في حوار مع الشاعر والروائي منير السرحاني: لم أغادر القصيدة والرواية لا تعوض الشعر

يعتبر منير السرحاني من الكتاب المغاربة الذين فرضوا نفسهم بقوة في الساحة الأدبية المغربية، خاصة في مجال الشعر والرواية باللغة الفرنسية. فقد نشر الكاتب مجموعة من المؤلفات في مجال الشعر والرواية والنقد والفلسفة، وترجم العديد من الدواوين الشعرية من العربية إلى الفرنسية، الأمر الذي جعله من الأسماء المرموقة في المشهد الثقافي المغربي المعاصر. كما أنه كان من الكتاب الذين انتقدوا بشدة تعامل وزارة الثقافة اللامفهوم، إذ أقصت الرواية الفرنسية من المسابقات الأدبية التي تنظمها هذه الأخيرة. وقد استغرب السرحاني كثيرا من هذا التصرف الذي يدل على الإقصاء وعدم الاهتمام بمجال أدبي له قيمته الكبيرة عند القراء والنقاد. فالرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية معروفة على الصعيد العالمي وتلقى إقبالا كبيرا من القراء. وعليه، فقد نشر منير السرحاني روايتين كانتا كافتين ليفرض بهما نفسه في المشهد الأدبي المغربي. كما أن ميول الكاتب إلى الاهتمام بما هو اجتماعي وفني، جعله ينفرد في تصوره الأدبي عن باقي الأدباء والشعراء المغاربة. وما يثير لغة القارئ في نصوص السرحاني، هو حفاظه على اللغة العميقة ذات الإيحاءات المتعددة والتي تستمد قوتها من الإرث الشعري للكاتب.
ومن هنا، فإن المتتبعين لمسار السرحاني، يعرفون جيدا أنه من الأمثلة النادرة لمثقف يجمع بين الكتابة والنقد والترجمة والفلسفة. فالتعدد دليل على المعرفة الموسوعاتية التي يمتلكها، مما يحفز القراء على قراءة أعماله سعيا منهم إلى اكتشاف عوالم أدبية وثقافية تتسم بالتجديد والإنفراد. إن منير السرحاني، يهتم كثيرا بالفن والفنانين، وهذا الاهتمام جعله يخصص رواية للفن كرد اعتبار ومحاولة منه إلى تحسيس القراء بضرورة الفن في عصر يعرف نوعا من الانحرافات والأزمات بكل أشكالها. ويجب أن نشير إلى أن الشاعر والمترجم المغربي منير السرحاني، فاز بجائزة الإبداع الأدبي التي تنظمها القناة الثانية سنة 2013، واعتبرت رئيسة لجنة التحكيم للشعر بالفرنسية الدكتورة كريمة يتريبي أن العمل الفائز لمنير السرحاني، عمل له من الخصوصيات ما يجعله متميزا عن غيره، حيث يعبر عن تجربة ناضجة في الكتابة طوع فيها صاحب العمل اللغة وامتطى صوتها بسلاسة،
مشتغلا على الصور والاستعارات
والمجازات بكيفية احترافية.
وقد أصدر الكاتب حديثا رواية بعنوان «الهونغار» أو (السقيفة، المخزن) ،عن دار أوريون. وتتكون الرواية من 200 صفحة، يتطرق فيها الكاتب إلى موضوع مقتني اللوحات الفنية من سوق الفن ومن الفنانين التشكيليين. تقع أحداث هاته الرواية، في مدينة الرباط حيث يفتح الكاتب للقارئ نوافذ عالم الفنون التشكيلية ومعاناة الفنانين ضحايا أولئك الذين يستغلونهم دون أخلاق ولا إنسانية.
o كيف كان أول اصطدام لك مع الأدب، هل كان شغفا منذ الصغر، أم أن الاهتمام الأكاديمي كان وراء ذلك؟
n ولدت بمدينة صغيرة بشمال المغرب، أعني مدينة القصر الكبير، حيث إني تعلمت تصفح الكتب وقراءتها بحب على يد والدي رحمه الله الذي كان محبا للأدب وللغة العربية. الآن، أكتب باللغة الفرنسية، لكن مرجعياتي الأدبية والفلسفية متنوعة. وأمارس مهنتي كمكون بالتعليم العالي غير الجامعي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالرباط. وأخيرا وليس آخرا، نشرت إلى حدود الْيَوْمَ عشرات من الكتب شعرا وفلسفة وترجمة ورواية.
o ماهي الدوافع التي جعلتك تختار الرواية كبديل عن الشعر؟
n لا يمكن للرواية تعويض الشعر. لم أغادر القصيدة. ولا أعتقد أنه بإمكاننا تفضيل صنف على الآخر. كتبت الرواية من موقعي كشاعر ولا أظن أن الشعر فارقني وأنا أمارس السرد. والدليل هو النصوص الشعرية التي كتبتها في نفس الفترة. وهكذا فالرواية استراحة للشاعر والعكس صحيح، ربما.
تتعدد أعمالك ما بين الشعر والنثر والترجمة والنقد والفلسفة، ويلاحظ أنك تشتغل كثيرا على الجانب اللغوي في أعمالك. كيف تتمخض كتابة الشعر والرواية لديك، وهل هي مستوحاة دائما من الخيال، أم تعبير عن حالة اجتماعية أو سيكولوجية خاصة؟
صحيح. كتبت ثلاثة دواوين شعرية: «الذهاب إلى السواد»، «عشت من انتظارك» و»عارية كليل». وكما كتبت كتبا فلسفية: «الاسلام وخطر التأويل»، «دراسة نقدية» لرواية أحمد الصفريوي، فضلا عن روايتين: «ليست هناك لحية ملساء» و»المخزن». وفي ذات الوقت ترجمت العديد من الدواوين. ولكن شغلي الشاغل هو الكتابة، وأمارسها بشكل يومي. إن الحب الذي يجمعني باللغة عموما والفرنسية خصوصا، لا يتيح لي فرصة تحديد الجنس الذي أكتب فيه قبليا بل يأتي هكذا. أقصد أن مزاجي يتحكم في كتابتي. لذلك فالرواية بالنسبة لي خيال يصب في الواقع؛ لأن الواقع يتجاوز أحيانا قوة الخيال والخيال يرقع ما نسيه الواقع.
ككاتب باللغة الفرنسية، ما موقفك من الساحة الأدبية المغربية وخاصة مسألة تلقي النصوص الروائية والشعرية عند القراء المغاربة؟
القارئ المغربي ذكي ويجيد قراءة ما يحب. لكن القراءة كسلوك حضاري تعاني في بلادنا لأنها مرتبطة بالنفعية عموما. نحن في بلد لا يتعدى فيه معدل القراءة دقيقتين في السنة! والساحة الثقافية والأدبية في «حراك» مستمر، غير أن هذه الدينامية لا تتغذى إلا من كفاءات فردية وعبقريات تتعلق مثل غريق في قشة هشة. إن الشعب الذي لا يدرك قيمة الثقافة لا يعول عليه، في نظري. أما في ما يخص مسألة تلقي النصوص الروائية والشعرية، فيمكن أن أقول إن الشعر فقير من ناحية القرّاء والرواية تتفوق أحيانا من حيث الإقبال … لذلك ينبغي علينا ككتاب أن نذهب نحو القارئ ..
o قُمتَ بترجمة العديد من الأعمال الشعرية، كما أن الطابع الشعري حاضر أيضا في أعمالك الروائية، هل الشعر يؤثر في أعمالك الأدبية، أم أنه أسلوب ممنهج يتماشى مع ركائز الأدب الحديث؟
n لقد ترجمت لشعراء مغاربة لهم وضعهم الاعتباري أمثال محمد بنيس، حسن نجمي، محمد الأشعري، مراد القادري وأسماء من الجيل الجديد أمثال فؤاد الشردودي ونزار كربوط وغيرهم. وفي حقيقة الأمر، فإن ترجمة الشعر مهنة نبيلة وفِي نفس الوقت جاحدة! من إيجابياتها أني تخلصت من أنايا التي قد تتضخم وفضلت أن أترجم للآخرين. وعلى الرغم من كل ذلك، فمن سلبياتها أنها لا تعطي المترجم حقه خاصة في بلد لا يشجع الترجمة ولا يوفّر إمكانية الذهاب بنصوصنا كمغاربة نحو آفاق أخرى. كذلك لا أعتقد أن الترجمة ستستهويني مستقبلا.
من كله هذا، فالشعر حاضر باستمرار في كتابتي الروائية. وأجد نفسي شاعرا روحا وجسدا. بالفعل، قد يغار الشعر من الرواية، لكني أحاول قدر المستطاع العدل بينهما دون أن أسقط في شعرنة السرد! أعني أن القصيدة هي تلك القدرة على الاختزال وممارسة السرد بعيدا عن الوصف التقليدي، الذي لم يعد يغري القارئ المعاصر. وهذا يصب في إبراز أن الرواية منفتحة على جميع الأجناس، ومن ثمة تكون هذه الخاصية واحدة وليس كل محاسنها.
في روايتك الأخيرة Le Hangar وهي بالأساس رواية فنية تهتم بالفن، ما هي الأسباب التي دفعتك لكتابة هذه الرواية وما الغرض منها في وقت يعرف فيه الفن نوعا من الإهمال في المشهد الفني والأدبي المغربي؟
n إن مما لا لبس فيه، أن رواية «الهونغار» أو المخزن، هي رواية عن ألم الفنان الذي يعاني فن الألم. فجامع اللوحات يعيش من تعب ومن عبقرية الفنانين الذين رمى بهم القدر بين أياد لا يهمها سوى الربح السهل والتسويق للفن دون أدنى احترام أو تقدير للجمال. تبدو الشخصية الرئيسيّة وحشا يعاني جنون العظمة بعدما اقتنى بطرق لا تخلو من السادية آلاف اللوحات يخزنها في هونغاره الشاسع ويتأملها كل مساء؛ فتكبر أناه يوما بعد يوم حتى يبلغ أقصى درجات الغرور، إن لم نقل الألوهية. صار له اعتقاد كلي أن الموت لن يطاله ما دام يملك هذا الكم الهائل من اللوحات كما يستعبد أصحابها. لا الفن يهمه ولا الخطاب التشكيلي يشغل باله؛ وحدها اللوحة تأسره! هذا الاحتيال على الفنانين لا يكتفي بإرغامهم على الرسم كعمل يومي بل يصل إلى تعذيبهم إن عصوا سيدهم. تذهب بِنَا الرواية إلى فضاء تسود فيه الجريمة والعقاب. صحيح أن الشخصيات مغربية والفضاء مغربي، غير أن الأحداث يمكن أن تقع في كل مكان من هذا العالم.
باختصار، ليست لدي رسالة أمررها من خلال هذه الرواية. فقط أحكي كوابيس مهنة الفن ومتاهات هذا العالم، الذي لا نعرف عنه سوى تلك الواجهة المجمَّلة!
o سبق وانتقدت بشدة مسألة إهمال الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية في المسابقات والجوائز الأدبية، خاصة جائزة وزارة الثقافة، ما موقفك وهل تعتبره إهمالا ممنهجا وتقليلا من مكانة الرواية المكتوبة باللغة الأجنبية؟
n يبدو أن الامر صار بديهيا في تقديري؛ أي أن جائزة المغرب للكتاب لا تكرّم سوى الكتاب المغاربة الذين يكتبون باللغة العربية. أما أولئك الذين اختاروا أن يعبروا عن حساسيتنا وجغرافيتنا بلغة أخرى كالأمازيغية أو لغات أجنبية كالفرنسية فيشاركون لتأثيث الفضاء. المسألة مؤسفة جدا والقضية أكبر من الجائزة؛ لأننا بهذا الاقصاء (الذي لا أعتقده ممنهجا لأنه فقط أتوماتيكي أو عُرف أو شيء من قبيل الصدف المبرمجة!) المهم هو أن الجائزة الوطنية الوحيدة التي تمنحها وزارة الثقافة تجعلنا ككتاب مغاربة نكتب بالفرنسية نخسر ونحن نشارك بثماني نسخ نضيعها في رفوف الوزارة، لكي يكتمل ديكور مغرب التعدد… وهذا غيض من فيض (لا أعرف إن كانت العبارة صحيحة!!). عموما، مسألة لغة الكتابة إشكالية مستهلكة … أنا كاتب مغربي رغم أنف الجوائز والمؤسسات.
كاتب وناقد مغربي


الكاتب : عثمان بوطسان *

  

بتاريخ : 05/09/2017