابتكاراتهم وما يقابله من زحف مخيف للإجرام بشتى أنواعه ومن غياب لعروض الشغل وانسداد الآفاق أمام الشباب وتمكن العشوائية من التجارة بشوارع وأحياء المدينة….هي مظاهر مقلقة تطرح أكثر من سؤال…، مبرزا، أن المخططات التي استفادت منها عدد من المدن باستثمارات مهيكلة بملايير الدراهم كطنجة الكبرى والدار البيضاء والرباط والمغرب الشرقي والحسيمة منار المتوسط…هي مبادرات يستحسنها الدكتور علال، في الوقت عبر بحسرة لغياب أي تصور تنموي لفاس ولجهته، حسب تحليل المتحدث، معلنا، ضم صوتي للأصوات التي تدق ناقوس الخطر وتقول كفى عبثا، كفى تجاهلا لمدينة فاس!!!


الكاتب : حسن عاطش

  

بتاريخ : 29/08/2017