مئة عام على وعد بلفور، بريطانيا لم تعتذر و ترفض التكفير عن خطيئتها

الفلسطينيون يستعدون لاحياء الذكرى ونبيل شعث يقول “تمت كتابة الوعد وكأن الفلسطينيين لم يكونوا موجودين”

*****

بدأ الفلسطينيون استعداداتهم لاحياء ذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور من خلال تظاهرات واعتصامات تبلغ ذروتها في بريطانيا في الرابع من نوفمبر المقبل، حسب ما أعلن
مسؤولون الثلاثاء.
وفي الثاني من نوفمبر عام 1917 أطلق وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور وعده الذي أيدت خلاله الحكومة البريطانية اقامة “وطن قومي لليهود في فلسطين” مؤكدة انها ستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية.
وتتضمن النشاطات تظاهرات ومسيرات في المدن الفلسطينية تبدأ في الثاني من نوفمبر وتستمر لسبعة ايام.

عقد مسؤولون في منظمة التحرير الفلسطينية اجتماعا مع قناصل وسفراء دول اجنبية بينهم القنصل البريطاني في القدس للحديث عن تأثير وعد بلفور على الحالة الفلسطينية.
وقال مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشؤون الدولية نبيل شعث ان هدف هذه النشاطات التركيز على مطالبة بريطانيا بالاعتذار عن منح هذا الوعد “باقامة دولة لليهود على أرضنا وتعويض الفلسطينيين والاعتراف بالدولة الفلسطينية على 22% من الاراضي الفلسطينية المتبقية، والغاء الاحتفالات التي تقام في بريطانيا تخليدا لهذا الوعد”.
وأوضح في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء في مقر منظمة التحرير الفلسطينية برام الله انه رغم مرور مئة عام على هذا الوعد، يدرس الفلسطينيون “بشكل جدي” اللجوء الى المحاكم البريطانية او الدولية ضد اصدار هذا الاعلان.
من جهته قال أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي ان هذه الفعاليات ستبلغ ذروتها في 4 ت نوفمبر في بريطانيا بمشاركة أحزاب بريطانية معارضة ونواب في مجلس العموم.
وقال البرغوثي الذي شارك شعث في المؤتمر الصحافي ان “بريطانيا لم تمتلك اي حق قانوني لاطلاق ذلك الوعد، وعليها ان تعتذر وان تلغي اي مناسبة احتفالية، لان الاحتفال في بريطانيا بهذه المناسبة انما يعني رش الملح على الجرح الفلسطيني”.
وستشمل الانشطة التي بدأ تحضيرها، بحسب المنظمين، تقديم مئة ألف رسالة من طلاب فلسطينيين بمختلف اللغات الى الحكومة البريطانية يتحدثون فيها عن الاضرار التي تسبب بها هذا الاعلان، الى جانب خطاب يلقيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
حملة مائة ألف رسالة

كشف وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني، صبري صيدم، يوم الاثنين، عن تفاصيل حملة مائة ألف رسالة كتبها طلبة المدارس لرئيسة وزراء بريطانيا سيتم تسليمها للقنصلية البريطانية في القدس يوم الأربعاء المقبل.
وقال الوزير الفلسطيني، خلال لقاء صحفي عقدته الوزارة، في إطار الإعلان عن تفاصيل هذه الحملة، “لقد أعلنا قبل أيام إطلاق حملة بالتعاون مع اللجنة الوطنية العليا لإحياء الذكرى المائوية لوعد بلفور المشؤوم، تستهدف صفوف المرحلة الثانوية؛ لكتابة 100 ألف رسالة موجهة إلى رئيسة وزراء بريطانيا، لرفضنا المطلق لإمعان حكومة بريطانيا في سياساتها المصرة على الاحتفال بالذكرى المائوية للوعد الذي يتنافى وكل الأعراف”.
وأضاف “هي رسائل تندرج في إطار تعزيز المنظومة القيمية لدى طلبتنا، للمطالبة بحق لا يسقط بالتقادم، وهي تتناغم وما ندرسه في مناهجنا من قيم العدل والإنصاف التي غيبها وعد بلفور، وعبر رسائل تكتسي طابع التعبير الحضاري عن ضرورة تحمل بريطانيا مسؤولياتها تجاه الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا، وما ترتب عليه من ويلات لاحقة”.
وأبرز الوزير الفلسطيني أن هذه الرسائل كتبت بلغات مختلفة لكنها تتقاطع جميعا في رسالة واحدة موجهة لبريطانيا مفادها “كفى إمعانا في هذا الظلم”، مؤكدا على رفض المؤسسة التربوية كافة أشكال الطمس والاستلاب والقهر.
وأوردت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن الوزارة وجهت مديرياتها لتنظيم فعاليات وطنية يوم الأربعاء في ساحات المدارس كافة الساعة التاسعة والنصف صباحا ، بحضور أولياء الأمور والمؤسسات والشخصيات الوطنية ووسائل الإعلام المختلفة، مع وجود فعالية مركزية في كل مديرية في المدرسة الأقدم تاريخيا ، إلى جانب تنظيم ماراثونا صباح الخميس بمشاركة ألف طالب، على أن تخصص الحصة الأولى في كافة المدارس للحديث عن الوعد المشؤوم.
كما طالب المسؤول الفلسطيني باسم الأسرة التربوية بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور والتكفير عن خطيئتها، والاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها جميع الأعراف والمواثيق الدولية.
لظلم التاريخي ودولة اسرائيل

