خواطر المجنون 4

– 38 –
أريد أن أقول لك
إنني مثل حمالٍ
السنوات ُعلى كتفي صندوق من الذكرياتِ
الأيامُ أشجارِ يخلفها قطارٌ وراءهُ
القلبُ خرقةُ متصوفٍ مصلوبٍ في ساحةٍ.
إنني مثلَ حمالٍ
لا شأن لي بما يحدثُ
لأنني لستُ ذا شأنٍ
)لأنني أستعير العبارة من بيسوا(.
إنني مثلَ حمالٍ
بصندوق من الذكريات على كتفي
وأعمى.
أعمى عماء العارفِ
لا يريد أن يرى.
إنني مثل حمال
أريد أن أقولَ لك
هذه الحياةُ سألقيها بعيداَ،
في حفرةٍ محايدةٍ،
لا هي إليك
ولا هي إليَّ.

– 39 –
في انتظار الموتِ،
لا أحد سعيدٌ.
مهمتي أن أحرسَ نبتة الحياةِ بلا مواربةٍ.
لذلك أحشد ما يكفي من النور على الوسادة
كي أدفع الليل الحزينَ بعيدا.
لذلك أدرب الروح على الخروج
للفسحة في القلوب المجاورة.
في القلوب التي تشبه حقول الحُبّ
في القلوب التي تعبد الشمسَ لامبالية بالآخرينَ.
لذلكَ أفتحُ باب السجن
لفراشاتٍ أتخيلها،
الفراشاتٍ بنات المجاز،
وأنسبُ لها فضائل كثيرةً
أحمِّلها قُبًلا لخدود ذابلة،
وأراجيح لأرواح تطلّ، في صمت، على البرزخ،
وأمنيةً واحدة:
أن تحرسَ نبتة الحياةِ ما أمكنَ.
أن تؤخر، بهشاشتها، الأمرَ إلى آجل آخر
أن تحتشد على الوسادة مثل أرواح احتياطية
وأن تصرخ بحناجرها التي لا تُحدث صوتا في العادة:
في انتظار الموت
لا أحد سعيدٌ أبدا.
– 40 –
الآن فقطْ،
تمضي الذئابُ إلى فرائسها،
الخرافُ إلى مناسبة مؤجلة،
والكلماتُ إلى مخبئها.
الآن فقط
يغرق قمرٌ في لامبالا
وتغربُ شمسٌ في لامكان
والقلبُ ينصتُ لهدير العمر.
الآن فقط
على هذه الحافة المشرفة على النهر
تتعاقبُ الأيام والسنواتُ.
السعادة والألم.
الألم والألم والسعادة.
السعادة والألم والألم.
الآن فقط،
في هذه الليلة الخاصة من العزلة
يطل طفلٌ عليَّ يلهو بثدي أمه
مراهق يحلمُ بملكة وعرشها
شابّ يتأرجح بين اليقين والشك.
في هذه الليلةِ
أعودُ إليّ،
حانقا على المطر الذي لم يأتِ
وعلى أحلام فاتتْ
وعلى الكلمات التي عادت إلى مخبئها دون إذنٍ،
وعليّ.
في هذه الليلة،
أنا هنا،
ذلك الطفل والمراهق والشابُّ.
فقطْ
أنا،
لا أعرفهم عن كثبٍ،
ولا أعرفني.


الكاتب : جمال الموساوي

  

بتاريخ : 13/10/2017