نصوص لليافعين : «بوح الشمس»

… بقدر ما كانت الغبطة بحجم المراهنة على المستقب، بقدر ما كان الحرص أن تصاب الأفنان بلعنة الكتابة ولوثة الابداع ، تلك اللعنة التي تظل تطارد الكائن الشقيّ فينا ، وهو يحمل بالتدريج أسئلة الواقع وسؤال التعبير بروح نقدية تمتزج فيها الجرأة بالجمال، وتعمل جاهدة ان تنقذ الأدب من خطره كي ينهض متثاقلا، لا بأس ، ولكن يصرّ على الانبعاث كل مرّة من رماده ، فتنبث له رؤوس أخرى ، بها سيقاوم، لا محالة، خبث الواقع ومكر القائمين عليه. ينسج الحكاية و«يضرب الخيط» وهو يخشى لسعة الابرة في كل حين… ومع ذلك يصر القبض على الجمر كي يكون لسان العشيرة يوم نطق آدم بحروفه الأولى.
كان الاوائل يبعثون بفلذات أكبادهم إلى حرّ الأصل وفيض البدايات كي يتشرّبوا نسائم الانتماء ، ويعودوا على صهوة الكلمة ينافحون بها على ضرورة دوام الخيّام وشموخ الديار … من هذا الزخم البدئي ، وهذا الرجع الوفي ، كان « بوح الشمس» تنقيبا وتحفيزا من عمق ردهات القسم بالثانوية التأهيلية «ولادة» بسيدي مومن كي تلد « السيرة الذاتية» المثخنة بالآلام ، من صفيح « طوما» و«دوار السكويلة»، ما أسماه الباحث «محمد محيي الدين» في تقديمه «مشروع البحث عن «خيوط الحكاية» « على أمل اكتمال» الرواية» تحت مجهر المختبر السردي بكلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك الدار البيضاء ، ومنشورات القلم المغربي . فأن توضع هذه النصوص اليافعة في المختبر معناه مرورها بمصفاة المتابعة النقدية ، والعين السرية التي تحدس بالمحتمل ، محمّلة هي نفسها بالهمّ المعرفي الذي يتساوى فيه الابداع بالنقد، فيصبح الابداع نقدا والنقد ابداعا ، يسيران معا والمستقبل الثقافي على مرمى قلم …معا يؤسسان لغد مغربي مبدع يؤاخي بداية المشوار بحنكة المجرّب حتى يكون لقبّة النابغة معنى بعيدا عن كل بهرجة مجّانية يتبارى فيها فرسان بخيول عرجاء، وغبارها اوسع من كل عيون « الغربال»…
بذا كان «بوح الشمس» نصوصا حارقة في واضحة النهار ، تنقش بريشة الوقت جرحها على لوح الذاكرة الحافية حتى يكون للعيش المرّ مدونوه ، ولكتابة الألم والأمل صبيته وشيوخه، حينها ستتناسل النصوص والشموس تباعا…
مع يتم «مريم السعيدي « في نصّها الموسوم ب « جراح تأبى الاندمال»، وسبيل « التصعيد» النفسي الذي كشف عنه الناقد « محمد برادة « في قصّتها / شهادتها ، كانت للاديولوجية الدينية قوتها في التماس الفرج من المشيئة العليا ، واستبدال العدل البشري المنعدم بالعدل الالهي المتسامي .
وبين الوعي بفعل الكتابة والاعتراف عند اليافعة « مريم ريمي « في نصّها الموسوم ب» رحلة البحث عن الخبز الحافي « ، باعتباره رحلة من وضع « الضحية « الى صرح «البطل» من خلال معالم الملحمة النسوية التي ابرزتها الناقدة « شهلا العجيلي» ، كان الكشف
عن النسق الثقافي الأمومي كحضن فريد من قسوة الحرمان ، وملاذ آمن من كل ألوان الطغيان وفاء للجذر الثقافي المنتج للأمل في الاستمرار ، وتحمّل المعاناة مادامت « المرأة « ، في المجتمع الذكوري ، عنوانا للثابت الثقافي .
وبين الصورة التعبيرية وحضور اللغة الشفوية في نصّ « أسرار النور وخفايا الظلام» لليافعة « شروق أبا علي » ودلالة الكتابة الساذجة / الفطرية التي ركّز عليها الناقد « حميد لحميداني»، كان سؤال « الهوية « بين التمزّق والتماسك في السيرة البريئة واعتماد» السرد المركب « كتناوب للشخوص في سرد الوقائع ، تعبيرا عن واقعية أمينة لواقعها ، تماما كما تعيشها الساردة وفق رؤية طفولية لم يتسرب لها بعد نفاق الراشد.
وبين الحكي التلقائي في نصّ «قطار التعاسة والحلم» ل «عتيقة خمليش» بما هو صدق الحكاية كمادة خام ، ورصد الناقد « منير العتيبة» لملامح الحكي الشفاهي في تدوين الاقصوصة بين التعليق والتلخيص واعتماد اسلوب الحكاية الشعبية في تمتين العلاقة بين الراوي والسامع ، كان سبيل التعلّم خلاص البراءة من براثن الجهل والفقر.
وبين الارتباط بالزمن في نصّ « يوسف كطني « « واصف حال « وكشف الناقد « محمود عبد الغني « عن ملامح الكتابة الأدبية الذاتية ، كان التشريح لذاكرة شاخت قبل الأوان ، مثخنة بجراح البؤس المادي والمعنوي التي ولدت مع الطفل الذي كانه السارد ، واليافع الذي يعيه الآن .
بين القلم الجامح لكتابة القصة الطويلة في نصّ «خديجة المالكي» الموسوم ب «قطار الحكاية»، والوقوف المتأني للناقد «نبيل سليمان» على شهرزادية الحكي في تدفق الأحداث وتواترها تنقيبا عن أصل الحرمان ومكمن العطب مادام الألم العظيم وراء منجز العظماء.
وبين سلاسة الابداع في نصّ «ابتسام امضاربي» «عندما تخبر عني الكلمات» وتركيز الناقدة « شميسة غربي» على عفوية المسرود، كان تضخم الخوف الطفولي بانسياب الحكي وتوالي العتبات والعقبات.
بذا ، وغيره كان « بوح الشمس» تجربة وازنة تربعت عرشها « شهرزاد» القرن الواحد والعشرين، في ابداع ملتقى الطرق بين الأجيال، حين يسير الكبار سير ضعفائهم، وينصتون للبوح الخارج للتو من أفران الواقع وصهدها المغبر نكاية بالزمن المتجمّد، والصلابة الهشّة للكائنات الثلجية .


الكاتب : عبدالالاه رابحي

  

بتاريخ : 06/10/2017