قصة … نباحٌ … أسفل جدار

ياأيها الذين شُرِّدُوا من أصقائي ، في ليال خائبة مَضَتْ،
في انتظار أي شيء يمكن أن يخفف من عبء خساراتنا المظلمة المفروضة،غير المستحقة،
انتظار أن تشرق الأرضُ، أو تغرب شمس أقوياء، أو تتكلم نجوم لا يكاد يصلنا منها إلا أوهن ضوء، به تقول في ومض باهت: أنا هنا، ثم تختفي بعد حين، مثلكم في عبوركم فوق نار هذه الأيام ، تلعب أقدامكم التي بلا أحذية قادرة على حمايتها من أخطار الفصول. تلمع الأنجم الباهتة في مسعاها لتوجيهكم إلى الاحتجاج قبل أن تسقطوا على الطريق تباعاً، مستسلمين. وإن ظل منكم من لا يزال يحشرج في احتضار طويل، يتغيث وهو يحسب أنه يغني، وينادي من سبقه إلى موت تحت أيدي من لا يرحم، فإن سمعه القاتل عجَّل نحوه بما يأتي عليه، وها قد وضع أمامكم موائد مشتعلة ناراً، ومآدب لا مطلب له فيها إلا أن يخصيكم ، ويعمي أبصاركم، فلا تروا شيئاً في ليل عالم يحجب عنكم كل ما ترجون.
يا أصدقائي ، هاأنتم أولاء مندفعون في تيه ، مكرهين مع طول الانتظار، إلى سكر بكؤوس لا مذاق لها، وانتم تحسبونها تفاحاً رائقاً ، كما أوحي إليكم، وفعل النار يشعل أحشاءكم.
وقد خيل إليكم أنكم بالغون ما تتمنونه من نعيم،
يا أصدقائي ، قد أخطأتم السير .
وها قد بلغتم أدنى الجحيم.
حيث كنت آنس إليكم تقتعون أسفل جدار لا تحلمون بتجاوزه ، وقد رضيتم بما بين أيديكم.
فأنتم غير قادرين على رؤية ما يُخفي ، بل وحتى على الاعتقاد بأنه يخفي شيئأً.
فخصومكم في شرق الأرض ةغربها، لا حيلة أخيرة أمامهم لقهركم ، إلا رفع مزيد من الأسوار ، كلما اشتد خوفهم، وتعملق فيهم الإيمان بأنهم يَسرِقون.
أين أنتم يا أصدقاء ، وماذا غيبَّـَكم؟ وإلى أين يا تُرى قد تحوَّلَت مقراتكم؟
فرغم أن الوقوف لاختلاس النظر إلى حيت تجلسون، واستراق السمع إلى همسكم الذي تبدأون به سكركم، وصراخكم الذي إليه تنتهون ، وانتم تتخيلون أنكم تحتجُّون، ثم وأنا أتألم لما تؤولون إليه أواخر كل لياليكم من التساقط شذر مذر. فلا يدري أي منكم إلى ماذا صار شأن من كان بينكم من المنتشين.
يا أصدقائي ، أنا أيضاً، فَرَرْتُ من حانات محظوظين من سارقيكم، لكوني لم أقوَ على سماع أصواتهم وهمُ يتبجحون ، بما سلبُـوه منكم، وتركوكم في قيودكم تتخبَّطون.
فأحببتُ يا أصدقائي سكرتَكم في التيه، وتيهكمً في البحث عن متعة لن أصلها إلا مع وصول أصدقاءَ ميتين.
في حانتكم المترامية الأطراف ، حيث لا يكاد بصري يتوقف على مشهد سكِّيرٍ عابِر ، وهو يَفِرُّ من حبال تطارده، وأيدٍ لا تسعى إلآ إلى تجريده من قليلهِ الذي به يتبلغ، أو يلتقط آخر أنفاسه. فأبكي كمغلوب لا يستطيع من التغيير شيئاً، بل تملأني الثقة في انتظار أن يحصل ما لا يمكن حصوله وأنتم جالسون.
سأجلس معكم مستسيغاً مذاق الاستسلام، ومستحباً ألا ألوم، أحداً في الظالمين وألا أجهر بما رأيتُ:
لعلمي أنهم إنما تأخرت أياديهم عني ، لثقتهم في عجزي كأي سكيرمنكم لا تقوى أقدامه على السير به إلى أقرب مكان يختلي فيه ، إلى جانب جدار ، طلباً لبيْت خلاء ، فيفاجئه النوم وقد خذلته قواه التي حالت بينه وبين ما كان يريد.
يا أصدقائي السكارى، إلى أين سرتم بعروضكم التي كانت تسعدني أحياناً، وإن كانت كثيرا ما تعذبني.
كل الأماكن أسفل الجدار خالية الآن، إلا مني وقد سلبني الجرب كامل شعر جلدي، فها أنذا الآن أتمرغ طالباً لمتعة. بيني وبينها ما بينكم أنتم وبين ما تطلبون، وليتني تُرِكْتُ للتمرغ حيث أقيم ، بل كان حبل في يد طفل عابرٍ أسرع إلي عنقي لجرّي إلى مزيد من التعذيب والإكراه على السير إلى حيث لا أعلم ، كما أراكم تُجرُّونَ أجمعين.
ياأ صدقائي ، هاهمُ أعداءنا، رغم نباحنا في حبالهم، في طغيانهم يعمهون.
وها أنذا قد رَضِيتُ مثلكم بأدنى متعة أسفل هذا الجدار ، وهذا نباحي في حبل عُلِّقتُ بِهِ ، فَمَنْ يَمُدُّ إليَّ يَدَ العَوْنِ لإنقاذي ، فهل تسعفونِ؟

2017/03/12


الكاتب : أحمد بنميمون

  

بتاريخ : 07/04/2017