في حوار مع ليلى سليماني على هامش صدور كتابها «الجنس والأكاذيب: الحياة الجنسية في المغرب»:

ربط مسألة البؤس الجنسي بالإسلام بمفرده ربط اختزالي
الجنس في العالم العربي يندرج ضمن المحرمات الأساسية

 

صباح يوم الأربعاء 6 شتنبر الجاري، احتل واجهات مكتبات فرنسا والعواصم الناطقة كليا أو جزئيا بالفرنسية، المؤلف الخامس والأخير للكاتبة المغربية ليلى سليماني الحائزة على جائزة غونكور المرموقة. في هذا الكتاب الصادر تحت عنوان «الجنس والأكاذيب: الحياة الجنسية في المغرب»، تهجر المؤلفة جنس الرواية الذي تألقت في صياغته ضمن «في حديقة الغول» (2014) و»أغنية هادئة» (2016) لتستقر على ضفاف التحقيق والبحث والفكر، مقتحمة مجال تحرير الكلام حول الجنس كتيمة تندرج ضمن المحظور مغربيا، وملخصة مقاربتها بحكم مفاده أن «الحقوق الجنسية جزء من حقوق الإنسان».
وفي نفس اليوم، صدرت أيضا نسخة مستوحاة من المؤلف على شكل رواية من نمط كتب الأشرطة المصورة (نص: ليلى سليماني، رسوم: ليتيسيا كورين)، وذلك عن نفس دار النشر «ليزارين» تحت عنوان
«كلمات شرف».
الكتابان معا يقدمان للقارئ المفترض شهادات نساء موزعات بين خرق القانون والخنوع، ويصفان مجتمعا منفصم الشخصية حيث لا خيار ثالث للنساء غير البكارة أو الزواج، وحيث غشاء العذرية مبجل يسبب الكثير من المآسي الشخصية: الانتحار والإجهاض السري والتعنيف…
قبل توزيع الكتابين في المكتبات بمناسبة الدخول الأدبي الخريفي بفرنسا، وكما تقتضي ذلك آليات ترويج الكتب والتعريف بها الجاري بها العمل في عاصمة الأنوار، حصلت الصحف والمجلات الصادرة في فرنسا على نسخ منهما، ومعها نقاد الأدب العاملون بها، ما جعل المقالات حول المؤلفين وقراءاتهما تصدر في العديد من العناوين الإعلامية قبل نزولهما إلى نقط البيع. وإذا كانت جل هذه «المقبلات» الصحفية قد احتفلت بالعملين، فإن طلبات إجراء حوارات صحفية تهاطلت على موقعتهما لنيل السبق، وذلك قبل أن تفرض «أجندة» الماركوتينغ الثقافي السائدة في الكوكب الباريسي الذي يبدو منتميا لمجرة لا علاقة لها بمغرب النشر والكتاب، على ليلى سليماني الانتقال ليلا ونهارا بين القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية.
من الحوارات التي أنجزت مع موقعة الأثرين الورقيين الحوار، الذي نقترح ترجمته أسفله على قرائنا، والذي نشرته يومية «ليبراسيون» الباريسية ضمن عددها المزدوج المؤرخ في 2/3 شتنبر 2017.
تصفين مجتمعا مغربيا تنخره ثقافة مُمَأسسة للكذب بمجرد ما يتعلق الأمر بالحياة الحميمة، ما يشجع ممارسة جنسية عنيفة…

الحجب والكذب يموقعان بالفعل الحياة الجنسية ضمن دائرة سمتها البؤس. فقدان البكارة في المغرب يرميك خارج القانون. لذا، تفضل بعض النساء الجنس الشرجي على فقدان بكارتهن. بينما لا تجرؤ أخريات على التصريح بكونهن تعرضن للاغتصاب، ذلك أن محيطهن قد يعتبرهن مذنبات ولسن ضحايا. لهذا يصبح من الممكن الحديث عن بؤس جنسي، وهذا واقع جد مؤلم وخطير بالنسبة للنساء. وحتى في حالة اختيار الخروج عن القانون، فإنه من الصعب عمليا إشباع هذه الرغبة لأن العشاق لا تتوفر لهم فضاءات للقاء، فيلتقون في السيارات أو الغابات أو الشواطئ، ما يولد مخاطر على المستوى الصحي نظرا لوجود أمراض ولاحتمالات الحمل: المغرب يعرف يوميا 600 إجهاض سري. لكن الأمور تتطور. لقد انفلتت عدة قضايا اغتصاب وزنا محارم من دائرة الكتمان، وهو ما لم يكن ممكنا في السابق، ما يفرض عدم ترك الصمت يسود.

