فيديوهات الرعب ..التقاسم الخطأ

فيديوهات “المشرملين”، التي يتم إنتاجها من طرف هواة بغرض الشهرة أو محترفين لغاية في نفس يعقوب كانت قديمة أو حديثة العهد تغزو العقول وتستوطن الأذهان اليوم، وما انفكت تنتشر بسرعة مذهلة على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
وإذا كان هاجس تقاسم المعارف والأفكار وعناوين الكتب وحياة العظماء يسكننا جميعا تحت مبررات مختلفة، وازعها الأول الفضول المعرفي وترصيد دائرة المعارف، فإن تقاسم فيديوهات الرعب شيء آخر مختلف تماما. لعل هاجسه الأول خلق مساحة للهلع الروحي وإقامة مساحة دائمة للقلق النفسي لتكريس مناخ دائم للتعايش المرعب والتساكن المهزوز معه .
إن مصوغ فكرة التقاسم الرهيب لهذا النمط من الخوف المعمم باعتباره إجراء استباقيا غير مقتنعة البتة. لأن مشاركة وتقاسم وتعميم هذا النوع المخيف من المعارف المصورة في أقل من ثوان بضغطة زر أو ب”تكتلة” واحدة Tactil ما يجعلها تنتشر إلى مجموعات وخلايا تتناسل باستمرار ومع هذا التناسل يحدث اليأس ونستشرف كمغاربة خطرا أخلاقيا ومجتمعيا جسيما على المستويين المتوسط والبعيد.
من نتيجة ذلك، اعتبار الجريمة قدرا لا مرد له والاقتناع بلا جدوى المؤسسة الأمنية وتنام التهور المسلح معززا بما تقذف به تقليعات الشباب المنفلت والقابع خارج سيطرة النظامين الأسري والمجتمعي. فيما يقبع المواطن المغلوب على أمره في الردهات والزوايا في انتظار نصيب من الألم ويصبح المواطنون طابورا خامسا في انتظار دورهم الدموي أو سريرهم الطبي للتقطيب والتغريز في أقرب مستشفى. خطورة هذه العملية التقاسمية التشاركية للرعب تكمن في نجاحها الساحق في خلق متلقى مزاجي ومهزوز بلا سند تربوي أو ثقافي يقبل بالأمر الواقع دون تردد.
يذكرني هذا التقاسم الجماعي المحموم بما قامت به داعش قبيل احتلالها لمدن العراق خاصة الموصل. فقد عمد خبراء داعش في التواصل وتكنولوجيا الصورة ومعظمهم مجرمون وفارون من العدالة إلى توثيق جرائمهم وتسجيل عشرات الفيديوهات من الذبح والسحل والقتل الجماعي وقطع الرؤوس وبعثها إلى مواقع الكترونية راجفة داخل المدن المراد احتلالها والسيطرة عليها ومن سيئات القدر أن هذه المواقع والمنابر والوسائط بدت منصاعة تماما ولم تتردد لحظة واحدة في بثها بعد تدبيجها لتصبح مغرية وجاذبة ومستقطبة لجمهور واسع وكان. من نتائج ذلك فرار معظم سكان الموصل خوفا وترك المدينة فارغة مما عجل بسقوطها في أيدي داعش دون خسائر تذكر.
فيديو حي التقدم بالرباط، بماله وما عليه، أكان قديما أو حديث العهد، يتم تسويقه وإعادة بثه على مختلف مواقع التواصل بشكل فردي وجماعي، اليوم دون إدراك أو وعي جار تعميمه وتقاسمه والترويج له على نطاق واسع إما بدافع الفضول أو تحت مبررات مختلفة من شبه المؤكد أنه يهلوس في نفس الاتجاه الداعشي، حيث يظهر شبانا مرفوعين على إكسير منشطات باعثة على الشغب وهم في أزهى لحظات الشرملة يرقصون على نغمات موسيقى الراب المشرمل والأسلحة البيضاء من كل حجم ولون تتراقص في أياديهم المخرومة وهم خارج التغطية. وبين الفينة والأخرى يلوح أحدهم بالذبح أو الموت ثم سرعان ما يعود للاندماج في معزوفة الموت
فلمصلحة من يتم نشر وتداول هذا الفيديو وتقاسمه على نطاق واسع؟ وماهي الرسائل المراد تبيلغها من وراء ذلك التقاسم المفجع؟ وهل بمثل هكذا مضامين نساهم في بناء شخصية أطفال المغرب ونفتح أمامهم آفاق العالم أمامهم؟ وإلى أي حد اعتقادنا بليد بأننا نعمل على توسيع مداركنا، وإغناء علاقاتنا الاجتماعية ؟ أين الذوق وأين الجمال وأين رهافة الحس والذوق السليم والثروة اللغوية في ظل ثقافة تعميم الفاجعة ؟
على ضوء هذه الأسئلة وغيرها، يتضح أن المغرب مستهدف في طفولته وشبابه. من هنا حرصنا على دق ناقوس الخطر واعتبار حماية الطفولة أولوية. إن الاهتمام بالطفولة ليس فقط باعتبارها بنية أساسية للمجتمع، بل لأن رعاية الطفولة وحمايتها استراتيجية الدولة واهتمامها الجوهري..
أكاد أجزم أن كل من شاهد فيديو- حي التقدم بالرباط – خاصة من الملايين السبعة الذين يلجون المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها، ستسكنه نوبات خوف وحزن ويستوطنه خوف عميق يؤثر في أدائه وتحصيله الدراسي.
فعرض الفيديو الرهيب يتم باحترافية وبمؤثرات تقنية تكاد تكون عالية الجودة من ناحية الصوت والصورة والإضاءة. وفي لحظات أو في شطحات معينة قد ينجرف الشاب فيسرق أو يقتل أو يغتصب دون رحمة وبأعصاب باردة. السيوف والسواعد الموشومة والأذرع والدماء والأشياء المفجعة التي نراها اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنظر الشباب الذي بلا أفق والذي أفلح في تقمص التسريحات والشطحات الغريبة يمنح المبادرة في لعبة القتل كلذة. وهنا مكمن الخوف حيث آجلا أم عاجلا ستتحول هذه المتعة الراقصة المنتشية إلى متعة دموية في شوارعنا في حاراتنا وفي راس دربنا.
لن نتحدث هنا عن معاناة هيئة التدريس والإدارة التربوية التي لن تفلح في محوها سوى تقارير رسمية لأجهزة الأمن تظهر بالصورة والصوت أن جوق التقدم الدموي في قبضة الأمن وداخل الأسوار. وأن أمن الوطن والمواطن فوق كل اعتبار إلى أن تقول العدالة كلمتها.
فهل تحرك رجال الحموشي في هذا الطريق؟ وهل ستعتكف أجهزة الأمن المتخصصة على دراسة وتفكيك آليات هذا الخطاب واستخلاص العبرة منه ؟ لا نشك لحظة واحدة في ذلك، لا سيما وأن لهم إنجازات قياسية إزاء هذا الخطر المخيف الزاحف بلا هوادة؟


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 16/10/2017