يختلف الفلسطينيون والاسرائيليون في نظرتهم الى وعد بلفور البريطاني بعد مرور قرن كامل عليه، إذ تشيد به اسرائيل كأحد العوامل التي ساعدت على قيامها، بينما ساهم هذا الوعد بالنسبة الى الفلسطينيين في مأساة سلب أرضهم.
وكان الوعد عبارة عن جملة واحدة مؤلفة من 67 كلمة، ولكنه يعد أقوى دعم في حينه من قوة عالمية لأهداف الحركة الصهيونية.
ومن المقرر ان يشارك رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في إحياء ذكرى وعد بلفور في لندن حيث سيحضر حفل عشاء في المناسبة مع نظيرته تيريزا ماي.
وأكدت ماي انها ستحيي التاريخ ب “فخر”، ولكن هناك انتقادات ايضا في بريطانيا بسبب الاحتلال الاسرائيلي المستمر منذ خمسين عاما لاراض فلسطينية.
مذكرة قانونية-سياسية الى برلمانات العالم

ودعا المجلس الوطني الفلسطيني كافة الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية بدعمه ومؤازرته في مساعيه الرامية الى مطالبة الحكومة البريطانية بثنيها عن الاحتفال بمائوية “وعد بلفور” المشؤوم والمبادرة بالاعتذار للشعب الفلسطيني وتصحيح الخطأ الفادح الذي ارتكبته بإصدار الوعد عام 1917. وأكد رئيس المجلس سليم الزعنون أن المجلس سيوزع بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان بلفور (2 نوفمبر) على كل البرلمانات الإقليمية والدولية مذكرة قانونية – سياسية تؤكد مسؤولية بريطانيا عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني وتدعو الى العمل على مطالبة البرلمانيين البريطانيين في مجلسي العموم واللوردات بتراجع حكومة بلادهم عن اجراء احتفال بريطاني إسرائيلي بمناسبة مائوية إصدار وعد بلفور وتحمل بالتالي مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والقانونية الدولية المترتبة عن الوعد”. وقال الزعنون بان المذكرة تتضمن ايضا سعي البرلمانات الإقليمية والدولية الى مطالبة الحكومة البريطانية بتصحيح “خطا فادح ارتكبته في حق الشعب الفلسطيني عندما أصدرت وعد بلفور وذلك بالاقرار يتحملها لمسؤولياتها القانونية الدولية والالتزام بتطبيق مبدأ إصلاح الضرر الذي لحق بالفلسطينيين بما في ذلك الاعتذار له وتعويضه والاعتراف بدولة فلسطين على ندوة الرابع من يونيو 1967”. كما تتضمن ذات الوثيقة –حسب المسؤول في القيادة الفلسطينية– العمل “الحثيث والجاد” من أجل إنهاء الاحتلال الاسرائيلي لدولة فلسطين خلال فترة زمنية محددة وتطبيق المبادرة العربية للسلام الى حث الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين على الاعتراف بها”. وطالب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بالمناسبة بفتح ملف الجرائم البريطانية منذ عهد الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1917 مرورا بالنكبة الفلسطينية عام 1948 وبالنكسة عام 1967 حتى يومنا هذا ، مشيرا الى ان كافة القواعد القانونية الدولية ذات الصلة “تنطبق على بريطانيا كونها أخلت اولا بالتزاماتها بصفتها الدولة المنتدبة وثانيا باتفاقية جنيف 1949 وقبل كل ذلك وعدها الباطل بإعطاء ارض لا تملكها لمجموعة من اليهود كانوا لا يشكلون اقل من 5 % من مجموع الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت”. واسترسل موضحا بان كل القواعد والاحكام القانونية الدولية ذات الص لة بالوضع الفلسطيني “تنطبق على بريطانيا جراء الاثار الكارثية التي ألحقتها بالشعب الفلسطيني نتيجة ما تسببه وعد وزير خارجيتها آنذاك بلفور وتطبيقاتها للانتداب على فلسطين والتي اتسمت باللامشروعية وبانتهاك التزاماتها القانونية الدولية”. كما كشف الزعنون في حديثه بان دولة فلسطين “قطعت مشوارا طويلا بخصوص كريمة ؤعد بلفور والحرائق التي ترتبت عنه فعلى مدار اكثر من عام كامل، قامت دولة فلسطين بمفاوضات ولقاءات عديدة مع بريطانيا ومنها اتفاق وزيري خارجية البلدين على تشكيل لجنة لدراسة وتقييم الموضوع وهو الامر الذي لم يجر تنفيذه”. وأضاف بان المواقف البريطانية “تدرجت الى ان وصلت الى رفض طلب الاعتذار والاصرار على اجراء احتفالات تمجد الوعد وتم إصدار الرد الرسمي بتاريخ 22 ابريل الماضي “، مؤكدا في هذا الصدد بان مسؤولية بريطانيا “قائمة ومؤكدة ومستمرة وهي مضاعفة لانها لا تملك الحق في منح ارض لا تملكها اولا وبحكم التفويض الممنوح لها من عصبة الامم بوصفها الدولة المنتدبة على فلسطين”.
وقاحة بريطانية..

