تغريدات طائشة

يجسد أحد الزملاء من رجالات التدوين الأفقي النموذج الصارخ في الصحافة الطائشة، فهو من فصيلة غير المترددين في نشر وتداول كل ما تجود به أمزجة البشر في محيطه الاجتماعي بالصورة والصوت. هكذا هو زميلي الناشر الفايسبوكي، الذي لا يصيب إذا رمى، وهذه هي قناعاته المتسمة بالنزقية وخفة الرجل والانحراف عن الصواب المهني .
من فظاعة ما يميز زميلي تدبيجه تدويناته سمعية كانت أو بصريةن اعتمادا على طرف واحد . فهو يرى الحقيقة والصواب من زاوية واحدة عكس ما تنص عليه الأعراف في مهنة المتاعب من تعدد المصادر والانتصار للأقرب منها إلى الحقيقة. إنها الحقيقة الدامغة كما يراها، وهي كذلك تبدو بالنسبة إليه. لذلك كل الرصاصات التي يطلقها هذا الزميل تنحرف، تميل، تطيش ولا تصيب هدفها، لأنها ببساطة تصدر صدفة، ومن سلاح دون قصد وبلا هدف سوى الإبهار .
هو كذلك واحد من المنتظمين في التداول العشوائي للمعلومة الطائشة، لا يتردد لحظة واحدة في نشر خبر زائف ملفق ولا يرف له جفن حتى وهو أول من يصدقه، لكن في المقابل يقف عاجزا صامتا مكتوف الأيدي ممسوح الدماغ أمام تداعيات المنشور وتطوراته.
مشكلة النشرعند صديقي وأمثاله تبدو بلا شكيمة في ظل سماوات الله التي فتحت على مصراعيها لكل الأقلام والأفواه المرتجفة، ليس المشكل هو هذه الحرية الممنوحة بلا ضفاف..، فإلى عهد قريب كانت مطلبا حضاريا يتصدر أولويات النخبة التواقة للحرية بالمعنى الكوني، وكنا من دعاة تحقيقها كمكسب حقوقي مدني سنوات الرصاص..، مشكلتنا اليوم في عجزنا عن صيانتها من العبث، وجعلها قيمة سامية ونبيلة كما هي في الأصل .
مثل هذا الزميل وغيره كثير ممن تزدحم بهم سماوات الله المفتوحة، تم تصميمهم مهنيا ليستمعوا لطرف واحد أثناء تشكيل الحقيقة أو بناء الحدث، ولأنهم كذلك، فالمحظوظ من كان الأول في قائمتهم، فسيكون له الحق والسبق في الظهور والانتشار المحدود. أما بعد ذلك، فله المصير الذي يستحق الشفقة. لا يكترث زميلي بتداعيات ما يقوم بنشره، ولا يهتم بتفاصيل ذلك، كل ما يستبد به لحظتئذ هو النشر. أما ما ستسفر عنه العملية من تداعيات بعد نشر الأحداث المنقولة والمتواترة والوقائع الملفقة فعلمها عند الله وربما العدالة ثانيا . بحيث لا يهمه بالأساس امتدادها وتطورها سلبا أو إيجابا إذ بالنسبة له، المهمة المطلوبة هي السبق وهاهو يبرع في التنفيذ على أحسن وجه . أما ما تبقى فلا قيمة له حتى ولو كان ظالما .
في حالة معبرة وصارخة كتب زميلي عن إقالة أحد موظفي الحكومة لأسباب يراها غير تلك التي قدرتها الإدارة السياسية للبلاد، ولأنه يتبنى عقيدة إيديولوجية معينة ووجد الفرصة مناسبة للترويج لها وتكريسها في أدبياته ووسط أصدقائه والداعمين لخطه التحريري الطائش. اللافت في المسألة أن ما دونه الزميل بمنتهى الطيش أثبتت الأيام الموالية أنها مجرد فقاعات لا تصمد أمام نسمة ريح. حصل ذلك بالموازاة بعد أن حظيت تغريدته بعشرات الإعجابات ومثلها من التعاليق الفجة والمفككة والرديئة وعلى دعم فيسبوكي مزاجي وغير مركز. وحتى عندما جاءت الأقدار معاكسة لتصوره لتنصف الحقيقة، وترقبناه كما تنص الأعراف على ذلك كي يدخل تعديلا على تدوينته إنصافا للحقيقة واحتراما لقرائه ولمهنة التدوين التي جمعتهم به. لم يتجرأ، ولم يكترث بدعوات أصدقائه بضرورة التحري والتروي قبل النشر. لقد أغلق صاحبنا الباب تماما وتوارى إلى أدغال طيشه، انسجاما مع طبيعته التي تؤكد أنه من الفصيلة التي صممت للضربة الأولى والطلقة الطائشة فقط.
أمامنا واقع إعلامي بئيس يزحف نحو التردي والعشوائية المطلقة.. واقع ملتبس يفرغ مهنة التدوين من قيمتها النبيلة في التنوير والإشعاع، هجوم شرس يستهدف مهنة النشر والإعلام على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع النشر الإلكتروني، ويعبث بأدوارها، ويعمل جاهدا على تشويه كل ما هو جميل فيها، وحقق تقدما في إفراغها من أية قيمة تم اكتسابها مع مرور الزمن إنها عملية دفع ممنهجة نحو مستنقعات العبث والترويج الطائش للرأسمال الرمزي لبني البشر
وبتسلل مثل هذه الممارسات إلى عالمنا الأزرقن وبالتحديد منطقة التدوين المشترك، بات الجميع يدرك أن رصيد هؤلاء العابثين الطائشين في التنوير والإشعاع الحقيقي في انخفاض مضطرد بسبب الوعي القادم الذي سيجرف العبث الإعلامي من جذوره .


الكاتب : إعداد: عزيز باكوش

  

بتاريخ : 30/10/2017

أخبار مرتبطة

  اعتبر المخرج الفرنسي من أصل جزائري مهدي بنعلال ، أن المهرجانات ليست نافعة فحسب، بل هي أكثر من ذلك،

تم في حفل اختتام الدورة الخامسة لمهرجان إبداعات سينما التلميذ، مساء الأحد 28 أبريل 2024 بالمركب الثقافي بالحي المحمدي بالدار

  كشفت الجهة المنظمة لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، أن الدورة 25 التي ستقام مابين 27 و29 يونيو 2024 بالصويرة، ستعرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *