قصتان قصيرتان : رخصة مستعجلة

عاد في رخصة قصيرة،بعد غياب، لم يجدها في البيت، فأرغى وأزبد، وأَرْعَدَ وهَـدَّدَ، عرف من ارتعاش صوت أمها أنها ذهبت إلى مناسبة فرح، فاندفع مُمْسِكاً بذراعها لتدله على دار العرس، فوجئت المسكينة بمن تهمس لها بعودته، وهي في غمرة عاصفة غِنَاٍء نِسويٍّ وإيقاعات دفوف تدوِّي بانفعالات أكثر هيجانا مما يعج ويموج في نفس زوج محروم تحت أوامر ضباط ثكنته منذ أشهر،في منطقة قفراء بعيدة.
لم تكد تراه وهو يدعوها ، حتى مُلِّئت رُعْباً، فارتدَتْ جلبابها في عجلة، فسحبها من يديها دون حتى أن يحييها ، وكان ينقدمها،وهي في إثْره ، نحو بيتهما، مما لم تستطع أمها معه، أن تساير خطوهما الحثيث، بيْنَا كانت تفكر في ما يمكن أن يحل بابنتها من عقاب عنيف.
ادركا البيتَ، والأم ما زالت على مبعدة تلهث مهرولةً في إثرهما، ومخاوف شتى تَعْتَوِرُها، لكنها ما أن دفعت باب البيت حتى فوجئت بمشهدهما وهو واقعٌ فوقها ، لا يزال في حذائه وكامل لباس الميدان، في عتمة حجرة هي كالسرداب ضيْقاً، وقد استسلمت له في في دعةٍ راضية .
أعادت الأم إغلاق الباب عليهما، وهي تتنفس الصعداء هامسة:
ـ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
ظلّتْ تهمس مُسْبِلَةً أجفانَها، وعلى شفتيها ابتسامة هادئة، دون أن تبديَ شيئا مما ينبيء عن أسنان ثغرها الني ذهب معظمها، بينا كانت تمضي راجعة نحو مكان العرس، الذي كانت هي وابنتها، بين أفراد أهْلِهِ «المُهمّين».
مفارقة

ذلك القطّ الأسود، بدا في سيره الهادئ ِ كأنه يجس الأرض، شأن كل السنوريات، كان وقد فوجيء َبتتابع تقاطر قطيع من أغنامٍ قليل العدد، معترضاً سبيل صعوده.
وقف متوجساً، قبل عبور آخر أفرادها الذي كان خروفاً ضخم الحجم،مما تراجع معه رأس القط وملئت نفسُه حذراً وحيطةً، لكن ما إن عبر الخروف الأخير بضخامته وبياض صوفه، متجاوزاً إياه ببضعة خطى، حتى سمعه وهو يثغو، فتبسّمَ القطُّ الأسود ساخراً، بدون صوت، كأي حكيم رزين، لم يهز رأسه مع ذلك تعجباُ، فلو أنه بشَر لما اكتفى بالتعبير عن ذلك بهزة من رأسه، بل لصاح أيضاً مظهراً ما كان يستشعره من غرابة المفارقة.
خفظ القط عينيه، وتابع سيره ـ بعد أن كان اشرأب لمرور القطيع الذي عظُم حجمُه بغير لُبٍّ ـ كأي صائد، لعلَّه يستطيع الظفر بأي جُرذ أو فأرٍ بين ركام أنقاضٍ، ما أن علاها حتى وقعت عينه على ثلاثة ديكة ودجاجة، ثم همس لنفسه في فرحٍ:
ـ ولمَ لا؟
وظل يتتبعُهُنَّ قبل أن تخفيهنَّ أكوام نفاياتٍ لا انتهاء لها.
فتساءل الشارد، وكان قد شبع نظراً إلى قطعان أغنام ,ابقار كثيرة، وهي تتنراحم على حاويات نفايات على أكثر من ناصية طريق ولدى أواخر ساحاتٍ، منذ أكثر من موسم.
ـ ولمَ لا يخْضَرُّ حتى لحْمُ الدجاجِ؟.
معلنا، بينه وبين نفسه عن قراره أن يتنازل عن نصيبه من اللحم، سنورياً، ضئيل الحجم كان، مثل هذا القط الأسود الذي تتساوى نسبة حجمه إلى هذا الخروف الضخم، مع نسبة الجرذ إلى حجمه هو. أم كان سنورياً مفترساً، عظيم الوزن مما نهابُ.


الكاتب : أحمد بنميمون

  

بتاريخ : 06/10/2017