وأعلن زعيم المعارضة جيريمي كوربين انه لا يستطيع حضور العشاء، من دون المزيد من التفاصيل، بينما ستحضر وزيرة خارجية حكومة الظل العمالية اميلي ثورنبيري الحفل.
وقال أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم إن تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن احتفال بريطانيا بالذكرى المئوية لصدور “وعد بلفور” تنم عن جهل بحقائق التاريخ ووقاحة سياسية، وإصرار على تأييد الجريمة التي وقعت بحق الشعب الفلسطيني.
وأوضح عبد الرحيم في بيان أن إصرار رئيسة الحكومة البريطانية على الاحتفال بمرور مائة عام على الوعد المشؤوم يمثل أيضا تأييدا للسياسات العنصرية والقمعية التي يمارسها الاحتلال وتؤكد، بصورة لا نقاش فيها، أن بريطانيا تقف إلى جانب استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط بتدمير حل الدولتين والتوصل إلى حل يكفل للشعب الفلسطيني الحصول على دولته في حدود عام 1967 وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. واعبتر أمين عام الرئاسة أن “هذا الفخر الذي تحدثت عنه رئيسة الوزراء البريطانية بإقامة الكيان العنصري فوق أرضنا وعلى أنقاض الشعب الفلسطيني هو العار بحد عينه وهي السياسة التي لم تتغير لبريطانيا طوال احتلالها أو ما يسمى انتدابها على فلسطين، وبذلك فهي تتحمل مسؤولية سفك دماء شعبنا ومعاناته مع الشعوب العربية جميعها”. وتابع “لكن الشعب البريطاني بدأ يدرك الآن حجم المأساة والجريمة التي صنعتها بريطانيا عن عمد وسابق إصرار وها هو يشارك شعبنا في وطنه تضامنه ووقفته ضد تلك السياسة الاستعمارية ورموزها الذين يستحقون المحاكمة والعزلة لكل من يؤيدها”.
ويخطط الفلسطينيون لتظاهرة الخميس في مدينة رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، في اطار حملتهم التي دعوا فيها بريطانيا للاعتذار عن وعد بلفور. وقال مسؤولون انهم يفكرون في مقاضاة بريطانيا بسببه.
و طالب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله بريطانيا بالاعتذار عن “الظلم التاريخي الذي ارتكبته بحق شعبنا وتصويبه بدل الاحتفال به”.
وقال الحمد الله “لقد أصبح لزاما على المجتمع الدولي، ونحن نقترب من المئوية الأولى لوعد بلفور المشؤوم، إنهاء الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا”.
وأرسل بلفور وعده على شكل رسالة الى اللورد وولتر روتشايلد، وهو قيادي في المجتمع اليهودي البريطاني، وافقت عليه الحكومة البريطانية.
ويرى البعض ان الاحداث التي تلت الوعد، مثل سياسات بريطانيا المتناقضة والجهود الصهيونية، قل لت من أهميته. لكن آخرين يرون بأنه أمر كبير، وقد ساعد في وضع أسس اقامة الدولة العبرية وايضا زرع بذور الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