لماذا لم توسعي نطاق تأملك ليشمل بقية الدول الإسلامية حيث نصادف الإشكاليات ذاتها؟ أليست هذه النظرة إلى الجنس مرتبطة أيضا بالإسلام؟

للدين تأثير على الطريقة التي تصوغ علاقتنا بالجنس، علما بأن الدين أدمج ضمنه مؤسسات أبيسية سابقة له وأعاد تشكيلها ورسخها، لكن القول بأن المشكلة مجرد مشكلة مرتبطة بالإسلام فحسب حكم اختزالي. لا أريد حصر قضية البؤس الجنسي هذا ضمن تفكير ديني بمفرده، تفكير سيضفي، في نفس الوقت، طابع الماهوية على المسلمين والمجتمعات المسلمة. إن القضية تتجاوز كونها مسألة شريعة، بل هي أولا وقبل كل شيء مسألة محافظة اجتماعية وثقل الأبيسية. القوانين الضابطة للجنس في المغرب مستمدة من قوانين عهد الحماية أكثر مما هي نابعة من الإسلام، وهي مستنسخة من الترسانة القانونية النابوليونية (نسبة إلى نابوليون الأول) والفرنسيون هم الذين أدخلوها إلى البلاد. القانون المغربي ليس هو الشريعة والمغرب ليس العربية السعودية: يد السارق لا تقطع فيه ولم يعد ممكنا تطليق الزوجة بإشارة يدوية، مثلما صار تعدد الزوجات نادرا. إن المجتمع المغربي يتطور وهناك نقاشات دائرة فيه حول عدة قضايا من بينها على سبيل المثال إرث النساء. ويجب أن تستمر قراءة النصوص وتأويلها في مجال تطبيقها ضمن القانون في التطور، لكي تتم الملاءمة مع الحداثة وأنماط العيش الحالية.

هل من الممكن التحرر في رحم دول يحكمها الدين، أي الإسلام في الحالة التي نتحاور حولها؟

أعتقد أن هذا ممكن: من واجبنا جميعا، داخل المجتمعات المغاربية، أن نشرع في التفكير ليس حول الإسلام فقط، بل حول مشروعنا المجتمعي. بالفعل، نحن مسلمون، لكننا كذلك مواطنون باستطاعتنا المطالبة بحقوق كونية. علينا أن نعرف أنفسنا تعريفا إضافيا لهويتنا الإسلامية. يقول لي بعض الناس: «هذا مستحيل بسبب الإسلام». لا يمكنني الإيمان بهكذا قول. إذ ما معنى اعتقاد هذا؟ معناه أن الجمود قدر مجتمعاتنا الحتمي… المسلمون ليسوا أقل تقدمية من الآخرين. ربما الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم. تكمن مشكلة الإسلام في كون التفسير قد أنجز من طرف الرجال خدمة للرجال ومن أجل التفضيل الدائم لوضع الذكور. المسألة تكمن برمتها في التفسير والتأويل.

ومع ذلك، وبين كماشتي وزر التقاليد والدين، كيف السبيل إلى تطوير مجتمع حيث النساء يجسدن أيضا حارسات هذا المعبد الأبيسي؟

أغلبية المغاربة لا يفكرون مثلي، لكنني أظن أن النضال من أجل الاختلاط بين الجنسين هو أيضا نضال من أجل حق الآخر في الوجود، الآخر الذي لا يفكر مثلي. أنا أطالب بحق الانتماء لأقلية، وهو ما يستلزم عدم الاستسلام لخوف ما أو للرقابة الذاتية أو للائق سياسيا. ثمة إسلاميون يقولون لك: «هذا مقرف، أنت لست مسلمة حقيقية». وهناك أيضا كثير من النخب التقدمية تقول لك: «لا يجب تحريك هذه البركة الآسنة، ستتغير الأشياء ببطء، من اللازم التسلح بالصبر، لماذا تثيرين الموضوع في فرنسا؟ لا يجب أن ننشر غسيلنا الوسخ عند الآخرين». أنا أرفض هذا. دول المغرب الكبير تعاني من مشكلة مع الأقليات، مع من هم مختلفون. إنها تضفي قيمة مبالغا فيها على المعيار والجماعة، ومن ثمة فمن اللازم أن يكون المرء مثل الآخرين وأن يفكر مثلهم، مثلما عليه في حالة العكس أن يعمل على أن يعلم أحد بالأمر.

سنة 2016 وبتزامن مع أحداث كولونيا بألمانيا، كتب كمال داود: «الجنس أكبر بؤس في عالم الله»، ما أدى إلى وسمه بكراهية الإسلام. ما سبب مثل هذه الحرب الكلامية؟

عبر كمال داود عن واقع قائم، فالجنس في العالم العربي يندرج ضمن المحرمات الأساسية. أنا أدافع عن هذا الكاتب، وهو يمنحني الشجاعة. مسؤوليتنا أن نكتب ونتكلم وألا نمارس الرقابة الذاتية. من واجبنا الاضطلاع بدور بيداغوجي إزاء بلداننا، ولكن كذلك حيال الغرب الذي لديه نظرة للبلدان المسلمة مغرقة في الماهوية. وعلاوة على ذلك، فما كتبه كمال داود خلق الجدل أساسا في أوربا، حيث انتقد بمبرر إضفائه طابعا ماهويا على المسلمين علما بأن المسلمين أنفسهم أشخاص منغمسون طوال الوقت في الماهوية. فوزية الزواري وكمال داود ومالك شبل، جميعنا اتهمنا بكراهية الإسلام. ثمة، في الغرب كذلك، إرادة لفرض الصمت علينا. يعاب علينا فكرنا النقدي الذي يُزعَم أنه يصب في مصلحة حزب الجبهة الوطنية والعنصرية، بينما نحن نسعى إلى تطوير العقليات وبسط الوقائع، وذلك بدون تنازل وبأمانة. وفي المغرب أو الجزائر، نلاحظ في الآن نفسه وجود رغبة في الحداثة وهلعا من فقدان النفس، من رؤية بلدنا يصبح غير شبيه ببلد آبائنا وأجدادنا. إن علاقتنا بالغرب جد عاطفية، إذ نحن نريد الحفاظ على هويتنا وعلى ثقافتنا. شخصيا، ليست لدي أدنى مشكلة في الحوار مع محافظين يحملون مشروعا مخالفا لمشروعي من أجل المغرب، أنا أحترمهم لكنني أريد أن يكون بإمكاني الدفاع عن مشروعي المجتمعي.

في سنة 2015، قامت ناشطات ضمن حركة «فيمن» (جماعة احتجاجية نسائية راديكالية- م) باحتجاج في الرباط، احتجاج تعرض لنقد شديد اللهجة من طرف مناضلين مغاربة مناصرين لحقوق المرأة. هل يجب أن يأتي التطور من الداخل أم من الخارج؟

الداخل أو الخارج، هذا ليس مهما. ما يجب هو الدفاع عن قيم الحرية والمساواة الكونية، وهي قيم ليست في ملكية أحد، يحق للجميع التمتع بها. حين أسمع بأن المساواة بين الرجال والنساء نابعة من الغرب وأنه علينا الابتعاد عنها للمحافظة على هويتنا، أعتبر أن هذا الكلام مجرد هراء. المغرب يتوفر على تاريخه الخاص في مجال النضال النسائي، كما أن مثقفين ومناضلين كافحوا عبر العالم العربي برمته من أجل اكتساب حقوق وحريات. هذا، والثقافة الإسلامية ليست متعارضة مع التقدم، وذلك لحسن الحظ! جميع القضايا، ومنها قضية فيلم نبيل عيوش «الزين اللي فيك» المنجز سنة 2015 وقضية حافلة النقل الحضري بالدار البيضاء، تتولد عنها خطابات بغيضة من طرف المحافظين، لكنها تفسح المجال أيضا لنوع من تحرير الكلام. القضايا تلك لا تشكل حوادث إضافية فقط، بل تدفع الناس إلى الشروع في التساؤل: أليس ثمة خلل وظيفي في مجتمعنا؟ المشكلة تكمن في عدم تحرك السياسيين. النخب تتبوأ مكانتها، فلماذا تورط نفسها؟ إنني أتوجه إلى المنتخَبين، لماذا لا يعملون على تحريك المجتمع؟ قبل ثلاثين سنة، كان اليسار يدافع عن حرية المعتقد وحقوق النساء، أما اليوم، فالسياسيون تخلوا عن هذه المواضيع.

يتولى الإسلاميون مقاليد الحكم في المغرب، ألم يتقلص في البلاد الفضاء العام بالنسبة للنساء مقارنة مع الوضع قبل عشر سنوات؟

لا أعتقد ذلك. أحيانا، تبرَز صور فوتوغرافية لمغرب سبعينيات القرن الماضي تظهر فيها فتيات بتبان سباحة، لكن عددهن حينذاك كان محدودا إلى أقصى حد. في تلك الحقبة، كان المغرب بدويا بنسبة 60% وكانت 90% من النساء أميات. أما حاليا، فهناك طبقة وسطى والنساء يرتدن الفضاء العام. لقد تغيرت وضعية المرأة، إذ حصلت النساء على القليل الذي مُنح لهن، بل إنهن بعدها استولين حتى على ما لم يتم منحه إياهن. ومن جهتها، فالعلاقة مع الدين تطورت أيضا، ذلك أننا لم نعد متأثرين بالدين المغربي التقليدي بمفرده، بل كذلك بالوهابية، وبالقنوات التلفزيونية الفضائية التي تروج رؤية جد محافظة وجد أصولية للإسلام… أما الإسلام المغربي، فهو يقوم على قرون من التأثيرات المختلفة: إفريقية وغربية وطرقية، وهو روحي إلى أقصى درجة. إنه إسلام يضفي القيمة على الحنان والأسرة، لا علاقة له بإسلام العربية السعودية. لكننا، على غرار ما وقع في حوض المتوسط جميعه، في مصر والجزائر مثلا، تعرضنا لتأثير هؤلاء الناس الذين وفدوا للتدريس في مدارسنا والذين أفسدوا الثقافة الإسلامية التقليدية.

هل قيام حركة نسائية مسلمة أمر ممكن؟

يزعجني هذا التعريف. كلمة «مسلم» تستعمل كما لو أنها هوية. الإسلام، بالنسبة لي، دين، وهو ينتمي لما هو حميم. ولا يستساغ ربطه بالحركة النسائية. إنه ليس هوية، فما معنى «حركة نسائية مسلمة» إذن؟ حركة نسائية من أجل المسلمين؟ من طرف المسلمين؟ أعتقد أنه بالإمكان أن يكون المرء مناصرا لقضايا المرأة ومسلما، ولست بحاجة إلى التصريح بمصدر انتمائي للحركة النسائية. إن انتمائي هذا مصدره كون الناس متساوين جميعا، كون الرجال والنساء متساوين، كوننا نملك الحق في نفس الحقوق التي هي حقوق كونية.

ما حقيقة كراهية الإسلام في فرنسا؟

كثيرا ما يُساء استعمال هذه العبارة… العدوانية إزاء المسلمين، وخاصة النساء المحجبات، واقع قائم، وقد كنت شاهدة عيان عليها. منذ وفودي إلى فرنسا، والذهول ينتابني أساسا بفعل اتسام معرفة الإسلام فيها بقسط غير يسير من الهواية والمحدودية، وعلى وجه الخصوص بسبب إضفاء الطابع الماهوي على المسلمين، وهو أمر يتم بشكل طبيعي وبدون ارتياب، وأحيانا حتى من طرف مثقفين. فبمجرد ما يتم تصنيفك كمسلم، فلا أحد يكلمك إلا عبر هذا التصنيف.

التحرر يوظف أيضا النماذج… هل أنت مستعدة لتجسدي نموذجا بفعل شهرتك؟

ما يهمني هو إعطاء الكلمة لهؤلاء النساء اللواتي لا أحد يسمعهن، تهشيم طابع التحريم المضروب حول الجنس. ذلك أن هذا الفرض للصمت لم يعد كافيا للحفاظ على السلم الاجتماعي وللنمو الشخصي لكل فرد. أريد البرهنة على أنه بالإمكان توظيف خطاب هادئ وحصيف حول الجنس، خطاب ملؤه المشاعر، يضفي القيمة على الحب والحنان والفرح.

يمكن للنقاش حول الجنس في العالم العربي أن يكون جد عنيف. ألست خائفة؟

لا رغبة لي في أن أشعر بالخوف. علاوة على أنني لم أرتكب أي فعل سيئ! إذا ما طرحت على نفسي سؤالا من هذا القبيل، فإنني لن أفعل أي شيء. أعتقد بأن الوقت قد حان للدفاع عن بعض القيم. الإسلاميون لا ينتابهم الخوف، هم يشعرون بأن قيمهم تسندهم. علينا نحن كذلك أن نعلن قناعاتنا أمام الملأ بكل ما أوتينا من قوة.

 

أجرت الحوار: س. دوما،
أ. فيكران ود. هادني


الكاتب : تقديم وترجمة: سعيد عاهد

  

بتاريخ : 12/09/2017