ويقول المؤرخ الاميركي جونثان شنير، مؤلف كتاب بعنوان “وعد بلفور”، لوكالة فرانس برس إنه “أمر دراماتيكي” ويضيف “يرى الاسرائيليون ان (الوعد) وضع حجر الاساس لولادة الدولة اليهودية، ويرى العرب أنه حجر الاساس الذي أدى الى تشريدهم وبؤسهم”.
واعتبر القادة البريطانيون في حينه ان بإمكان الجالية اليهودية مساعدتهم في الفوز بالحرب العالمية الاولى بسبب تأثيرها في مجال الاموال وداخل روسيا، بحسب شنير.ورأى اخرون ان بريطانيا كانت تسعى الى الحصول على موطىء قدم قوي في الشرق الاوسط بعد الحرب.
وتقول مديرة معهد دراسة اسرائيل والصهيونية في معهد بن غوريون باولا كابالو، انه بغض النظر عن الدوافع، “لو اضطر احدهم لاختيار خمس وثائق شكلت تاريخ اسرائيل ووجودها، فان وعد بلفور يجب ان يشكل إحداها”.
بالنسبة للفلسطينيين، فان وعد بلفور كان استعماريا وحتى عنصريا.
ويقول الوعد “لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين”.
ويقول الفلسطينيون انه بالاضافة الى فشل وعد بلفور ذكر الفلسطينيين بالاسم، فشلت بريطانيا أيضا في ضمان هذا التعهد.
ويقول نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، “تمت كتابة الوعد وكأن الفلسطينيين لم يكونوا موجودين”.
ويضيف “تمت الاشارة إلينا بأننا الآخرون، الآخرون في فلسطين الذين كانوا يتمتعون بحقوق مدنية ودينية، ولكن ليست لديهم حقوق سياسية على الاطلاق”.
وأعلن قيام دولة اسرائيل بعد 31 عاما من الوعد، في عام 1948، ما أدى الى تهجير 750 ألف فلسطيني.
واحتلت اسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة في عام 1967 بعد حرب الايام الستة. وقامت بعدها بضم القدس الشرقية التي يتطلع الفلسطينيون الى ان تكون عاصمة لدولتهم المنشودة.
ويبقى حل الدولتين، أي وجود دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تتعايشان جنبا إلى جنب بسلام، المرجع الاساسي للاسرة الدولية لحل الصراع.
ولكن مع استمرار البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، تبود آفاق حل الصراع بعيدة.


بتاريخ : 02/11/2017

أخبار مرتبطة

بوبكر لركو: الحقّ في التعليم يفترض ثلاثة مستويات التزام، شأنه في ذلك شأن حقوق الإنسان كلّها، وعلينا التحلي بالحذر والحوار

أعلن مرشد الجمهورية الإيرانية الإسلامية، علي خامنئي، الحداد خمسة أيام في البلاد، إثر مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم

نظمت كل من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و جمعية المغاربة ضحايا التهجير القسري من الجزائر سنة 1975 بشراكة مع كلية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *